بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ الانفال 51]
ابتدأت الآية المباركة بقوله تعالى ” ذلك بما قدمت ايديكم” فما معناها ..؟ جاءك كلمة ذلك في القران بحالات عديدة. منها قوله تعالى:{ الم* ذَٰلِكَ لْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} وقوله تعالى:{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وقوله:{ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} وعشرات الآيات ورد في كلمة ذلك. فما هو حكمها ودورها في النص}.
** ذلك “كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ ذَا الإِشارَةِ*،َحُذِفَتْ أَلِفُ الذا لِدُخولِ لاَمِ البُعْدِ عَلَيْها، هِيَ اسْمُ إِشارَةٍ لِلبَعيدِ : ذَلِكَ الرَّجُلُ . نقول في ذلك العام. فمعنى قوله: “ذلِكَ الْكِتابُ” أَى: هَذَا الْكِتَابُ وَهُوَ الْقُرْآنُ،. لماذا جاءت كلمة ذلك خصيصا في صدر سورة البقرة المباركة الجواب : يقول المفسرون :َانَ اللَّهُ وَعَدَ نَبِيَّهُ محمد {ص} أن يُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ احد وَلَا يَخْلَقُ أي لا يبيد مَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ عليه ومحاربته. فَلَمَّا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ قَالَ تعالى :[ ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِى وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْزِلَهُ عَلَيْكَ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ]،علَى لِسَانِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِكَ . كما هو معروف” إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ سُوَرًا كَذَّبَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: “ذَلِكَ الْكِتَابُ” وَسُمِّى الْكِتَابُ كِتَابًا لِأَنَّهُ جمع حرف إلى أحرف. قَوْلُهُ تَعَالَى: “لَا رَيْبَ فِيهِ”، أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ من عند الله وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ. اذن وجود كلمة [ ذلك في صدر سورة البقرة تبين ان القران ذكر في الكتب المقدسة التي نزلت على الانبياء وانه خاتم الكتب التي لا ياتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه .فاشار اليه رب العزة انه هو ذلك الكتاب الذي وعدت ان انزله اخر الكتب واخر الرسالات واخر الانبياء . فأشار اليه بكلمة ذلك.!!
** معنى اليد في القران: المعنى الأول لكلمة اليد في القرآن: معناها اذا اطلقت لله نعني بها القدرة ،كما في قوله تعالى:﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ اليد هنا بمعنى القدرة، لان اليهود يعتقدون أنّ الله تعالى عندما خلق الوجود فوّض الوجودَ إلى نفسه وقدرته.. ثم حدثت بعد ذلك حوادث جعلت ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ لأنّ الله رفع تدخله عن الوجود بعد خلقه للوجود فوصلت العقلية اليهودية الى ان ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾.
** يعتقد المسلمون ان الوجود يحتاج إلى المدد الإلهي والقدرة الإلهيّة في كلّ آن يمرّ على هذا الوجود، ولا يبقى الوجود لحظة بأكمله إلا بمددٍ من الله وإفاضةٍ للقدرة الإلهيّة عليه . يقول تعالى في اية الكرسي[ لا تاخذه سنة ولا نوم] السنة هي لحظة انطباق الجفنين بسبب النعاس. فهنا اليد اُسْتُعْمِلت في القرآن الكريم في هذا المورد ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ اُسْتُعْمِلت بمعنى القدرة الإلهيّة في بعض مورد الآية المباركة: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) هنا يتحدّث عن قضيّة خلق آدم ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ﴾ «بيديّ» بمعنى: بقدرتي، الذي خلقته بقدرتي.. لماذا لم تسجد له؟ ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ هنا استفهام عند المفسّرين أنّه لماذا ثنّى اليّد؟ لماذا قال ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ لم يقل: «خلقتُ بيدي» ،عبّر بالمثنى، لم يعبّر بالمفرد .. الجواب: التثنية هنا أنّ آدم «ع» يملك بعدين :بعد مادّي: وهو الجسد. وبعد مجرّد: وهو الرّوح .فالله تعالى عندما خلق آدم أفاض إفاضتين: إفاضة ماديّة. وإفاضة مجرّدة وهو الرّوح. لأجل ذلك عبّر بالتثنية، قال: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ ..
