البكالوريا ، كلمة يستخدمها العراقيون للدلالة على الامتحانات العامة للدراسات النهائية في المراحل ( الابتدائية ، المتوسطة ، الإعدادية ) ، والبعض يسميها الامتحانات الوزارية تعبيرا عن مركزيتها ولأنها تجرى من قبل وزارة التربية ويتم شمول الطلبة الدارسين في مدارسها بها بتوقيت واحد وبأسئلة موحدة ويتم تصحيح محتوياتها في مراكز محددة وتعلن نتائجها بتوقيت موحد من قبل التربية ودوائرها ، ويشمل بها الطلبة العراقيين المسموح لهم بأداء تلك الامتحانات في التعليم الحكومي والأهلي في بغداد والمحافظات والطلبة المقيمين خارج البلاد ، و البكالوريا نمط قديم وخضع له الطلبة منذ العهد الملكي ولا يزال مستمرا بذات الصيغة حتى اليوم ، وقد ألتزمته كل الحكومات باعتبار نتائج البكالوريا المعيار الذي يتم اعتماده في مختلف المعاملات وتعده وزارة التعليم العالي الأداة الأساسية لقبول الطلبة في الجامعات لمعظم التخصصات ، ورغم إن العديد من البلدان غيرت أساليبها في التقويم والقياس وحدثت طرقها في إجراء الامتحانات والاختبارات ، إلا إن التربية في العراق لا تزال تعول على هذا المعيار وتعتبره صمام الأمان العادل لتحديد قدرات الطالب وتقدير الجهود المبذولة من قبله للحصول على ما يترتب على اجتياز المرحلة من استحقاق .
ورغم الصعوبات الكبيرة التي تواجه التربية في أداء الامتحانات الوزارية إلا أنها لا تزال تصر على اعتماد ذات الأسلوب ، ومن الناحية الواقعية فان إمكانيات وزارة التربية غير مهيأة بالكامل لأداء تلك الامتحانات وخاصة امتحانات السادس الإعدادي التي تعتبر محطة مهمة لتحديد مستقبل التلميذ في اختيار القنوات الجامعية التي تناسب الرغبة والمقدرة والطموح ، فعدد الطلبة يزداد عاما بعد عام نظرا للنمو السكاني وهذه الزيادة ليست متناغمة مع التطور في إمكانيات وزارة التربية التي تشكو من قصور معروف في الأبنية والأجهزة والأدوات والموارد بمختلف الأنواع ، ولأهمية الدراسة الإعدادية فإن امتحاناتها تحتاج لأجواء خاصة لأدائها من حيث السعة والراحة والأمان وتوفر المتطلبات التي تعين الطالب في تمكينه في الإجابة عن ألأسئلة من حيث توفر وسائل التبريد وبقية المتطلبات ، ولكونها خاتمة الامتحانات فإنها تجري في غمرة فصل الصيف وعادة تؤدى خلال شهري حزيران وتموز وهي الأشهر المعروفة بارتفاع درجات الحرارة ومعدل الرطوبة في سائر أنحاء البلاد ، آخذين بالحسبان القصور في تجهيز الكهرباء الذي يعيق مثل هذه الفعاليات ، والتربية كما هو معروف لاتمتلك البنى التحتية لإجراء امتحانات البكالوريا للسادس الإعدادي وبعدد يفوق ربع مليون طالب كل عام ، لذا فإنها تنسق مع وزارة التعليم العالي لجعل بعض مواقع الكليات والمعاهد مراكز للامتحانات حيث تتوفر فيها القاعات النظامية والمولدات وسواها من الخدمات ، وقد اضطرت التعليم العالي في العام الدراسي الحالي لتقديم مواعيد امتحانات المرحلة الأولى لكلياتها ومعاهدها من 11\6 \ 2023 لغاية 1 تموز 2023 والمحدد بموجب كتاب الدراسات والتخطيط 8157 في 13\11\2022 إلى الموعد الجديد ( المعلن في موقع وزارة التعليم العالي بتاريخ 29-3-2023 ) ليكون للمدة 1 – 19\6\2023 لفسح المجال لإجراء امتحانات وزارة التربية والتي تبدأ في 20\6\2023 إن شاء الله .
ولتدارك العيوب والشبهات التي توجه بخصوص تسرب الأسئلة فان التربية باتت تعتمد على شبكة الانترنيت في توزيع الأسئلة لإيصالها بوقتها المناسب إلى المراكز الامتحانية داخل وخارج العراق ، وهناك من يعتقد أن هذه الطريقة هي أنجع من تسليم الأسئلة للمراكز الامتحانية قبل أيام ثم فتحها في يوم الامتحان بعد حفظها بمكان آمين ( كما كان يجري أيام زمان ) ، ولأن الانترنيت قابل للاختراق فان التربية تقوم بتامين الشبكة الدولية بالتعاون مع الأجهزة المعنية في وزارة الاتصالات ، ولانجاز هذا الموضوع فان الأمر يتطلب القطع الكامل للشبكة الدولية داخل العراق وتسييرها لخدمة تمرير الأسئلة الامتحانية ، وهذه العملية تستمر لساعات خلال أيام امتحانات الدراسة المتوسطة والإعدادية ، مما يعني توقف كل الأعمال التي تعتمد على الانترنيت لخدمة الامتحانات ، كما أنها تعني حجب الخدمة عن كل المشتركين في كل تلك الأوقات رغم أنها خدمة غير مجانية وتدفع عنها مبالغ مسبقة من قبل الأفراد والمنظمات ، وبسبب توقف خدمات الانترنيت صباحا من الساعة الرابعة صباحا حتى انتهاء المهمة ، فان هناك من يسال لماذا لا تعتمد التربية أساليب أكثر كفاءة في أداء امتحاناتها بما يقلل الضرر على الآخرين ، فاستمرار الحال يحدث ضررين واضحين على الأقل ، الأول يتعلق بتقديم امتحانات الجامعات وما ينتج عن ذلك من عدم القدرة على إكمال المناهج بالوقت الكافي والسياقات الصحيحة وما يمكن أن ينعكس ذلك على الطالب والتعليم ، وثانيها تحمل المواطن أعباء الامتحانات وهو ليس طرفا بها بتوقف خدمات الانترنيت بشكل شامل في وقت تمرير الأسئلة .
وفي الوقت الذي نتمنى فيه أن تكون امتحانات هذا العام بمستوى طموح ووعود التربية الذي تعلن عنه جاهزيتها لجعل الامتحانات أفضل مما كانت عليه بما يضمن الانسيابية ومنع الأخطاء ، فان البعض يقول إن امتحانات البكالوريا ينطبق عليها المثل الشعبي ( حزموه ولزمووه ) ، وفي ذلك ( حسجة ) للاختراقات والمستويات التي يلمسها البعض رغم ما يقدم لها ويبذل فيها من دعم وجهود ، فأسئلة البكالوريا تعرضت سابقا لحالات من الشبهات او الفساد ، ومنها ( مثلا ) الحالة المؤكدة التي شخصها جهاز الأمن الوطني في تسريب أسئلة السادس الإعدادي للعام الدراسي الماضي في تربية الرصافة والتي أحيل بسببها المسربين إلى القضاء ، والجانب الآخر من ( الحسجة ) هو الخطأ الذي اكتشف في أسئلة مادة العلوم للسادس الابتدائي لهذا العام ( قبل أيام ) والذي اضطر معالي وزير التربية للتدخل بحذف واحدا من أسئلة الامتحان ، والى جانب ذلك انخفاض نسب النجاح في الامتحانات الوزارية في سابق الأعوام والاضطرار أحيانا لإجراء دور ثالث لتعديل نسبة النجاح ، فضلا عن انخفاض معدلات النجاح للطلبة واضطرارهم لولوج الكليات الأهلية لتلبية رغباتهم في الدخول للاختصاص الذي يرغبوه بالمعدل الذي تقبله تلك الكليات بفارق كبير عن الجامعات الحكومية ، ومن يعلم متى تتمكن التربية بإجراء تقويم لأداء الطلبة أكثر موضوعية مما يطبق منذ عقود بما يناسب ما يشهده العالم بهذا الخصوص ، وإذا أصرت على بقاء ذات الأسلوب والتوقيت فمتى تجري البكالوريا اعتمادا على إمكانياتها الذاتية وبدون إحداث أضرار للآخرين لتكون بمنأى عن ( الضرر والضرار )؟! .