28 سبتمبر، 2024 12:31 م
Search
Close this search box.

كتابة الواقع (14).. شهادة عن ذات الكاتب أو عصره أم نرجسية مفرطة

كتابة الواقع (14).. شهادة عن ذات الكاتب أو عصره أم نرجسية مفرطة

خاص: إعداد- سماح عادل

قد تجمل السيرة الذاتية في داخلها شهادة عن ذات الكاتب، أو عن عصره وسماتهـ أو حتى عن مجتمعه واحداثة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حين يكتبها الكتب برؤية وإتقان، كما قد تحمل في طياتها نرجسية مفرطة، ولا تعبر إلا عن تعالى الكاتب وبعده عن محيطه، وترصد انعدام تواصله مع الناس.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
  2. ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
  3. هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
  4. ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
  5. البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟

شهادة عن ذاته أو عصره..

تقول الكاتبة التونسية “نبيهة العيسي”: “في الظّاهر تبدو الرّواية هي المقابل الفنيّ للواقع. ذلك أنّها تستمدّ حياتها من عالم الخيال، فيما يستمدّ النصّ السيريّ مصداقيّته من عالم الواقع. أليس الكاتب في النصّ السيريّ هو ذاته الرّاوي والشخصيّة؟

لكنّني أتصوّر أنّ بين الجنسين تداخلا في مفاصل معيّنة، وأنّ النصّ السيريّ يقترب من الرّواية بقدر ما يبتعد عنها. ومن المفاصل التي تجعل النصّ السيري قريبا من الرواية:

– مفصل الموضوع: فالنصّ السّيري فنّ استرجاعيّ يعتمد الذّاكرة. والذّاكرة لا تحتفظ بالأحداث كما هي، بل بصور عنها. تأتي تلك الصّور في التماعات سريعة، خاطفة، تجعل الحكاية المستعادة مملوءة بالفجوات والفراغات وبما هو ملتبس وخادع بسبب أحداث يخاف منها الكاتب  أو يخجل فلا يتحمّل استعادتها من باب الرّقابة الذّاتيّة. بعض تلك البياضات تعمد الذاكرة إلى شحنها بصور من عالم الخيال.

– مفصل الّلغة: فالنصّ السيري فنّ لغويّ. واللّغة إخراج للصّور من عالم الخيال إلى عالم التلفّظ عبر صياغة الأفكار في جمل تخضع لإخراج خاص من قبل كاتبها. فالجملة لا تخلو في بنائها من تقديم وتأخير وحذف قد يحرّف الواقع ويقرّبه من عالم الخيال. ثمّ إنّ الجملة في النصّ الشعريّ عادة ما تكون جملة شعريّة لقرب الموضوع من الذّات. ممّا يجعل منها صورة منحرفة عن الأصل.

– مفصل الأسلوب: فنصّنا يعكس فنّا سرديّا يعتمد تقنيات مختلفة تخرج بالنصّ من دنيا الخبر إلى عالم الخطاب حيث يقع التكثيف في صور والحذف في أخرى وتقديم أحداث وتأخير أخرى وهذا أيضا ما يبعدنا عن الواقع.

هكذا نتبيّن أنّ النصّ السيريّ ليس نصّا روائيا بالمعنى الصّرف للكلمة وهو أيضا ليس نصّا تاريخيا لصاحبه. إنّ كاتب السّيرة يقف بين الرّوائي والمؤرّخ، يستعير بعضا من وسائلهما وأدواتهما، ليدخل حقلا مختلفا. ولئن كان نصيب الخيال في النصّ الروائي أكبر من الحقيقة فإنّ نصيب الحقيقة سيكون حتما أكبر في النص السيريّ”.

وعن هدف الروائي حين يكتب سيرته الذّاتيّة وينشرها في كتاب تقول: “الكتابة عموما فعل إراديّ، له غايات مختلفة. وهي في النصّ السّيري كذلك. ومن الغايات التي يحاول المؤلّف تحقيقها وهو يكتب نصّا سيريّا:

– غاية الفهم: فالكاتب يعيش في عالم مفكّك، لا منطق فيه. وقد يجد نفسه في مراحل عمرية عاجزا عن استيعابه. فيعيش مغتربا فاقدا للانسجام مع ذاته ومع الآخرين. وهو إذ يكسر رقبة الوقت. في عالم النصّ يبتكر عاطفة أخرى أعمق بعيدة عن انفعالات اللحظة، عاطفة حيث صراخ بلا غضب وفرح بلا ضحك وشجن بلا دموع، عاطفة تحوّل الكينونة حدثا قابلا للفهم بفضل تلك المسافة التي يتخذها. فالإنسان لا يفهم معنى الأشياء وهو قريب منها. ألا يقولون إنّنا لا نرى بوضوح ونحن داخل الإطار؟”.

وتواصل: “غاية التأريخ: وتقديم شهادة عن الأنا وعن الآخر.

فالكاتب قد يكون في حاجة إلى الكتابة عن ذاته من أجل التنويه بمكتسباتها أو محاسبتها أو مواجهة بعض الأكاذيب التي حامت حولها.

كما أنّه قد يكتب ليكون شهادة على عصر. وهنا تحضر كتابة الأنا بما هي الآخر. فيؤرّخ الكاتب لفترة عاشها بغاية تقديم قراءة مختلفة عنها. إنّ التاريخ على خلاف النص الديني ليس نصّا مكتملا بل هو حمّال قراءات. والنصّ المكتوب قد ينصف زاوية معينة لم ينصفها التّاريخ الرّسمي”.

وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء وهل انتابتها المخاوف من ردّة فعل من كتبت عنهم تقول: “بالتأكيد تحضر شخصيّات ذات مرجعيّة في النصّ الرّوائي فكما تأخذ السّيرة من الرّواية، تأخذ الرّواية من السّيرة بمقدار. ذلك أنّنا لا نكتب من فراغ بل من ذاكرة حيّة، ومن وحي شخصيّات قد نجد البعض أو الكثير من صفاتها أو أسمائها أو أفعالها في الناس المحيطين بنا. وقد أدرجت شخصيات واقعيّة في نصوصي الروائيّة مع تحريف في الاسم أو الصّفة.

تلك الشخصيات اخترتها لأنّها شخصيات إشكاليّة تحتاج إلى مسافة النصّ لتفهّمها. فعلاقتي بها في الواقع قد تمنعني من رؤيتها بوضوح.. ولهذا تكون الرّغبة في جذبها إلى عالم الخيال أقوى من المخاوف التي تنتابني إذا اكتشفت حضورها في نصّي. ثمّ إن تلك الشخصيات نفسها قد لا تنتبه لذلك الحضور لأنّها لا تتوقعه فلا تصدّقه. أو لأنّها تكون قد رحلت عن محيطنا بسبب سفر أو موت. وعموما تظل الرّواية مرتبطة بالواقع بعد أن تعمل على تمثّله واستحضاره بطريقة فنية”.

وعن ردّ فعل الشخصيات الذين كتبت عنهم تقول: “إنّ الكاتب وهو يدرج شخصيات واقعيّة في نصّه عادة ما يكون بين الخوف والرّجاء: الخوف من المواجهة والرّجاء في استدراج تلك الشخصيات إلى عالم النص لفتح حوار ممكن. لكنّ النتيجة في الغالب تكون واحدة. ذلك أنّ الشخصيّة المصوّرة وإن اكتشفت ذلك فإنّها عادة ما تقابل هذا الأمر بالتجاهل والإنكار. أنا لست هو أو هي. وهذا أيسر السبل للتجاوز. لأنّ المواجهة قد تفتح على الآخر أبوابا، يريدها أن تبقى مغلقة حفاظا على سلطة أو مكانة اجتماعية أو عائليّة. وأيسر السّبل للتّعامل مع هذا الموضوع أن يبقى كلمات عابرة في طيات كتاب. فلا يسمع ولا يرى ولا يجعل من صاحبه موضوع تساؤل. فنحن شعب يقتل مشاكله بالصمت”.

وعن البوح أم التعري والانكشاف أم التوثيق لأحداث فارقة أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة، هو ما يدفع الكاتب لكتابة ذاته والآخرين تقول: “هو كلّ هذا معا ولكلّ كاتب غاية قد تغلب على بقية الغايات الأخرى. فالكتابة عن الذات بوح واعتراف. والاعتراف تعرّ يقتضي من الكاتب شجاعة خاصة ورغبة ملحّة في تقديم شهادة عن ذاته أو عن العصر الذي جاء فيه. وعموما فالكاتب لا يفكّر في هذا الصنف من المواجهة إلا إذا كان يعتقد أنّ في تجاربه الخاصّة أو العامّة ما يستحقّ الذّكر ويحقّق الإضافة فيشاركه مع القارئ”.

