لــم يكن رسل السماء , فلاسفة , ولا شعراء , ولا من ذوي المواهب الفنية .. بل كانوا أٌمّيين من عوام الناس .. فكيف إذن إستطاعوا أن يغًيّروا مجرى تاريخ الانسانية , ويصنعوا الحضارة على وجه هذه الارض ؟ والجواب ببساطة : لانهم لديهم وعي ونباهة لمتطلبات زمانهم !! … فعندما يًشُب حريق في بيتك , ويدعوك احدهم للصلاة جماعة في الجامع المجاور لبيتك .. ينبغي عليك أن تعلم إنها دعوة خائن .. فالاهتمام – في هذه اللحظة – بغير إطفاء الحريق , والانصراف منه الى عمل آخر , ما هو إلإّ .. إستحمــــــــار .. وإن كان عملا مُقًدسا ؟!
فإن المُستًعمّر يدعوك في بعض الاحيان الى ما تعتقًدَه أمرا طيبا من اجل القضاء , أوإشغالك عن استحقاق كبير, وأحيانا تُدعى لتنشًغّل في حق آخر تافه .. فيقضون هم على حق آخر هو أولّى في سُلًم الاولويات .. هذه المقدّمة لما أُريد قوله – إقتبستها بتصًرف – من كتاب عالم الاجتماعي الديني الدكتور علي شريعي ( النباهة والاستحمار ) … وفي علم الادارة : وضع أستاذ جامعي أمام طلابه جرة زجاجية خالية، وبدأ يضع فيها أحجارا كبيرة واحدا تلو الآخر حتى ملأها. ثم سأل طلبته: هل امتلأت الجرة؟ قالوا: نعم. فأخرج كيسا وسكب منه حصى صغيرة الحجم ورج الجرة جيدا حتى امتلأت معظم الفراغات بين الصخور الكبيرة. فقال: هل ملئت الجرة؟ كان ردهم الإيجاب أيضا. بعدها سكب أمامهم كيسا من الرمل الذي ملأ الفراغات كلها فقال: هل امتلأت؟ فاتفق الجميع على الإجابة نفسها. لكن البروفيسور, لم يلتف إلى إجاباتهم، فسكب كوبا من الماء حتى تغلغل بين الصخور والحصى والرمال، فملأ الجرة حتى أعلى فوهتها. هنا قال الأستاذ: الآن بالفعل تستطيعون القول بأن الجرة قد امتلأت، لكن الأمر الأهم هو أنكم لو وضعتم الرمل والماء والحصى أولا فلن تتمكنوا من إدخال هذه الصخور الكبيرة… كان هدف المُعًلّم الحكيم من هذه التجربة العملية : أن يُصًوّر لهم الجرة , بأنها حياتهم أو أوقاتهم .. وان الصخور الكبيرة , هي اولوياتهم المهمة في الحياة , وأمّا الحصى الصغيرة فهي الاعمال الاقل اهمية , والرمل والماء همـا >> توا فّـــــــــــه << الامور – إن جاز التعبير – التي نشغّل بها أنفسنا , ونهدّر بها أوقاتنا من دون ان ندري .. هذه التجربة لا تقتصر على الأفراد وإنما تنسحب على القياديين في أعلى سُدًة المسؤولية ( نوابا وحكاما ) , والمديرين , في أي مرفق إداري من الذين يشغلون مرؤوسيهم بتوافه الأمور.. إن الغاية من المقال , هي الوصول الى نتيجة مفادٌها : إن مجلس النوب العراقي – في دورته الحالية – كان مشغولا بتوافّه الامور .. بإستحمار مقصود .. وأسأل ببلاهة البعض منهم : لماذا لم يٌمرّر المجلس قانون البنى التحتية , او قانون النفط والغاز , او قانون الاحزاب , او قانون الموازنة .. ويٌصًرّون على تعطيل حركة ونشاط الدولة بالكامل .. ومن جهة اخرى تمُمًررّ قوانين تافهة لا تمُس حياة الناس , او ذات المنافع الشخصية والامتيازات لهم ؟؟ لماذا هذه الخيانة المفضوحة لامانة المسؤولية ؟! لماذا التعمٌّد باشغالنا بتوافه الامور ؟؟ أين رئاسة البرلمان من تهديدات مسعود البرزاني , برّد غير مُتًوقّع , وما هو هذا الغير مُتًوقّع في ذهنه ؟ أين كابينة الرئاسة من قطع المياه , وهل هذا العمل هيّن في نظر السيد رئيس المجلس الحليف الدائم للترك والكورد ؟ اين السيد النجيفي من أنبوب النفط المُهًرّب الذي عثر عليه الجيش التركي ؟ هل هذا استحمار مقصود ؟ السلام عليكم .