كثر في الآونة الأخيرة تداول مفهوم ” البراغماتية “, في وسائل الإعلام, واقترن بمواقف الإطار التنسيقي الشيعي الأخيرة المتسمة بالانضباطوالهدوء في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعوديةوالإمارات ومن المشاريع الاقتصادية المشتركة المزمع تنفيذها (بعدها حبرعلى ورق ) والتي كانت سابقاً تلاقي الرفض القاطع. ثم التراجعالدراماتيكي عن شعارات طرد المحتل, لتستبدل بالتزام الصمت إزاء صولاتوجولات السفيرة الامريكية لدى بغداد السيدة رومانسكي في مؤسساتالدولة وحتى الترحيب ببعضها أحيانا, وغيرها من المواقف المستغربة منقياداته.
يروّج الإطار من خلال قنواته الفضائية او تصريحات ممثليه في القنواتالاخرى لمفهوم البراغماتية ويجعله تحولاً في سياسته ونضجاً سياسياً لأحزابه وميليشياته من أجل العراق والعراقيين, إلا أن كل الحكاية تذكرنابقصيدة أحمد شوقي ” قصة الثعلب والديك ” والحكمة المستقاة في نهايةالقصيدة : ” مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـاً *** أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا“.
و التشكيك بصدقية هذه البراغماتية كونها مفروضة من أعلى,من جهاتليست عراقية, وليست ثمرة مراجعة وانتقاد تجربة, لهذا ستكون أشبهبديمقراطية بريمر التحاصصية التي اكتوى بنارها العراقيين !
فالمواطن العراقي لا يستطيع, ببساطة, هضم هكذا ادعاء صحوة مفاجئةلأحزاب سلطة لم تعمل يوماً للصالح العام, ولم تقدم أي خدمة تُثنىعليها, بل انها جلبت الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنيةوالخدمية الخ الخ الخ.
.. لاسيما وان البراغماتية المذكورة مقتصرة على العلاقات الخارجية وليسللعلاقات الداخلية مع المواطن من نصيب في هذه البراغماتية المزعومة… فلا نهج السلطة المحاصصي الطائفي – العرقي تراجع ولا السلاحالموازي لسلاح القوات المسلحة الدستورية سُحب, ولا مبدأ التوزيع العادلللثروات جاري ولا احترام الحريات والحقوق معمول به, ولا التطويرالاقتصادي… بينما جرح انتفاضة تشرين المجيدة وشبابها ينزّ منذ2019 وقتلتهم ” يمشون في الأرض مَرحاً “.
السياسة كل متكامل, لا يمكن تبني البراغماتية والانفتاح في السياسةالخارجية وتتشبث بالدوغماتية والتشدد في السياسة الداخلية.
ويُفترض بالدول الراسخة أن تكون سياستها الخارجية انعكاساً لسياستها الداخلية وتكريس لها… متفاعلة فيما بينها لضمان مصالحالبلاد وشعبها.
” براغماتية* ” بساق واحدة لا يمكن أن تقود الا إلى بقائنا في ” الدوغماتية* ” التي نعيش في كنفها اليوم !