نرجسية مفرطة..

ويقول القاص العراقي “محمد الوائلي”: ” أود أن أستهل اللقاء بتعريف موجز يمزج الكتابة والواقع وبديهيا لا يمكن الفصل بينهما لعمق التداخل لدرجة الانصهار في الأساسيات والمعطيات.. فنقول

الكتابة: هي عملية الغوص في الواقع المضطرب من أجل إعادة اكتشافه وتنظيمه.

إذن من يسعى إلى فصل الكتابة عن الواقع كمن يحاول انتزاع الضوء من الشمس وذلك لأن الكاتب نفسه يكتب بتأثير من البيئة والعلاقات والسلوكيات التي هي لبنات أساسية في هيكل الواقع، وما على الكاتب إلا أن يشيد الصرح لهذا الهيكل كعنوان ودالة وإرشاد وتعريف لماهية الواقع من أجل الارتقاء به. فلو دققنا في مسار التاريخ الأدبي نجد أن  الكثير من الأدباء طمرهم النسيان بفعل التعالي على الواقع والبيئة وتهميشهما.

فمنهم  من حاول أن يصنع من خلال مملكته الذاتية واقعا لا يمت إلى البيئة بصلة  فأصبح غريبا على المتلقي وذائقته ومعاناته والسبب بسيط جدا هو أن كتاباته ملوثة بالتجربة الذاتية التي هي ليست تجربة المتلقي.

وعن كون السيرة الذاتية للكاتب صنف من الرواية  ودور الخيال المطلوب حين يكتب الروائي عن ذاته يقول: “هذا السؤال يتعلق بمدى استيفاء الرواية لعناصرها فإذا كانت مستوفيه لشروطها بوجود السيرة الذاتية فلا ضير من تسميتها رواية أما إذا كانت السيرة الذاتية مقحمة بفعل نرجسية الكاتب ودون تجارب وأحداث تحمل بذورا سردية ستثمر بعد حين فالأفضل أن تدرج  كسيرة ذاتية.

وللإجابة عن الشق الثاني من السؤال أقول لا يمكن الفصل بين الخيال والواقع تماما فهما متقاربان جدا لدرجة التماس وحتى الفنتازيا التي يعتمدها معظم الكتاب، إنما هي تصوير الواقع بطريقة غير واقعية والسبب هو محاولة الهروب من قسوة الواقع أو تهوين هذه القسوة بإيجاد منافذ لهروب نسبي وليس مطلق”.

ويضيف: “معظم الكتاب في الوطن العربي يعانون من النرجسية المفرطة لأنهم يشعرون بفارق الوعي عن بيئة متخلفة تسودها الأمية وهذا يلهمهم التعالي والارتقاء فيكون همهم الوحيد هو الانتماء لشرائح الصفوة دون التماس مع هموم الشعب والتقرب من معاناته”.

ويواصل: “معظم الشخصيات التي أتناولها في كتاباتي هي من جذور البيئة ومعاناتها فإذا كانت شخصية سلبية أمنحها اسما مستعارا وإذا كانت ايجابية اذكرها بالاسم الصريح. بعضهم استشرته في كتابة اسمه الصريح فرحب بذلك بل وافق مفتخرا  فأنا أعيش في بيئة مسالمة وأناس طيبون أصلاء .

لا يمكن كتابة الواقع  بطريقة استنساخية تقريرية فجة بعيدة عن الاستساغة والتقبل حينها ستفتقد عناصر الجمال والارتقاء الحسي. وهناك الكثير من المدارس الأدبية عبرت عن كيفية التعاطي مع الواقع وأسلوب التعبير عنه. وأنا شخصيا أميل إلى الأدب التجريدي لأنه يزيح القشور الحضارية التي أوجدتها البشرية للتعتيم على أصل الإنسان كسلوك وتوجه.وقبل هذا وذاك كتكوين نفسي مطمور تحت مختلف البراقع والأقنعة التي تفنن في صناعتها عبر الدهور” .

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة