قصة قصيرة
عندما يكون حلمي بلا ألوان ، أعرف أنه الكابوس ، فأغمد أسلحتي وأرفع راياتي البيضاء مستسلما ، بصمت ..
في مكان قصي فوق جبال شاهقة ، وعرة ، ربما هو أبعد مكان يمكن لأنسان بلوغه ، لاأتذكر ، ولاأعرف كيف وصلت الى هنا ؟؟!!
أ سيراً على الاقدام ؟ أم طائراً ؟؟ لاأعرف ، لكنه مكان بعيد .. بعيد ..
خوذات ، بساطيل ، مزق ثياب ، معدات عسكرية معطوبة ، أشلاء متناثرة ، جثث منتفخة وأخرى في طريقها للانتفاخ .
برودة تسري في جسدي ، قوتي تخذلتني ، لاأستطع رفع يدي ، أدرت رقبتي بعناء لعلي أرى جسدي المسجى ، كل محاولاتي فشلت ، لاحركة …
الملقى على الارض هو انا ، أنظر إلي ، وكأني أنظر الى شخص آخر ، الرؤية تتضبب ، صورغامضة ، تدنو، تبتعد ، تدور ، تنحسر ، هالات صاعدة هابطة ، شممت رائحة كريهة ، مثل رائحة حيوانات نافقة ..
ريح صفراء تعوي ، تتطاير مزق الثياب ، أشجار عارية تصطف على أغصانها الكواسر، عيونها تلتمع بجوع وحشي ، آكلة الجيف تحوم حول الجثث ، إقتربت إحداها مني ، لاأعرف إن كان ضبعاً ، أم ثعلباً ، أم إبن آوى ؟؟
تشممني ، لسانه يلعق خدي ، لهاثه يكنس الغبار عن وجهي ، اللسان خشن كالحلفاء ، صككت أسناني ، سرى تيارفي جسدي ، كيف أبعد هذا الوحش عني ؟؟ ، تنمل جسدي وتقلصت عضلات وجهي ، أبعده عني جناجان كبيران إصطفقا قرب خطمه ، زمجر هاربا غير بعيد ..
جثم على صدري ببراثنه الكبيرة ، عيناه في عيني ، تمشى فوق جسمي ليحدد المكان الذي سيبدأ النهش فيه ، كان ثقيلا ، خطاه أثقل ، عاد وأستقر في ذات الموضع ، يحدق بي ، دق بمنقاره الكبيرعلى صدري ، تقدم خطوة نحو رأسي ، أصبحت تحت مرمى المنقار ، رفع رأسه الى الخلف ، وبحركة سريعة فقأ عيني اليمنى ، خيوط الدم تمتد من محجرعيني حتى منقاره ، رأيت عيني بعيني ، تلمض ، السائل الاحمر والابيض يسيلان من منقاره ..
صَوّبَ نحو اليسرى ، رفع رأسه الى الخلف ، براثن أكبر من براثنه تخبط رأسه بضربة هائلة ، ترنح ، سقط الى الخلف ، ثم استوى قائما منفوشاً ، إستقر أمام غريمه ، إعتركا فوق بطني ، من سيحضى بالعين ؟؟؟
المخالب تنغرس في كل مكان من جسدي ، تناثر الريش ، تصلعت الرؤوس الدامية ، الدماء الناضحة تغري الوحوش ،فتهاجم عاوية أو نابحة ، الكواسر تحلق على إرتفاع منخفض ، تتحين فرصة إبتعاد ذوات الاربع ، هذا يدنو ، وذاك يبتعد ، عيني اليسرى تدور وتدور برعب حول كل هؤلاء..
في الافق الضبابي البعيد ، يلوح وجه أمي ، تهرع نحوي ، تهش الوحوش والكواسر ، إنها صبية ، مثلما رأيتها عندما كنت صغيراً ، إنمحت عن وجهها تجاعيد العمر، وأخاديد الدموع التي حفرها الخوف والانتظار الطويل ، سقطت وذراعاها الى الاعلى ، لا تكل عن هش الكواسر والوحوش ، نهضت راكضة ، كسرت غصن شجرة يابسة ، هشت به آكلة الجيف من بعيد ، تصيح بصوتها الخافت المتعب :
هششششش
هشششش
هه ش …
يخفت صوتها ، تترنح ، تسقط ، تلوح بيديها :
ولدي …
أبي يركض هو الاخر نحوي ، وجهه بلا ملامح ، كم عام مر على موته ؟؟!!
هو أبي ، أعرفه من رائحة رجولته ، صوته الاجش يصيح
:
هشششش هششششش ، تتقطع أنفاسه اللاهثة بطعم التبغ ..
يريد أن يطرد الوحوش عني ، يتبدد صوته ، لايُفزّع العيون المستعرة بالجوع ، والمخالب المنغرسة في الجسد البالي ..
هششش هششش أمي ، أبي ، بنات آوى يهربن بساقي ..
هششش هششش ، الضباع تبقر بطني …
هششش هششششش ، أمي تسقط ، تنهض ، تترنح ، وجه أبي بلا ملامح ، ضباب أحمر ، لازمان ولامكان ..
هشششش هششش ، العقبان تحلق بما تبقى من أمزاق جسدي..
هششششش هششششش ، أسقط من سريري ، العرق يتصبب على وجهي الشاحب ، جفاف في حلقي ..
هششش هششش ، بعيد عن وطني ، الذي لايفتأ يمدني بالكوابيس..