المعنى الثاني الذي استعملت فيه كلمة اليد في القرآن:
استعملت كلمة اليد بمعنى العطاء والبذل، مثلاً قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ المطلوب هو الاعتدال في الاستهلاك، والاعتدال في الإنفاق، انظر إلى المجتمع العراقي والخليجي الآن كلّ الكتاب يكتبون عنا انا مجتمع استهلاكيٌ وليس مجتمعً إنتاجيً، المجتمع الاستهلاكي هو المجتمع الذي تطغى عليه روح الاستهلاك من دون ترشيد ومن دون وعي، الاستهلاك من دون حاجة للمواد.
**مثلاً قد يدخل احدنا مولا او السّوق، ما ينظر الى ما يحتاجه فعلا بحيث اذا اشترى من تلك المادة تجزيه وتكفيه , [المجتمع الاستهلاكي ينظر غالبا الى ما في ايدي الناس] وحين يرى او يسمع ان الناس تأخذ المادة الفلانية فهو أيضا بالعقل الجمعي, يشتري منها .. وعقلية الاستهلاك لو اصيب بها الانسان . فانه يخسر امواله واغلب المواد التي يشتريها لأنه اساسا لا يحتاجها الا ضمن حد معين. فيحل الاسراف في الاسرة والمجتمع. انظر الى الاسواق بكل اشكالها في راس كل شهر .يقول امير المؤمنين{ع} عن المال( في حلاله حساب وفي حرامه عقاب وفي الشبهات عتاب)كانت الاسر قبل ربع قرن واكثر يجتمعون في غرفة واحدة لمتابعة برنامج معين في تلفزيون يكون للبيت كله , فتجتمع الاسرة الاب يرى ابناءه والام ترى ابناءها , بل الزوجة والابناء يرون اباهم .. الان بسبب سيطرة الاستهلاك اصبح بعضنا لا يرى ابنه اذا كان يشتغل والام لا ترى ولدها الا بالصدفة . لان في كل غرفة جهاز تلفزيون وهذا هو الانفاق ومثلها السيارات . كانت الاسرة تكتفي بسيارة واحدة الان كل ولد او بنت تريد سيارة . وهذه زيادة عن اللزوم في الاستهلاك:﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ – يعني: عطاءك وإنفاقك تجعل يدك مغلولة ولا تبسطها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾، هنا اليد بمعنى العطاء. ما معنى اليد؟ معناها: العطاء وهناك قصص في التاريخ فيها عبرة لمن اعتبر..
*** كان المعتمد بن عبّاد أمير إشبيلية في الأندلس يعيش حياة مترفَة غاية في التنعم ، طيبات الدنيا تُجلَب له، جلس ذات يوم هو وزوجته وبناته على شرفة جميلة في القصر، تطل على بحر وساحل امامه . فرأت زوجته أناسًا يمشون في الطين, اثناء صيد السمك ينزلون في الطين . فاشتهت أن تخوض في الطين كما يفعلون، ولكا كانت تعتبر نفسها افضل من كل نساء العالم لانها زوجة ابن عباد . طلبت من زوجها ان يصنع لها بركة طين في القصر(لاحظ الاستهلاك الغير مبرر)فامر ببناء بحيرة في القصر وجلب فيها الطينُ ونثر الهيل والزعفران والورود في ساحة القصر، ثم خلطوا بماء الحوض ماء الورد والقوا فيه مسك وكافور, وجاءت زوجة المعتمد بالله ابن عباد وبناته ’ ليتلذذن بالدخول في الطين . فدخلت الزوجة ام الشبلين لتخوض به هي وبناتها ساعة في الطين الذي كلف خزينة الدولة اموالا طائلة ، وتحققت رغبتها . وشعرت باللذة وانتهى الموضوع.
** جاء في التفسير الميسر :قوله تعالى { ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام} الله يصف نفسه بارحم الراحمين . هنا يبين انه انزل عليهم الغضب لأنه جزاء الذي أصاب المشركين بسبب كفرهم وأعمالهم السيئة والمسلمين بسبب اعمالهم البعيدة عن الاسلام ولا يظلم الله أحدًا..
