خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع اشتداد المنافسة بين (تحالف الشعب) الذي يقوده الرئيس التركي المحتمل؛ “رجب طيب إردوغان”، ومنافسه (تحالف الأمة) الذي يقوده؛ “كمال كليجدار أوغلو”، على الفوز بدعم “سنان أوغان”، مرشّح (تحالف الأجداد) الخاسّر في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة؛ حيث من المفترض أن يُعلن؛ الجمعة، لمَن سيكون دعمه في الجولة الثانية، فإلى من سيمنح صك الفوز ؟
وبحسّب “ستيفن كوك”؛ الخبير في “مجلس العلاقات الخارجية الأميركي”، في تحليل بموقع الأبحاث الأميركي، فإن المرشح الذي حلَّ في المركز الثالث؛ “سينان أوغان”، وحصل على: 5% من الأصوات في الجولة الأولى، من المستبعد أن يؤيد “كيليجدار أوغلو”، وإذا دعمَ “إردوغان”، فسيكون من الأصعب على “أوغلو” الفوز.
هل العملية الانتخابية حرة ونزيهة ؟
وأضاف “كوك”: نشأت غالبية المشكلات في هذه الانتخابات وغيرها قبل أن يتجه الأتراك لصناديق الاقتراع. ففي كانون أول/ديسمبر 2022 مثلاً، حُظِرَ أحد أبرز منافسي “إردوغان”، وهو عمدة “إسطنبول”؛ “أكرم إمام أوغلو”، من ممارسة السياسة وُحكِمَ عليه بالسجن 03 سنوات، بعد أن اتُّهِمَ بازدراء قضاء المجلس الأعلى للانتخابات.
وفق الكاتب؛ كانت هذه محاولة واضحة للحيلولة دون منافسة “أكرم أوغلو”؛ لـ”إردوغان”. فضلاً عن ذلك، سّعى القضاء الذي يُسّيطر عليه حزب (العدالة والتنمية) إلى إغلاق حزب (الشعوب الديمقراطي)؛ المؤيد للأكراد، وحظر سياسييه من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات.
وأضاف: فضلاً عن تعبئة وسائل الإعلام للترويج للرئيس؛ “إردوغان”، وحزبه، لجأت الحكومة للإكراه لضمان أنَّ أحدًا لا يطعن في خطاب “إردوغان”. وقبل أن يتجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع بيومٍ واحد، طالبَ مسؤولون شركة (تويتر) بحظر تغريدات محددة لحسابات مُعارِضة في “تركيا”، وهددت بأن الحكومة ستُعطل الموقع إذا لم تستجب الشركة لمطلبها.
وخلال التصويت؛ طعن مسؤولو حزب (العدالة والتنمية) في أعداد كبيرة من بطاقات الاقتراع في المناطق التي يعتقد أنَّ المعارضة تحظى فيها بدعمٍ كبير. ومن غير الواضح ما إذا كانت بطاقات الاقتراع المعنية قد فُرِزَت على الإطلاق.
أهداف المرشحين السياسية..
ركَّزَ كثير من المعلقين على التحديات الاقتصادية لـ”تركيا”، خاصّةً أزمة الليرة ومعدلات التضخم العاليّة. وهناك أيضًا مشكلة استجابة الحكومة البطيئة لزلزال 06 شباط/فبراير.
ورغم أهمية القضايا الاقتصادية، فقد شدَّدَ “كيليجدار أوغلو”؛ على إعادة “تركيا” إلى النظام البرلماني وإلى الديمقراطية من جديد.
لقد كان النظام التركي الحاكم من قبل خليطًا من النظام البرلماني والنظام الرئاسي، ولم تكن الدولة ديمقراطية مُوحَّدَة. لكن “كيليجدار أوغلو” يعتقد أنه في ظل توغُّل استبداد “إردوغان” في العقد الأخير، هناك ميل كبير لهذا النوع من التغييرات الدستوريّة.
وقد أقامَ “إردوغان” حملته الانتخابية على خليط من الاستمرارية، واحتمالات انعدام الاستقرار بحال فوز ائتلاف المعارضة العقيم إيديولوجيًّا، وقضايا الهوية. وفي الأسابيع السابقة للجولة الأولى من الانتخابات، تبنى “إردوغان” موقفًا شديدَ الكراهية للمثليين.
