خاص: إعداد- سماح عادل
السيرة الذاتية صنف أدبي معروف منذ زمن، يعتمد على ولع القراء ولهفتهم للتعرف على تفاصيل حياة الآخرين، سواء أكانوا مشاهير وعظماء، أم أناس عاديين، ذلك الشغف للتعرف على تفاصيل حياة الآخرين يعطي للسيرة جمالها ولمعانها، كما أن أهداف كتابة السيرة قد تعددت، منها المصارحة والتطهر من الأخطاء، وتصوير طريق الحياة المليء بالعقوبات والفرص.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:
- هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
- ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
- هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
- ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
- البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟
ولع الاطلاع على حيوات الآخرين..
يقول الكاتب الكردي السوري (إبراهيم يوسف): “لابد من الإشارة إلى أمر مهم، ألا وهو حقيقة تداخل الأجناس الأدبية، وولادة جنس جديد يستفيد من الأجناس الإبداعية جميعها، ولقد جاءت الرواية الجديدة، أو الحداثية، في أول هذه القائمة، وهذا ما يمكن خوض الحديث فيه، على نحو خاص.
أما بالنسبة للسيرة الذاتية، فهي فن خاص له قواعده وأصوله، كما هو حال فن آخر ذي علاقة به هو “المذكرات”، وسنتناول- هنا- فن السيرة- الذاتية، انطلاقاً من خصوصيته ضمن- فن السيرة- العام. إذ إن لا رواية، من خلال وجهة نظري إلا وتكون سيرة الكاتب حاضرة فيها: مواءمةً أو اختلافاً، نظراً لأن الإبداع الحقيقي حصيلة التقاء ينابيع عدة من عمق التجربة والثقافة ناهيك عن عامل- الموهبة- وإمكانات المبدع.
شخصياً، أعنى إلى حدٍّ كبير بالجانبين النظري والتطبيقي لحضور- السيرة- بكل أشكالها، في الرواية، ولكن ضمن شروط إدراك حدودها، والالتزام بها، من دون أن تهيمن على الشرط الروائي. جوهر الرواية. روح الرواية.
وإن كنت- أرى على سبيل المثال- أهمية استخدام ضمير المتكلم: أنا، الأكثر استيفاء للجانب السيروي، لا ضمير الغائب، مفضلاً الابتعاد عن- اسم الكاتب- ما أمكن، من دون أن ينحصر العمل برمته على الترجمة السيرية له، لأننا نكون أمام- عمل سيروي- محض، وأشير- أيضاً- إلى أمر آخر ألا وهو إمكان توظيف- المذكرة- أو حتى- الوثيقة- في العمل الروائي، حتى وإن جنحتا بالخيال عالياً، وبعيداً، لأن الخيال هو الشرط الأكثر أهمية في العمل الرواية.
وعوداً إلى بدء: فإن روائياً وناقداً عربياً كبيراً هو نبيل سليمان عد كتابي- ممحاة المسافة: صور ظلال وأغبرة- الذي صدر عام 2016 متاخماً لفن الرواية، لاسيما إنني استعنت- بالخيال- في حدود فصل واحد، لدواع ذاتية، وهي وجهة نظر استوقفتني ودعتني للاستفادة منها” .
وعن “هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول: “لا يمكن التكهن بتشخيص هدف الروائي في توظيف سيرته الذاتية في العمل الروائي، وإن كان ثمة جانب يفرض حضوره، فيما يخص تلك العلاقة بين- الإبداع- والذات، ومن ضمن ذلك ولع المبدع بحضور ملامح من ذاته، كشاهد، أو لداع نرجسي- قد يستجره إلى فخ النأي عن الشرط الروائي، ولربما تتداخل دوافع عدة للاستعانة بالسيرة الذاتية في العمل الروائي، بشكل محدود، أو على نحو فائض، أو واسع، قد يؤدي إلى نقل العمل الروائي من: فضاء تصنيف إلى آخر، ولابد من التأكيد على مسألة ضرورية، أنه رغم حديثنا، عن تداخل الأجناس الأدبية، وتكامليتها.
إلا إن فن السيرة يبقى ذلك الشكل الإبداعي الذي قد يجمع بين اليومي والتوثيقي وحتى التاريخي، بلغة إبداعية، أو بسيطة، على أن تكون له علامته الفارقة عن سواه من الفنون وإن كان من الممكن أن يرفد و يفيد الفنون الأدبية عامة.
وللحقيقة، فإن- فن السيرة- يمتلك جاذبيته لكسب دوائر واسعة من القراء، لما فيه من جماليات ودلالات وخصوصيات، عندما يكون- صاحب السيرة- مبدعاً، أو مبرزاً في أحد المجالات الحياتية، إذ هناك ولع لدى جماهير واسعة من القراء فيما يخص الاطلاع على تفاصيل حيوات الأعلام والمبدعين، ومن بين هؤلاء الكتاب عامة.
وإضافة إلى هذا فإنه لا يوجد إنسان ما إلا وهناك ما يمكن أن يروى أو يرويه عن محطات حياته وتجاربه، بعيداً عما هو آلي. مكرر. متعارف عليه لدى أوساط واسعة، لاسيما إن كان ممتلكاً لأدوات الكتابة، بارعاً في التركيز على ماهو جدير بالتناول”.
ويضيف: “إن سيرة شاعر وروائي عظيم كنيكوس كازانتزاكي مؤلف- أعمال جد مهمة كما- زوربا- المسيح يصلب من جديد، ناهيك عما كتبه في الشعر والمسرح إضافة إلى نهله من روح الفلسفة، تفردت وتجلت في مؤلفه العظيم- تقرير إلى غريكو- الذي جمعت زوجته فصوله وترجمه ممدوح عدوان بلغة جاذبة، وتكاد سيرته تبزُّ سيرة بطله- زوربا- مثلا- في العديد من رسائل أو فصول الكتاب”.
وعن تجربة أن يكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم يقول: “مارست العمل الصحفي، واشتغلت على- بروفايلات- عدد من الشخصيات: كتاباً ومقربين، إلا إن ذلك كان ضمن حدود رسم صور هؤلاء من قبل متابع، قريب من نتاجهم أو ذواتهم، أو نتاجهم وذواتهم في آن. في كتابي “ممحاة المسافة: ” تناولت فيه سيرتي. الأب. الأم. القرية أو مسقط الرأس. المدينة. وجوه المقرَّبين. الأخوة. الأخوات. الأبناء والبنات. علاقتي بالصحافة. المسرح. الشعر. القصة. حلم الرواية. أجل، ثمة إشارات إلى هؤلاء الذين عانيت منهم في المراحل الأولى من حياتي. كان الكتابة مقدمة. مدخلاً حاولت من خلاله الولوج إلى عالم واسع، عسى أن أستطيع الكتابة عنه، بالشكل الكافي. كما أصدرت كتاباً آخر في العام 2017 عن علاقتي بالشعر. رؤيتي للشعر، بعنوان: هكذا أكتب قصيدتي: الشاعر والنص في مهب النظرية. فصول الكتاب الذي ناس بين: سيرة الشعر والشاعر والرؤية جاءت في إطار توضيح علاقتي بالشعر، ومكانته لدي، وهكذا بالنسبة إلى كتب أخرى منها” خارج سور الصين العظيم: من الفكاهة إلى المأساة-2020 والذي تناولت فيه يومياتي وأسرتي مع كورونا مع فصل خيالي واحد يتناول رحلة إلى الصين.
وحتى “أطلس العزلة” 2020 الذي سردت فيه يومياتي وأسرتي في ظل كورونا، إذ إنه يمكن تناول السيرة: شعرياً كما يمكن تناولها سردياً، وأنوه: إن تناول السيرة ليس أسير قالب أو شكل أدبي أو إبداعي واحد”.
وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم يقول: “ثمة راحلون وأحياء، من بين من تناولت شخصياتهم. غير أنني حرصت في ما تناولته، من سير سواي، على تحاشي تناول الإشكالي، وفق ما يناسب- مخطط الكتاب- بعكس ما أتاحته لي-الرواية- من إمكان الحرية في رسم الشخصيات، ضمن إطار تجنيسها- وهذا ينطبق على جرس إنذار 2022 وعلى جمهورية الكلب 2020 كما ينطبق على شارع الحرية 2017 ورغم ذلك فإن هناك ردود فعل متباينة تمت فيما يخص بعض شخصيات- شنكالنامه- سواء أكانت الأسماء حقيقية أم لا، وأنوه-هنا- أن تناولي لهذه الشخصيات لم يأت إلا لضرورات دلالية فنية- وربما ليس العكس- إذ إنني-عادة- أتحاشى الشخصنة…….- لمجرد- الشخصنة- إلا ضمن الإطار الفني والدلالي.
لاسيما عندما يتعلق الأمر بشخصية: مجرم، أو دكتاتور، أو طاغية، أو أمن يتعمد الإساءة، بما يخدم عالم الرواية، أو العمل الفني، أياً كان”. وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين يقول: “إن كل ما ذكرت يشكل روافد العمل الإبداعي، إذ لابد من البوح. لابد من التعري. لابد من الكشف، من جهة، كما لابد من التوثيق وتناول الواقع، بشكل أو بآخر، من جهة أخرى، ولعلي من هؤلاء الذين يرون أن أكثر النتاجات الإبداعية بعداً عن الواقع لا يمكن لها إلا وأن تكون واقعية في جزء أو أجزاء منها، إذ إن الواقع هو ركيزة تناول ما هو غير واقعي، فليس هناك ما هو خيالي خالص، ولربما ليس هناك- في الإبداع- ما هو محض واقعي خالص، من دون خيال، لأن المخيلة ليست- أداة تصوير- وليست المفردة لبنة مرهونة للتصوير، فحسب!”.
المصارحة والتطهر من الأخطاء..
وتقول الكاتبة المصرية “أمل زيادة”: “مما لا شك فيه أن السيرة الذاتية نوع محبب من أنواع الرواية. لا اتفق مع من ينكرها أو يهمش وجودها، ولنا في السابقين قدوة، ممن كتبوا سيرتهم أو قطوف منها.. ومنهم من كتب عنهم غيرهم باعتبارهم شخصيات ملهمة.
أرى أن أدب السير الذاتية، قماشة مطاطة، زاخرة بالأحداث يسهل دمج الواقع بالخيال فيها بسهولة. قد تكون مساحة الخيال أقل من الواقع السردي.. بحكم العادة وبحكم الحدوتة. لذا يجب أن تطعم بالقليل من الخيال لإضفاء عنصر التشويق وزيادة المتعة”.
وعن هدف الروائي حين يكتب سيرته تقول: “عندما يبدأ الكاتب في كتابة تجربته الشخصية مع الحياة تكون بهدف توثيق مراحل حياته مشواره وصعوباته.. وأحيان كثيرا للعظة أو لمدنا بالأمل والتفاؤل.
ليخبرنا أن الطريق لم يكن مفروشا بالورود وإنما واجهته سقطات وإخفاقات وإحباطات قد تكون هي الدافع للعديد من المحاولات حتى وصل لما هو عليه.
وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطه من العائلة وهل انتابتها مخاوف من رد فعل من كتبت عنه تقول: “كتبت عن شخصية مقربة مني لكنها فارقت حياتنا منذ عشرات السنوات. ومازال الكتاب حبيس الدرج . ربما لو كان على قيد الحياة وقرأها لاختلفت العديد من الأمور. وربما لم تختلف أيضا.
أنا بصفة خاصة لا أخاف عندما أكتب. ربما كنت أخاف في السابق أخاف الإسقاطات الشخصية.؟!
بمرور الوقت لم أعد اكترث.. لذا إذا أتيحت لي الفرصة وكتبت عن أحد الشخصيات ممن هم في دائرتي المقربة سأكتب. وربما سأخبرهم باني فعلت.!”.
وعن البوح أم التعري والانكشاف دافع الكاتب عند الكتابة عن ذاته تقول: “المصارحة هي الدافع الأوحد لمن يكتب سيرته الذاتية، التطهر هو من يدفعنا لتوثيق مراحل حياتنا.. لكل منا محطات هامة شكلت وجدانه غيرت تفكيرنا، لابد أن تكتب أن تظهر للنور حتى يدرك البعض أننا لسنا ملائكة ولسنا في المدينة الفاضلة. وإنما نحن بشر نخطئ ونصيب.
نصاب باليأس، الفارق الوحيد بيننا نحن المبدعين والفنانين أننا اخترنا طريقنا وقررنا السير فيه للنهاية بكل ما به من عثرات ونجاحات”.