26 سبتمبر، 2024 12:22 ص
Search
Close this search box.

“كيف ذاك الحبُ أمسى خبراً”- العاشقة الإيرانية.. قصة قصيرة

“كيف ذاك الحبُ أمسى خبراً”- العاشقة الإيرانية.. قصة قصيرة

كتبت: محبوبة خليفة                           

تناديني باسمٍ غريب، مقبلةً عَلَيّ وعلى وجهها علاماتُ غضبٍ وتساؤل؛ حتى هنا ؟

ربَّت حفيدي الجالس بجانبي على كتفي

يُنَبّهُني بأن سيدةً تناديني. ضحكتُ وقلت له كفى مزاحاً، وكنت أعرف ألاعيبه معي وعادة ما يلهو بهكذا دعابات ، لكنني ما إن  أجبتُ الوَلَد حتى وجدتُ سيدةً-تقتربُ في سِنِّها من سِنِّي-تقفُ أمامي ناظرةً إليَّ بدهشةٍ وكأنها تبحثُ عن شيءٍ ما فيَّ شخصياً.

تأملَتْني مَليَّاً ثم نقلت نظراتها إلى الفتى

وقالت غاضبةً : بما أسميتِه؟ هل أعطاه اسمَ والدَهُ؟ فضحك الصَبّي، أما أنا فأرعبتني السيدة وشككتُ في قواها العقلية ، وكِدتُ أن أستغيثَ بحارسِ مركز التسوق الضخم ، لولا أنَّني شعرتُ بارتباكها،وبحزنٍ يغطي ملامحها فتأكدتُ أنَّ في الأمر أمرٌ ،بل ذهبَ خيالي بعيداً وقلتُ ربما كنتُ بطلةَ قصةَ حبٍ في مكانٍ ما ونسيتها! هل أصابني الزهايمر فسقط هذا  الحبُ من ذاكرتي؟ وهل يسقط الحبُ بالتقادم ؟ لا! هذا خروجٌ على قوانين القلوب التي لا يجري عليها تعديل ولا يلامسها نسيان ولا يجرؤ عليها زمنٌ مهما طال.

استأذنَتْ في الجلوس بجانبي فرحبتُ

بها ببعض قلقٍ وشيءٌ من الإشفاق، فما أراه هو وجه امرأة مُلتاعة هَلَكها حبٌ قديم لكنها مازالت تعيشُهُ.

سألتني: من أين؟بعد تأكدها أنني لست من تبحث عنها قلت لها من “بلادٍ مُرَّةُ الطرقاتِ لا ترحم  على أمثالِنا تقسو”*

وبدتْ منها ابتسامة استغرابٍ وربما عدم فهمٍ ، فبادرتُها بسؤالٍ عنها فقالت من إيران!

ياإلهي! أنا لي شبيهة في إيران، وذهبتُ بخيالي إلى هناك، ويحثتُ عنّي في شوارع طهران، كنت أحَدِّقُ في العابرات كما فعلت هذه السيدةُ بي. كنت أبحثُ عن سيدةٍ تحمل ملامحي واتساءل ؛ كيف عاشت؟ وهل مرت بما مررتُ به؟ وهل تزوجتْ وانجبتْ وصار لديها احفادٌ مثلي؟ من تزوجت؟ هل خَطَفتْ رَجُلَ هذه الجالسة بجواري ؟ النائحة عليه رغم السنين التي مرت، ورغم المياه الكثيرة  التي انسابت تحت جسور الحياة، حياتها وحياته.

أعجبتني طهران ! فالمدينة ورغم سواد الملايات إلّا أن الجمال الإيراني يعبر الحُجُبَ ويهزمها. تأملتُ وسرحتُ وعبرتُ ساحاتٍ وأزقةٍ ولم ألتقيني!ولا وقتَ لَدَيّ لمواصلة البحثُ عني!  وأنا في عجالة من أمري!، فقد تركتُ الصبيَّ  بجوار السيدة المُلتاعة، فعُدتُ اليها وكانت ماتزال تحكي قصة الذي تبحث عنه في ملامحنا؛ حفيدي وأنا !.

قالت: عندما اندلعت الثورة في إيران

خرجتُ وعائلتي مع من خرجوا وجئنا هنا ،لا نعرف في هذه المدينة أحد، غير أن الكثيرين من أبناء إيران تجمَّعوا هنا فيما بعد، وقبلهم ذهب الكثيرون وانتشروا هنا وفي كل بقعة آوتهم ومنحتهم الأمان  .

تقول:جئتُ مع أسرتي وتركتُ قلبي هناك ،راسلني سنوات طويلة، وبثَّني شوقه وغربته في بلده ورغبته باللحاق بي، ولم يفعل،  ثم بدأت رسائله تقلّ ،ثمَّ توقفت، وسمعتُ أنه قد تولى منصباً كبيراً هناك، وأنه تزوج شبيهتك ! أقربُ صديقاتي لقلبي ، فذقتُ مرارة الخيانة مضاعفةً لكنَّ قلبي أغلق أبوابَهُ منذ تلك الواقعة ولم يفتحها لأحدٍ من بعده، وانخَرَطَتْ في بكاء حيَّرني.

هل هذه السيدة بعقلها أم أن الزمن فعل فعلته بها. تبحث عن ملامح صديقتها وغريمتها فيّ وتبكيه بعد هذا العمر، من أين تأتي بكل هذه الدموع الغزار؟….قلبها الذي أقفل على ذلك الحب ابوابَه فكَمُن هناك كما نوار (الجْدَبّ)*كما يقول شاعرنا الليبي صاف في مكامينه غلاك كيف نوَّار الجدب)*؟

لو  (صاف)* هذا الحب أي ذَبُلَ وجَفّ لما بحثتْ في وجهي عن غريمتها وأخافتني ذلك الصباح.

جلسنا معاً نُربِّت على كتف الصبي وتلعب هي بشعره وتراقبه بعينين حانيتين، من يدري ربما رأتْ فيهِ ملامحَ من تحب، ورأت في جَدَّتِه ملامح من تكره، فاختلطت المشاعر فبكتّ وسط ذهولي وابتساماتُ حفيدي

هوامش:

*بلادٌ مرة الطرقات….: من ديوان (اشواق صغيرة)للشاعر الليبي علي الرقيعي

*صاف: ذبل وجَفّ

مكامينه: في مكمنه

كيف نوّار الجْدَبْ : مثل زهور الجَدبْ

والمعنى أن الحب يكمن في قلب الزهرة التي جفت من قلة الماء لكن قلبها يحيا من جديد اذا رَوَتْ

*كيف ذاك الحبُ….من قصيدة الأطلال

والقصة ستكون ضمن مجموعتي القصصية الجديدة (ليلةُ سُهْدٍ في طرابلس).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة