خاص : كتبت – نشوى الحفني :
من “بغداد” إلى “أربيل”؛ ينظر الجميع إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في “تركيا”، بينما يتوقع أن تًحدد نتائج الاقتراع مسّار العلاقات بين “العراق” والإقليم العراقي الكُردي؛ الذي يتمتع بحكم ذاتي، في حال فازت المعارضة.
في كانون ثان/يناير من العام الحالي؛ قال الرئيس العراقي؛ “عبداللطيف رشيد”، إنّ العلاقات بين بلاده و”تركيا”: “لا يمكن أن تكون طبيعية، وأن يتم في الوقت نفسه خرق حدودنا”.
وكشف رئيس “العراق” أنّ “بغداد” نصحت “أنقرة”: “بوضع حدٍ لانتهاكاتها”، مؤكّدًا أنّ وجودها على الأراضي العراقية مرفوض، “من الشعب الكُردي وشعب العراق، ومن حكومة الإقليم وحكومة العراق”.
كذلك، تطرّق الرئيس العراقي إلى قضية المياه بين “العراق” و”تركيا”، حيث أكّد ضرورة التوصل إلى اتفاق مع “تركيا”: “بشأن حصة عادلة من المياه للعراق”، بسبب خفض الحصة المائية من جانب “تركيا” الذي سبّب مشاكل للزراعة في “العراق”.
وقبل شهرين؛ عُلِّق تصدير: 450 ألف برميل نفط يوميًا من “كُردستان العراق” إلى “ميناء جيهان” التركي، على “البحر المتوسط”، بعدما كسّب “العراق” قضية تحكيم اتهم فيها “تركيا” بأنها انتهكت اتفاقًا حين سمحت لـ”كُردستان العراق” بتصدير النفط من دون موافقة “بغداد”.
بالإضافة إلى الوجود العسكري التركي في “العراق”، والمياه في نهري “دجلة” و”الفرات”، إضافة إلى النفط في “إقليم كُردستان العراق”، بذلك يكون هناك 03 ملفات شائكة بين “بغداد” و”أنقرة”.
ترقب كُردي..
كذلك يُراقب أكراد “العراق” عن كثّب الانتخابات الرئاسية التركية، ويتطلّع الإقليم المتمتع بحكم ذاتي في شمال “العراق” والمتضرر من الصراع بين الجيش التركي وحزب (العمال الكُردستاني)، إلى تهدئة، لكنه يتمسّك أيضًا بالحفاظ على شراكة استراتيجية مع “أنقرة”.
رسميًا؛ لم يُعلّق قادة الإقليم على التنافس المحتدم بين الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، ومنافسه “كمال كليتشدار أوغلو”، المدعوم من تحالف من ستة أحزاب، والذي ستُحسم في 14 آيار/مايو 2023.
الاستمرار في سياسته الحالية..
وبصفةٍ عامة؛ يرى رئيس مركز (التفكير السياسي) في “العراق”؛ الدكتور “إحسان الشمري”، أنّ الرئيس التركي الحالي؛ “رجب طيب إردوغان”، لن ينتهج سياسة مغايرة تجاه “العراق” في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية، “خصوصًا أنّه لا يزال يُنظر إلى العراق على أنّه جزءً من المجال الحيوي لتركيا، إضافة إلى أنّه يُركز بشكلٍ كبير على إنهاء ملف حزب (العمال الكُردستاني)”.
وقال “الشمري” إنّ سياسة “إردوغان” تجاه “بغداد” قد تصّير أكثر تطرّفًا، ولا سيما أنّ حزب (العمال الكُردستاني) أكثر نشاطًا في “إقليم كُردستان”، ما يدفع “إردوغان” لمواصلة سياسته الحالية، “مع الأخذ بالاعتبار أنّ تركيا ستعمل على تعويض خسائرها الاقتصادية من خلال الانخراط بشكلٍ أكبر في الداخل العراقي”.
يتبنى سياسة مغايرة..
وفي ما يتعلق بمنافس “إردوغان”؛ قال “الشمري” إنّ “كمال كليجدار أوغلو” يتبنّى سياسة مغايرة بشأن محاولة إيقاف التوغل التركي في دول الجوار، ما قد ينعكس إيجابًا على “العراق”. إلا أنّ ذلك: “يعتمد بما لا يقبل الشك على مستوى التطورات الداخلية التي يمكن أن يُجريها؛ كليجدار أوغلو، داخل تركيا”.
وعلى الرغم من أنّ “كليجدار أوغلو” لم يُصرّح بما يكشف طبيعة الموقف تجاه “العراق”، رأى “الشمري” أنّ: “نظرته لن تختلف، خصوصًا أنّ الأمن القومي التركي سيكون حاضرًا، لكن قد يكون أخف وطأة من خلال إعادة ترتيب الأوراق من جديد لتركيا على مستوى جوارها”.
لا ثقة في السياسة التركية..
بدوره؛ عبّر الأستاذ في جامعة بغداد؛ “حسن عبدالهادي”، عن: “أن العراقيين لا يثقون بالسياسة التركية على الإطلاق، سواء أكان إردوغان أم كليجدار أوغلو في السلطة، فالأتراك يتعاملون مع العراق وكأنّه قرية تابعة للدولة التركية”.
وتابع “عبدالهادي”: “الأتراك لديهم سياسة وخطة استعمارية معلنة بضم العديد من المحافظات العراقية إلى تركيا، متخذين من وجود حزب (العمال الكُردستاني) ذريعة للتمدد وأخذ الموصل وكركوك وغيرهما. هذه السياسة ثابتة كما هي سياسة الأميركيين: سياسة استعمارية، لكنها مغطاة بحقوق الإنسان والدفاع عن بلدهم…”.
ورقة ضغط بيد “تركيا” تجاه “العراق”..
وعلى الرغم من أنّ فوز المرشح المعارض؛ “كمال كليجدار أوغلو”، قد يكون له أثر إيجابي في ملف الوجود العسكري التركي في “العراق”، كما رأى الدكتور “إحسان الشمري”، فإنّ ذلك لا ينسّحب على موضوع المياه بين البلدين. فقضية المياه: “ستستمر كجزء أساس من الأمن القومي التركي، ولن يفرّط كليجدار أوغلو فيها”. إضافة إلى أنّ المياه ورقة ضغط كبيرة بيد “تركيا” تجاه “العراق”.
أما بالنسبة لـ”إردوغان”، فقال “الشمري” إنّه لم يتبع سياسات تُراعي مصالح البلدين المشتركة، فصحيح أنّه: “عمل على تعيّين مبعوث خاص للمياه، لكنّ بلاده لم تستجب لدعوات بغداد في قضايا المياه، وضرورة وجود اتفاق بين دول المنبع ودول المصب التي ترعاها القوانين والأعراف الدولية”.
كذلك؛ رأى الدكتور “حسن عبدالهادي”، أنّ سياسات “إردوغان” تجاه “العراق” لا تتغيّر، “ولا يمكن الاطمئنان إليه أبدًا، ونحن أصحاب تجربة معه”. وأشار “عبدالهادي” إلى محاولات “إردوغان” الدائمة لقطع المياه عن الشعب العراقي، مضيفًا: “إنّنا لا نثق سواء بإردوغان أم بمنافسه”.
النفط في “كُردستان العراق”..
وعلى غرار الملف المائي؛ فإنّ “النفط”، برأي الدكتور “إحسان الشمري”؛ سيستمر التعامل معه أيضًا كجزء من الأمن القومي لـ”تركيا”، في حال فوز “كمال كليجدار أوغلو”، “خصوصًا أنّ تركيا بحاجة إلى تدفق النفط العراقي من خلالها، وإلى الطاقة فيها، كونها دولة صناعية”.
الدكتور “حسن عبدالهادي”؛ قال إنّه لا يتوقّع أن يكون للشعب العراقي مصلحة في حال فوز “إردوغان” في الانتخابات الرئاسية أو بقائه، فالأتراك لا ينظرون إلى المصلحة العراقية، وهم بحسّب تعبيره، لا ينظرون حتى إلى مصلحة الشعب التركي بل إلى مصلحة النظام.
وأضاف “عبدالهادي” أنّ المنافسة بين المرشحين في “تركيا” لا تعنّي “العراق” بشيء، مشيرًا إلى أنّ السياسة الدولية هي التي تتحكّم بالسياسة الداخلية التركية. وأردف قائلاً: “بصريح العبارة، السياسة التركية، التي سبق أن عرفنا أنّ فيها وجودًا إسرائيليًا، لا نتأمل منها شيئًا”.
بدوره؛ قال الدكتور “إحسان الشمري”، أن: “لا مصلحة للمواطن العراقي فيما يتعلق بالشخص”، بل إنّ الموضوع مرتبط بالسياسات التي ينتهجها كل من المرشحين. وتابع “الشمري”: “من الصعوبة التميّيز من الآن من سيكون في صالح العراق، فحتى كمال كليجدار أوغلو؛ يمكن أن ينقلب على شعاراته. نحن بحاجة إلى سياسات لأنّ شعارات الحملة الانتخابية شيء، والرئاسة شيء آخر”.