ــــ ** يجب ان نأخذ من التاريخ عبرة واسوة . والا سيصيبنا كما اصاب الذين من قبلنا. في نهاية القرن الرابع الهجري جرت فتنة واختلاف في الدولة الاسلامية العربية في الاندلس بسبب صراع السياسيين على المناصب والامتيازات. كانت في بدايتها بين المتنفذين اولا ثم انتقل الخلاف الى العوام في الشارع .ابتدأ بالتهديد والاغتيال السياسي انتهت السيطرة التي فرضها المنصور بن أبي عامر على الأندلس في ظل الخلافة الأموية جاء من بعده ولده الذي عُرف باستهتاره وغبائه السياسي ليزيد الفتنة في الأندلس، ويعلن نفسه خليفة منهيا بذلك حقبة بني أمية، ولما ضعف الامويون في الاندلس تحالفوا مع البربر القادمين من اجل القضاء على الفتى المراهق ابن منصور ابن عامر. فحدثت في زمان ابن منصور فتنة كبرى استمرت عشرين سنة شهدت الاندلس سفك الدماء. وفعلا ضعفت حكومة الامويين وظهرت أسرة بني حمود البربرية .وبدات مرحلة جديدة عُرفت في تاريخ الأندلس باسم “تاريخ ملوك الطوائف” وهم الرؤساء والأمراء الذين أعلنوا استقلالهم السياسي عن قرطبة بعد سقوط الأمويين، ومن جملة هؤلاء القاضي إسماعيل بن عبّاد الذي وثق فيه أهل الأندلس أثناء الفتنة التي عصفت بقرطبة. .استقر الحكم لآل عبّاد في إشبيلية الى زمن المعتمد يوم جلوسه على العرش كان عمره ثلاثين سنة.
** من سمات تلك الفترة ان كل أمير يتربص بأصحابه من الأمراء ويتحين الفرص للانقضاض عليهم وإزالة سمعته وان يجعل الناس ينفرون منه وصار كل منهم يضم الاراضي الى ملكه، ولا يرى بأسا الخديعة والدس ويعطي عهودا للعدو ضد ابناء دينه. فتربص العدو للإيقاع بالأمراء جميعهم، من جانب اخر أمراء ذلك العصر كانت تلهيهم توافه الأمور وصغائرها عن الأمور الجسام، ولهوهم ونزواتهم وفسادهم وميلهم للنساء شغلهم عن مراقبة الحوادث، وعلاج الموقف الحرج, فضاقت الناس واصبحت الأحوال سيئة، واصبح للجيران سلطة في البلاد وتعاون من في القصور والسلطة مع جيرانه واعداء دينه لغاية ضرب ابناء وطنه ودينه. فكان الخليفة والحاكم لا يخلو من العيوب ، فقد كان لإسرافه في الإنفاق على ندمائه وعلى الشعراء والمتملقين ,وكان يحب من يبين انه حريص على مساعدة الفقراء .. بل يتمتع لو مدحه شخص تملقا ونفاقا . هذا النوع من الطغاة يزيد سوء البلاد من سيء الى اسوأ ..فتعطلت البلاد وحل الظلم بدلا من العدل , وازداد الفقر , وتحولت كل الدولة في الاندلس الى مجال رحب للخارجين على القانون وكثر القيل والقال..
بالمقابل وجد شعراء الأندلس الفرصة للربح والفوز بالقرب من الامير .. فوفدوا على المعتمد وصاروا يعقدون احتفالات صاخبة يبينون فيها المنجزات والبطولات للقائد الملهم وغيره.. وكان المعتمد يظهر للشعراء انه يحب الادب والادباء . لأنه يعرف الشعب لا يحبه ولا يحترمه . فكان يجزل العطاء للخدام والشعراء والمتملقين . ويبعد اصحاب الكفاءة والمخلصين من ابناء الوطن. فصار المخلص يشعر انه غريبا في وطنه. وكانت محاولات الحكام في الاندلس انهم يتخبطون بقراراتهم ,
يتصورون ان الشعب يشعر بالسعادة لو اقيم مؤتمر يدعون اليه فرق موسيقية وطرب وغناء والعاب .لذلك نجد في سطور التاريخ ان مدح هؤلاء المنحرفين ضيع على الامة الاسلامية والعربية وامكانيات يتحملها المتملقون الشعراء والصحفيون الذين نفخوا في كروش نتنه جعلوا منهم ابطالا حرسوا الاسلام وصانوا القران .