مشكلات اقتصادية تواجه “تركيا”..
شهدت “تركيا” أزمة عُملة على مدار 04 سنوات. خلال الفترة بين عامي: 2018 و2021، فقدت الليرة نحو: 50% من قيمتها، وخلال الإثني عشر شهرًا بين كانون ثان/يناير 2021؛ كانون ثان/يناير 2022، فقدت: 83% من قيمتها. والسبيل لاستعادة الليرة قيمتها يكمن في رفع “البنك المركزي التركي” لمعدلات الفائدة.
ورغم أنَّ البنك يُفترض أن يكون مُستقلاً، فـ”إردوغان” يُعارض بصرامةٍ رفع معدلات الفائدة، ويفضِّل استراتيجية غير تقليدية يعتقد أنها ستدفع عجلة النمو المدفوع بالتصدير. فهو قلق بشأن إضرار معدلات الفائدة الأعلى بالطبقة الوسطى التي تُمثل غالبية ناخبيه، رغم أن تلك الطبقة تُعاني بالفعل من ضغوطٍ اقتصادية شديدة بسبب التضخم.
توقعات بتغييرات سياسية كبيرة..
هذا أمر مُستبعد؛ يقول “ستيفن كوك”، فـ”إردوغان” يميل إلى اعتبار انتصاراته الانتخابية تفويضات؛ (مهما كانت النتائج مُتقاربة)، وإثباتًا لصحة سياساته.
وأوضح الكاتب أن المشكلة الأكثر إلحاحًا هي الاقتصاد. ولكن، بدلاً من أن يُغير “إردوغان” منهجيته ويسّعى إلى سياسات اقتصادية تقليدية، فمن المُرجّح أن يُقنعه انتصاره بأن شعبويته الاقتصادية تُجدي نفعًا.
وقد يحتجُّ البعض بأن هذه هي اللحظة المناسبة بالضبط لقَلْب مسّار الاقتصاد، لكنَّ “إردوغان” من المسّتبعد أن ينصاع لما يُطْلِق عليه اسم: “جماعة الضغط من أجل رفع معدل الفائدة”.
ولفت الباحث إلى أن السياسة الخارجية لن تتغير تحت مظلة “إردوغان” أيضًا. سيظل موقف “تركيا” من الحرب بين “أوكرانيا” و”روسيا” غامضًا.
وستُقيّم “تركيا” علاقات مع دول الخليج سعيًّا وراء استثمارات من صناديق ثرواتها السّيادية، وستسّتغل علاقاتها الدافئة مع “إسرائيل” لتحسّين موقفها مع “الولايات المتحدة”.
وستحرص على تحسّين علاقاتها مع “مصر” في إطار جهود حثيثة لعزل “اليونان”؛ رغم تحسُّن العلاقات بين “آثينا” و”أنقرة” إلى حدٍ كبير في أعقاب زلزال شباط/فبراير 2023.
وربما لن يكون تطبيع العلاقات مع “سوريا” وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم موضوعَين مُلحين.
ويرى الباحث أنه من الأصعب بكثير تحديد أولويات السياسة الخارجية؛ لـ”كمال كيليجدار أوغلو”، اللهم ما يتعلق بتطبيع العلاقات مع الرئيس السوري؛ “بشار الأسد”، وإعادة اللاجئين السوريين إلى “سوريا”. وهو يُريد تجديد محادثات عضوية “الاتحاد الأوروبي” مع “أوروبا”، لكنه تبّنى موقفًا صارمًا من “قبرص”.
وهو لم يُشِر إلى تغير كبير في موقف “تركيا” تجاه الحرب في “أوكرانيا”، والتزم الصمت حيال العلاقات بين “تركيا” و”الولايات المتحدة”.
ورغم أن “سنان أوغلو”؛ حصل على أصوات تُعد ضئيلة؛ (5.17 في المئة)، إلا أنها جعلته عمليًا في موقع يُتيّح له تطبيق أجندته القومية التي رفعها في الحملة الانتخابية.
مطالب “سنان أوغان”..
ولم يكن “أوغان” معروفًا على نطاقٍ واسع في “تركيا”؛ حتى آذار/مارس الماضي، عندما فاجأ الجميع بجمع التواقيع اللازمة للترشح للرئاسة وعددها: 100 ألف.
وخاض “سنان”، الذي كان نائبًا عن الحركة القومية ثم انشق عنها عام 2015، الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 14 آيار/مايو الجاري، مرشحًا عن تحالف (الأجداد)؛ ذي الصبغة القومية. لكن “سنان” نفسه لا ينتمي إلى أي حزب سياسي حاليًا.
يُريد “أوغان” مناصب وسياسات تتسّق مع فكره السياسي. قبل الانتخابات، قال المرشح القومي المتشّدد: “سنتحدث عن مطالبنا بصراحة مع الأحزاب عندما نجلس معها على الطاولة”، مضيفًا: “بكل وضوح لن نكون شركاء بالمجان، ولدينا مطالب مثل الوزارات”.
قالت وسائل إعلام تركية إنه قد يُطالب بمنصب نائب الرئيس.
وفي مقابلة مع وكالة (رويترز)، رسم “أوغان” خطوطًا حمراء بشأن السياسة في بلاده بشأن عدم تقديم أي تنازلات إلى حزب (الشعوب الديمقراطي) المؤيد للأكراد، وهذا الطلب موجه عمليًا إلى “كمال كليجدار أوغلو”، الذي تحالف مع الحزب الذي غيّر اسمه.
ولدى “سنان أوغان” خطان أحمران، هما محاربة الإرهاب. وإعادة اللاجئين وخاصة السوريين منهم إلى بلادهم.
الأصوات الذهبية..
يعرف “سنان أوغان” ورقة القوة التي يملكها، فنسّبة الـ 5 في المئة من أصوات الأتراك التي حصل عليها بوسعها ترجيح كفة أحد المرشحين في الجولة الثانية؛ المقررة في 28 آيار/مايو الجاري، خاصة أن كلاهما لم يُحقق نسّبة الحسم، مما يجعل الأصوات التي قد تنصاع لتوجهات “سنان” بمنزلة: “أصوات ذهبية”، حيث حقق “إردوغان”: 49.5%، وحقق “كمال كليجدار أوغلو”: 44.8%.
يضعهم في حالة من التكهن..
بعد ظهور نتائج الانتخابات في الجولة الأولى؛ لم يُعط “سنان أوغان” موقفًا قاطعًا بشأن دعم أي من المرشحين، ولم يتطرق إلى المناصب التي يُريد الحصول عليها.
ويقول موقع (بوليتيكو) الإخباري الأميركي؛ إنه يُريد أن يضع المرشحين المتنافسين في حالة من التكهن.
وقال “أوغان”؛ في مقابلة مع وكالة (فرانس برس)، الثلاثاء، أنه: “منفتح على الحوار” مع كلا المرشحين للدورة الثانية مع أنه قد يدعو ناخبيه لدعم الرئيس؛ “رجب طيب إردوغان”.
وأضاف: “سيتم اتخاذ قرار بعد محادثات مع؛ إردوغان وكليجدار أوغلو”. وتابع: “يمكننا القول إننا لا ندعم أيًا من المرشحين”.
وبسبب تسّابق المرشحين على خطب ود “أوغان”، وصفه موقع (بوليتيكو): بـ”صانع الملوك”.
قال فريق “كمال كليجدار أوغلو”؛ إن المحادثات الأولية مع “أوغان” تُظهر أن ثمة مجال للتعاون بين الطرفين.
وذكر الموقع أن جولة الإعادة ستُعطي تحالف (الأجداد)؛ الذي يُمثله “أوغان”، قوة كبيرة بعدما كان على الهامش.
دفع ثمن باهظ..
يبدو أن الثمن الذي يطلبه “أوغان” باهظًا بالنسبة إلى “إردوغان” و”كليجدار أوغلو” على حدٍ سواء.
كما يسّعى كل من “إردوغان” و”كليجدار أوغلو”؛ لدفع الموجة القومية التي ظهرت بقوة في الانتخابات لصالحهما، وفق (بوليتيكو).
وهو ما يعني محاولة كسّب الأصوات دون الحاجة إلى تقديم تنازلات كبيرة.