تؤثر بشكلٍ مباشر على اتجاه الحرب..
ويلفت المحلّل السياسي العراقي الكُردي؛ “عادل بكوان”، إلى أنه في: “وسائل الإعلام وفي المجال السياسي، الجميع منشغلون للغاية في الانتخابات التركية”، مذكرًا بالدور الجيوسياسي “الأساس” الذي تلعبه “أنقرة” في المنطقة.
فعلى المستوى الأمني أولاً؛ يُشكّل الصراع بين الجيش التركي ومقاتلي حزب (العمال الكُردستاني) الذي امتدّ منذ سنوات طويلة إلى أراضي الإقليم العراقي، أحد أبرز التحديات.
وتنفّذ القوات التركية بانتظام ضربات جوية وعمليات برية ضد عشرات المواقع العسكرية في الإقليم لحزب (العمال الكُردستاني)؛ الذي تُصنّفه “أنقرة” والغرب منظمة: “إرهابية”.
ويُضيف “بكوان”، مدير المركز (الفرنسي لأبحاث العراق)، لوكالة (فرانس برس)؛ أن: “نتيجة هذه الانتخابات ستؤثر بشكلٍ مباشر على اتجاه هذه الحرب على الأراضي الكُردية في العراق”.
وفي حال انتصار المعارضة؛ فهو لا يستبعد “إمكانية حصول تهدئة”، بعد أن مدّ “كليجدار أوغلو” يده للأقلية الكُردية.
مرهون بالتحالف مع الأكراد..
وفي إشارة إلى التعطش: لـ”الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي” في الشرق الأوسط، يعتقد الباحث في الشؤون التركية؛ “بوتان تحسين”، أنه حتى في حال فوز “إردوغان”: “ستكون تركيا بحاجة إلى مبادرة لتطبيع الأوضاع مع جيرانها، وخصوصًا مع كُردستان” العراق.
ويرى أن: “مستقبل العملية الديموقراطية في تركيا مرهون بالتحالف مع الأكراد وإنصاف حقوقهم”.
ويعتبر الباحث كذلك أن المعارضة التركية: “تُراهن على التهدئة وتُريد فتح صفحة جديدة” مع الأكراد.
وخلال عقدين من الزمن، تحوّلت “تركيا”؛ خلال فترة حكم “إردوغان” إلى قوة إقليمية أساسية في المنطقة، تتفاوض مع “موسكو” بشأن الحرب في “سوريا”، وتتحدّى “واشنطن” والأوروبيين.
باستثناء بيانات تُدين انتهاك السّيادة العراقية والعواقب المترتبة على ذلك بالنسّبة للمدنيين، لم تصعّد حكومة “إقليم كُردستان” لهجتها قطّ ضد جارتها التي تظلّ قبل كل شيء شريكًا اقتصاديًا استراتيجيًا.
وهناك ثلاثة معابر حدودية برية بين الإقليم و”تركيا”، افتتح آخرها وهو معبر “زيت” الحدودي، في 10 آيار/مايو.
ولسنوات عديدة، اعتمد “إقليم كُردستان العراق” على “تركيا” في تصدير حوالي: 450 ألف برميل من النفط يوميًا، دون موافقة الحكومة المركزية في “بغداد”.
وفي حين توقّف التصدير في آذار/مارس؛ بسبب نزاع قانوني بين “أنقرة” و”بغداد”، يُفترض أن يستأنف في نهاية المطاف، بمجرد تسّوية قضايا فنية ومالية بين الطرفين.
ويقول “بكوان”: “من الواضح أن من يحكم في أنقرة سيكون له تأثير في هذه القضية”.
نقطة تحول لـ”كُردستان”..
ويُحذّر الباحث من أن الانتخابات قد تكون نقطة تحوّل بالنسّبة لـ”كُردستان”، إذ بنى القادة في “أربيل” علاقة شخصية مع “إردوغان”؛ الذي أصبح: “حليفًا مهمًا للغاية”.
ويوضح: “بمجرد أن يتغيّر الرئيس، ستتغيّر مجمل العلاقات بين أربيل وأنقرة”.
ويُضيف: “عندها ينبغي إعادة تكوين العلاقة والرابط مع شخص لا تعرفه”، مشيرًا إلى أن: “العالم الدبلوماسي يكره المجهول”.