***لا ننسا ان بعض هؤلاء المنحرفين بنوا جوامع كبيرة في اغلب البلدان الاسلامية لا زالت بأسمائهم .منهم احمد بن طولون الذي ولد في سامراء ومات ودفن في مصر ..فمن هو ابن طولون .؟ هو من اصل تركي غير عربي. اسس الدولة الطولونية فى مصر. لما استقل بمصر خلعها من الحكم العباسي سنة 877 .. قبل ما يتولى احمد بن طولون حكم مصر كانت مصر ولاية عباسية تابعة الى بغداد وسامرا.. المعروف ان الحكام العباسيين عشقوا الجميلات التركيات فكان كل واحد منهم حريم الملك وسراري اخريات من اوربا وتركيا , فولاه ابوه بسبب حبه لامه على مصر وكان عمره 30 سنة , كانت وظيفته وكيلا لزوج امه اسمه ” باياك ” اللى عينه الخليفه العباسى والى على مصر، باياك بعت ابن امراته احمد بن طولون على مصر لينوب عنه .. ولما مات زوج امه استقل بمصر عن الدولة العباسية ..هذا ما جاء من فراغ بل بسبب الفساد.
** في بداية الفساد أدخل المعتصم العباسي الأتراك إلى مناصب الدولة العباسية، ولاهم مناصب كبرى، كان بايكاك التركي أحد أبرز العناصر الذي برز على المسرح السياسي أثر الصراع الذي انتهى بِمقتل الخليفة المُستعين وتولية المُعتز. كان القائد التُركي بايكاك في مُقدِّمة القادة التُرك الذين أداروا الصراع، لما انتصروا تقاسموا المدن فيما بينهم. فاخذ بايكاك مدينة مصر ونواحيها، وحين راى اموال مصر وجمالها . اثر ان يبعث ابن واحده من حريمه واليا على مصر بديلا عنه . ولما مات عزل ابن طولون مصر عن الدولة العباسية .
كان لابن طولون ولد اسمه احمد , اصبح واليا مكان ابيه على مصر وقام بدفن ابيه في غرفة من غرف مسجد ابن طولون في مصر. وعين له قارئا للقران وجماعة يحرسون القبر. واعطى قارئ القران راتبا مجزيا. ولكن وصل اليه الخبر بعد ثلاثة اسابيع ان قارئ القران ترك العمل ولم يعد يأتي للقراءة في القبر. فارسل عليه الشرطة فجاءوا به اليه , فساله عن سبب امتناعه من المجيء للقبر وقراءة القران .؟ فقال له القارئ اتأمنني يا امير, قال نعم . قال حين قرات اول اسبوع جاءني والك وتوسل الي ان اترك القراءة على القبر فقلت انها أضغاث احلام . وتكررت مرات . اخرها جلس على صدري وقال والله سأقتلك .. فسالته عن السبب . فقال كلما تقرأ آيات القران على قبري يزداد علي العذاب ويقول لي الذين يتولون عذابي الم تسمع بكلام الله في حياتك .كيف كان الله يبين مسؤولية الحاكم امام الله واما حقوق الناس . فيزداد علي الضرب والعذاب . اخي اترك الموضوع. لان قراءة القران تؤذيني.
** اذا رأيت الانفاق على الشعراء المادحين إنفاقا ونفاقا لا حد له[ حدث مرة أن جلس في مجلس فيه احتفال , وأحضر المغنون واصحاب الطرائف والنوادر] يعني الفنانين ــ كان من جملة الفنيات تمثال جمل من البلور، وله عينان ياقوتيتان، وقد حُلّي بنفائس الدر، وكان من حضر الشاعر أبو العرب الصقلي، وأنشد قصيدة يمدح فيها المعتمد، فأمر له المعتمد بذهب كثير كان امامه، وطمحت عين أبي العرب إلى تمثال الجمل فقال معرّضا بذلك: “ما يحمل هذه الصلة إلا جمل”!، فقال له المعتمد: “خذ هذا الجمل فإنه حمّال أثقال”، فارتجل أبو العرب قائلاً: أهديتني جملاً جونا شفعت به *** حملاً من الفضّة البيضاء لو حملا. الجون الخليج الذي لا ينفذ.
ومما ذكره المؤرخ الأندلسي ابن بسام عن إسراف المعتمد أنه أمر بصياغة غزال وهلال من ذهب، فصيغا، فأهدى الغزال إلى زوجته، والهلال إلى ابنه الرشيد، فمدحه الشعراء بقولهم : بعثنا بالغزال إلى الغزالِ وللشمس المنيرة بالهلال ــ هذا ديدن الشعراء والمتملقون مع الذين يدفعون . ولذا ذكرهم القران الكريم :{وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ *أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ}.
فالغيّ خلاف الرشد الانسان الراشد الذي لا يهتم إلا بما هو حق ,اما الغويّ هو الذي يختار الباطل ويبتعد عن طريق الحق، الظاهر يبين القران رايه بالغواية[من يختص بصناعة الشعر المبني على التخييل يتصور غير الواقع لذلك لا يهتم به إلا الغاوي المشغوف بالتزيينات الخيالية الوهمية الملهية عن الحق التي تصرفه عن الرشد، ولا يتبع هؤلاء الشعراء الذين يبتني صناعتهم على الغواية إلا الغاوون مثلهم كما في قوله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون}. اما قوله: {ألم ترَ أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون} يقال: هام ويهيم {ذهب على وجهته} في كل واد يهيمون في القول من غير أن يعرفوا او يحققوا بين مدح الباطل وذم الحق ــ ربما مدحوا الباطل المذموم كما يمدح الحق المحمود ــ وكثير منهم دعوا إلى الباطل وصرفوا شعرهم عن الحق وفي ذلك انحراف عن الفطرة الإِنسانية المبنية على الرشد الداعية إلى الحق.
ومن الخيال الشعري الغزل الذي يصف الشاعر امرأة معينة كأنها قمر او ان الله خلقها مميزة عن نساء العالمين . واشهر هؤلاء الشعراء يزيد بن معاوية . الذي اذهب الله دولتهم بما كسبت ايديهم من ظلم الناس والوقوف ضد الحق الذي يمثله ال محمد {ص} ما ترك رسول الله امرا الا وضحه لامته . فقال عن جهة الحق يبينها للناس حتى لا يكونوا على ظلال . قال: {علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار} بينما نجد في تاريخنا من يمجد معاوية الذي سن شتم علي بن ابي طالب{ع} ثمانين سنة ووقف ضد ال البيت {ع} في كل مظهر . من مظاهر الحياة.
وذكر لنا التاريخ الشعراء الثلاثة :{ الفرزدق وابن الرومي والبحتري} وليس شرطا ان ارتجز الفرزدق قصيدة مدح الامام زين العابدين {ع} وما اهداه الامام له كونه وقف مع الحق تلك الفترة . فقد سبقه الدكتور محمد مجذوب حين زار قبر الامام امير المؤمنين{ع} وعاد للشام وانشد في قبر معاوية :أين القصور أبا يزيد ولهوها والصافنات وزهوها والســؤددُ**
اين الدهاء نحرت عزته على أعتاب دنيا سحرهـــا لا ينفـــــــــدُ** تلك البهارج قد مضت لسبيلها وبقيت وحدك عبرة تتجـددُ**هذا ضريحك لو بصرت لبؤسه لأسال مدمعك المصير الأسودُ** كتل من الترب المهين بخربةٍ سـكر الذباب بها فراح يعربدُ**حتى المصلى مـظلم فـكأنه مــــذ كــان لم يجـتـز بــه متعـــــبدُ**أبا يـزيد وتلك حكمة خالق*لآ ماذا اقول وباب سمعك موصد**قم وارمق النجف الشريف بنظرة*يــرتد طرفـك وهـو باك أرمـدُ..تلك العـظـام أعز ربك قـدرها فتكاد لـولا خــوف ربــــك تـعـبـــدُ**ابدا تباركها الوفـود يحـثـها* من كـل حدب شوقــها الـمـتـوقــدُ **نــازعتها الـدنيا ففزت بوردهــــا ثم انقضى كـالـحلم ذاك الــمـوردُ..
وموقف الفرزدق من الامام زين العابدين: عندما قدم هشام بن عبد الملك للحج برفقة حاشيته وقد كان معهم الشاعر الفرزدق وكان البيت الحرام مكتظاً بالحجيج في تلك السنه ولم يفسح له المجال للطواف فجُلب له متكأ ينتظر دوره وعندما قدم الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) انشقت له صفوف الناس حتى أدرك الحجر الأسود فثارت حفيظة هشام بن عبد الملك ولما سأله أحد مرافقيه من أهل الشام عن هوية ذلك الشخص، أجابه هشام أنه لا يعرفه، مع أنه كان يعرفه جيداً ولكن خشي أن ينبهر به أهل الشام فلم يتمالك الفرزدق من كتم تبجيله واحترامه للإمام السجاد (ع) فقام مرتجلاً أمام هشام بن عبد الملك قصيدته المشهورة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم*هذا ابن خير عباد الله كلهم*هذا التقي النقي الطاهر العلم* إذا رأته قريش قال قائلها*إلى مكارم هذا ينتهي الكرم* يكاد يمسكه عرفان راحته*ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم*وليس قولك من هذا ؟ بضائره *العرب تعرف من أنكرت والعجم*ما قال لا إلا في تشهده* لولا التشهد كانت لاؤه نعم *هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * العرب تعرف من انكرت والعجم * من معشر حبهم دين وبغضهم*كفر وقربهم منجى ومعتصم* *إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم ـــــــــ
دخل أبو حمزة الثماليّ على الامام زين العابدين فوجده حزيناً باكيا فقال له يا بن رسول الله, أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقلّ؟ إنّ القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة, فما هذا البكاء؟ فالتفت إليه الإمام زين العابدين{ع}وقال: شكر الله سعيك يا أبا حمزة, هل رأت عيناك أو سمعت أذناك أنّ علويّة سُبيت لنا قبل يوم عاشوراء؟ قتل الرجال لنا عادة, ولكن هل سبي النساء لنا عادة؟ هل حرق الخيام لنا عادة؟ والله يا أبا حمزة ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلّا وذكرت فرارهنّ يوم عاشوراء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء ومنادي القوم ينادي، أحرقوا بيوت الظالمين وهنّ يلذن بعضهنّ ببعض وينادين: واجدّاه وا محمّداه…
قلبي يبو حمزة تراه تفطّر وذاب* مثل المصيبه اللي دهتني محّد انصاب*ذيج البدور اللي ابمنازلهم يزهرون * والليل كله من العبادة ما يفترون* سبعة وعشرة عاينتهم كلهم اغصون* فوق الوطية مطرّحين بحرّ التراب* ريتك ترى جسم العلى المسناة مطروح* وذاك الشباب الذي بالعرس مذبوح÷ لو شفت الاكبر ما لمتني بكثرة النوح , كلمن طلع من خيمته في كربلاء غاب. وأعظم مصيبة زيّدت حزني عليّه* شاهدت جسم حسين تحت الاعوجية * كلبي انكسر من ركبوا زينب مطية . تبجي ومن كثر المصايب راسها شاب .. يا ابا حمزة القتل لنا عادة .. ولكن اسمع مني ما اقول : ما نكست راسي لاجل فقد الأماجيد** لكن نكّس راسي دخول زينب مجلس ايزيد .. صارت تلتفت وتنادي.. انا منين ابو فاضل اجعده واركب جفوفه فوك زنده واكله الحرم صارن بشدةز