خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
الشرق الأوسط عبارة عن ساحة سياسية واقتصادية معقدة، ولطالما بعثت أحداث هذا المشروع التاريخي على لفت أنظار العالم. والقضايا المختلفة في المجالات المتعددة تُقدم بشكلٍ يومي صورة جديدة عن الشرق الأوسط؛ حيث تُجدر إضافة الصراعات القومية والدينية الواسعة، والأبوة الجديدة، والصور المختلفة للسّلفية، وتحديات الهوية، وبالتأكيد الكرامات المجروحة إلى سوابق الشرق الأوسط؛ بحسّب “إبراهیم إخلاصي”؛ في التحليل المنشور على موقع “المركز الدولي لدراسات السلام” الإيراني.
ووجود الفساد البنيوي في الكثير من حكومات الشرق الأوسط الجديد، يُعتبر من الآفات الحارقة والشمائل القديمة والجديدة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والحكام بلا شك على وعي بهذه الآفة، لكن يفتقرون للجرأة في التعامل معها؛ حيث يتطلب العلاج الأساس هدم الكثير من الهياكل “السياسية-الاجتماعية” و”الثقافية-الاقتصادية”.
الفساد البنيوي..
ورغم امتلاك الدول النفطية في الشرق الأوسط للكثير من الاحتياطيات الجوفية والثروة اللانهائية، فضلًا عن هيكل السلطة السياسية العمودي، فإنها تُعاني تراجع مؤشرات الديمقراطية والحقوق السياسية والحريات المدنية.
لكن الفساد البنيوي يتخذ منحى صعودي بشكلٍ يومي؛ حيث لا يميل حكام هذه المنطقة لمكافحة الفساد، والسؤال: لماذا لا يستطيعون ؟..
الفساد الحكومي هو أسوأ الأنواع، لأنه يشمل مجالات بلا حصر ويحول دون تقدم وتنمية أي دولة، ويقيد الحريات المشروعة، ويضع عقبات بالغة الصعوبة على مسّار إدارة الدول.
هياكل مضادة للفساد..
ويطرح خبراء الاقتصاد وعلماء السياسية، بناء هياكل مضادة للفساد كعلاج لتلك المجموعة من الدول التي تسّعى للوفاء بالمتطلبات الخمس التالية:
01 – يُعتبر عدم تشكيل الأحزاب القوية والمستقلة في الشرق الأوسط؛ أحد أهم العيوب السياسية. لأن أنشطة هذه الأحزاب والتيارات السياسية قد تحد من الاضطرابات “السياسية-الاجتماعية”، الأمر الذي يصب في إصلاح القوانين، والصلاحيات القانونية، وإمكانية تنفيذها في إطار نظام الحكم الجيد.
لذلك فإن وجود أحزاب واقعية، ومستقلة بغض النظر عن ضغوط السلطة؛ قد يكون أول خصائص البنيان المضاد للفساد في دول الشرق الأوسط.
02 – الميزة الثانية للبنيان المضاد للفساد؛ هي وجود إعلام ينشر النقد والوعي، يستطيع مواجهة ظاهرة الفساد المعقدة ودره في بناء المعرفة وترويج الشفافية في إطار جهود الحد من الفساد.
وتستطيع وسائل الإعلام المستقلة؛ بغض النظر عن ضغوط السلطة، التأثير بقوة في مجال مكافحة الفساد، وهذه مسألة لا يمكن تجاهلها.
03 – خلق أجواء اقتصادية معينة تقوم على نظام العرض والطلب مع سيطرة حكومية ضئيلة بحكم الضرورة، قد يُهييء مجال خلق سوق غير مركزية تحد من إمكانية التدخل الحكومي.
ومن جملة الخصائص المؤثرة لهذا السوق في إطار مكافحة الفساد، إمكانية توسّيع دائرة العرض والطلب واتخاذ قرارات مرضية.
لذلك فإن وجود اقتصاد حر وتنافسي يُعتبر من ضروريات البنيان المضادة للفساد.
04 – وجود معارضة قوية ومسّاوية للسلطة الحاكمة في أي دولة قد يكون أحد الآليات المؤثرة والمناسبة في النقد، والمراجعات، والتقييّم، ومتابعة أداء الحكومات، وتعتبر جزء هام في البنيان المضاد للفساد في أي دولة، وعامل محدد في مكافحة ظاهرة الفساد المعقد.
05 – أن تكون الأولوية للمصالح الوطنية على قائمة الأهداف الخاصة للتيارات النافذة في مجال “السياسة-الاقتصادية” في دول الشرق الأوسط المختلفة، هو أحد النقاط الهامة الأخرى.
وهذا يعني ببساطة أن السياسيات الأساسية والمتوازنة لابد وأن تتحول إلى قوانين، ولوائح، وتقليل الأهداف الربحية إلى صفر.
لذلك يجب أن تكون الأولية للمصالح الوطنية والعامة عمليًا، وأن يكون اقصاء التيارات النافذة أحد الأهداف العاجلة للبنيان المضاد للفساد في أي دولة.
وتُمثل سرعة التطورات العالمية وبلورة آليات جديدة في مجال الحكم، جرس إنذار لحكام الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومتى تمكنت هذه الدول من امتلاك نظام حكم مقبول في بلدانهم فسوف تستطيع المضي قدمًا على صعيد التنمية السياسية والمحافظة على الكرامة الإنسانية، في ضوء المسّاواة أمام القانون، وتقديم الردود، التأثير والفاعلية، وضمان المشاركة السياسية، وكذلك مكافحة الفساد.
وسوف أختم مقالي بجملة؛ “ديفيد هيوم”، الجميلة وفيها: “النظام السياسي الجيد يتبلور حول فرضية، لو أن جميع المسؤولين لصوص ولا يتمتعون بالكفاءة فلن يكون بمقدورهم إلحاق الضرر بالمصالح العامة”.