فمن وجهة نظر الإثنين، فالسياسي المتشّدد يُريد الحصول على مطالب كبيرة لا توازي: الـ 5 في المئة من الأصوات التي حصل عليها، لكن هذا الأمر قد يتغير.
وفي هذا السّياق؛ قال نائب رئيس حزب (العدالة والتنمية)؛ “نعمان كورتولموش”، إنه يعتقد أن أنصار “أوغان” سيصّوتون لصالح “إردوغان”، لكون أفكارهم السياسية تتفق مع أفكار “إردوغان”.
أقرب إلى “إردوغان”..
ويقول أستاذ العلوم السياسية؛ “مراد سومر”، إن غالبية أنصار “أوغان” أقرب إلى “إردوغان” منه إلى “كمال كليجدار أوغلو”؛ الذي يحظى بتأييد الأكراد، بحسّب شبكة (سي. إن. إن) الإخبارية الأميركية.
وأجرى “كمال كليجدار أوغلو” اتصالاً هاتفيًا بـ”أوغان”، وقال حزب (الشعب الجمهوري)؛ الذي يتزعمه “كليجدار أوغلو” بأن المحادثات كانت إيجابية جدًا.
وتحدث قيادي في الحزب عن: “عدم وجود اختلاف في الأفكار بشأن توقعات شعبنا”
لكن “سومر”؛ قال إن “كليجدار أوغلو”، بحاجة ماسّة إلى تأييد “أوغان”.
توقعات “العدالة والتنمية”..
من جهته؛ رجح النائب البرلماني السابق عن حزب (العدالة والتنمية)؛ “رسول طوسون”، ميل “سنان” نحو حزبه، مرجعًا ذلك إلى أن: “سنان أوغان” سياسي منشقّ عن حزب (الحركة القومية)؛ الذي هو أحد حلفاء (تحالف الشعب)، أي أنه قريب منه فكريًا أكثر من (تحالف الأمة).
مضيفًا أنه ليس له حزب يرأسه؛ وليس عضوًا بحزبٍ ما، ويدرك أنه لا يستطيع أن يُسّيطر عليهم في توجيههم إلى أحد المرشحين.
وهناك حقيقة واضحة أنه لو صوّت: 10 بالمئة فقط من الأصوات؛ التي ذهبت لـ”سنان”، في الجولة الأولى لصالح “إردوغان” فهذا يُمكّنه من الفوز تلقائيًا.
ويُدرك “سنان” أنه لو انحاز إلى “كمال كيليجدار أوغلو” ستنتهي حياته السياسية، وأتوقع أنه سيُعلن حياده في الجولة الثانية.
توقعات “الشعب الجمهوري”..
في المقابل؛ يؤكد القيادي بحزب (الشعب الجمهوري)؛ “دانيز شام أوغلو”، أن حزبه لن يقدّم تنازلات كبيرة لـ”سنان” للحصول على دعمه، قائلاً: “نحن في (تحالف الأمة) لدينا ثوابت لا يمكن المسّاس بها، وأي تنازلات ستؤدي إلى فقدان الثقة بيننا وبين الناخب”.
ولا نعتقد أن “سنان” سيقترب من (تحالف الشعب)؛ الذي يقوده حزب (العدالة والتنمية)، لأنه أصلاً منشّق عن حزب (الحركة القومية).
وفي (تحالف الأمة) نضمن حقوق جميع مكونات المجتمع التركي، ونرفض أي خطاب أحادي أو إلغائي.
يُشير “شام أوغلو” بذلك إلى تعهدات حزبه بتقديم مزيد من الحريات والحقوق لما يوصف بالأقليات في “تركيا”.
مغازلة “سنان”..
وظهر “كمال كيليجدار أوغلو”، في شريط فيديو على حساباته بمواقع التواصل، مساء الأربعاء، دعا فيه الشباب إلى الإدلاء بأصواتهم في الجولة الثانية.
إذا كانت هذه الرسالة عادية ومتوقعة، فإن الرسالة الثانية كانت لافتة، عندما اصطف مع موقف “سنان” ضد اللاجئين قائلاً عن “إردوغان” الذي أدخلهم “تركيا”: “نحن لم نجد هذا الوطن في الشارع، ولن نتركه لعقلية وضعت: 10 ملايين لاجيء غير نظامي بيننا”.