لقد رسم الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) طريق حركة الدعوة الإسلامية في العراق ، وتربّت أجيالها على رؤاه وأفكاره الإسلامية الرشيدة ، وكان رحمه الله ينظر إلى سايكولوجية الشعب العراقي بعين الإمداد الغيبي مرّة ، وبرؤيته العراقية الفكرية الاجتماعية السياسية الديموغرافية أخرى ، فهو كان يعرف جيداً من خلال رؤيته الثاقبة لحقيقة المجتمع العراقي .. من خلال فهمه لحركة التاريخ .. من خلال إدراكه لحقيقة الجماهير .. من خلال فهمة لحقيقة الطغاة ، كان يرى رحمه الله أنَّ الشعب العراقي لا يمكن أنْ تحكمه السلطة الدينية ، ولا يمكن أن تنجح فيه تجربة الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه ، لهذا أشّرَ للأمّة صلاحية اختيار شكل الحكومة العادلة في العراق ، فوجّه خطابه السياسي والفكري والفلسفي والاقتصادي بلغة يفهمها الجميع .. وجه خطابه إلى السنّي وإلى الشيعي .. إلى العربي وإلى الكردي .. إلى المسلم وإلى غير المسلم .. حاورهم حاججهم فكرياً ، ولم يكفـّرْهم ما نأوا عن إسلامهم وعقيدتهم التي سُرقوا منها بالأفكار والعقائد والأحزاب الدنيوية .
كان الأمسُ مرحلة ؛ واليومَ مرحلة !
هذه المرحلة .. هذا اليوم ؛ الذي أُسقِطتْ فيه سلطة الطغاة ، وارتفعتْ سلطة الجماهير ، بحاجة إلى تنظير دعوتي رشيد ، يعيد لحركة الدعوة الإسلامية نشاطها وشبابها وعنفوانها التليد ، في زمنٍ تخلو فيه الأمّة العراقية من قيادة روحية دينية سياسية تحمل مشعل الثورة التغييرية الانقلابية من جديد .. تضئ العقل الدعوتي الحاضر،الذي آثر الارتقاء إلى الكراسي البرلمانية والحقائب الوزارية على المنهج الرسالي الثائر الذي رفعه الشهيد الخالد السيد محمد باقر الصدر(رض) : رسالتنا تغييرية انقلابية !!!
اليوم ؛ ينقسم حزب الدعوة الإسلامية إلى عدة إنقسامات ، ويجدد مسميات تنظيمية جديدة ، بعدما كان حزب الدعوة الإسلامية لا يمثل إلا حركة الدعوة الإسلامية ، وبعدما كان قائده ومرشده الروحي ومنظره العقائدي السيد الشهيد محمد باقر الصدر يوجه خطابه التنظيمي إلى الجماهير المؤمنة بعبارة : ((إنَّ حركتنا ..)) ولم يستخدم أيَّ مصطلحٍ غيرها ، لا تنظيم الداخل ولا تنظيم الخارج ولا تنظيم العراق ولا أنصار الدعوة ولاولا … وهذا ما يؤسفه وهو في قبره الشريف ، وكأني به ينادي: ((يا أبناء شعبي العراقي العزيز ؛ أنا معك يا أخي السني .. أنا معك يا أخي الشيعي ، بقدر ما أنت مع الإسلام !)).
الفكر الإسلامي ؛ هو الدين الإسلامي الذي أنزله الله تعالى على صدر رسوله الأمين النبي محمد (ص) ، وليس ثمة غيره ، ومع هذا ؛ دعونا نذعن مرغمين إلى ما سببته سياسة المسلمين على سياسة الإسلام ، فقد جعلت الحكومات الأموية والعباسية وجهاً سياسياً مغايراً لسياسة الخلافة الراشدة بمحطتها الرابعة الأخيرة في مرحلة صدر الإسلام ، وما أحدثه المجرم معاوية بن أبي سفيان من تدمير شامل للمنظومة السياسية الإسلامية الراشدة ، التي تبنت مشروع (شورى الأمّة) التي أذعن لها الإمام علي (ع) وسكت عليها ، عندما لم يشهر سيفه بوجه من سلب حقه الرسالي بالخلافة الغديرية المعروفة ، وذلك نزولاً منه عند مصلحة (الأمّة) لا عند مصلحة (الأنا) .. آثر رأي المجموع على رأي الفرد ، لكنْ الحربُ لم تضع أوزارها ، ولم تستقر سفينة الصراع السياسي ، إلا عندما آل الحكم (ملكياً) لا (خلافةً) لآل أبي سفيان ، مسلوبةً من آل بيت رسوله ، عندما ذبحَ أبو سفيان رسول الله (ص) مرّتين .. مرّةً بالتآمر على قتل علي (ع) ومنهجه الأصيل ، ومرّة بسم ولده الحسن (ع) ، حتى توارثها بنو أميّة ، فطالت أيديهم ذبح الحسين(ع) ورضيعه !!!
فالإسلام إذن ؛ هو الإسلام ، لكن الذي يتغير دائماً ، عبر التاريخ ، هو الانضمام السياسي لذلك الإسلام الثابت العقيدة ، بما يخدم الحكومات والحاكمين،لا بما يُرضي الله و يخدم الدين والعباد !
التصارع السياسي على السلطة أمسى أهم من الجهاد في سبيل الله ، والفتوحات الإسلامية ، ونشر الدين الإسلامي ، أمانة مصونة إلى الناس كافة .. رحمة للعالمين ، لقد صارت المسؤولية الإسلامية لدى المنضمين للدين الإسلامي ـ ولا أقول المسلمين ـ هي مسؤولية التحايل على الله وعباده المخلصين (ولن يُخدعَ الله في حقه)لأجل (الوصول إلى الكراسي) ، علماً بأن لا رسول الله ولا علي بن أبي طالب ولا محمد باقر الصدر جلسوا على (كرسي) .. كانوا يفترشون حصير الخوص المصنوع من سعف النخيل ، منذ فجر الإسلام حتى إعدام السيد محمد باقر الصدر (( زاره الفيلسوف العربي زكي نجيب محمود في داره بالنجف الأشرف ، فوجده جالساً على حصير الخوص ، في سطح بيته المستأجر المتواضع بمحلة العمارة يتشمس ويطالع ويكتب .. تلكم المؤلفات التي هزّت العالمين الغربي والشرقي !!!)) .
المرحلة الإنتخابية قادمة ، قريبة .. التناحر يتغلب على التآزر .. الإختلاف يغلب على الإئتلاف .. الهوّة تزداد ، فتتباعد الأخوّة .. لا شئ يلوح في أفق العملية السياسية ـ على مستوى التنظيمات الإسلامية الشيعية ـ إلا منحى ( لمن الغلبة !!!) … ( من هو صاحب المقاعد البرلمانية الأكثر) ، فلو كانت هكذا نتيجة هي النتيجة ، لكان لحزب الأخوان المسلمين المصري أكبر حظ من غيره ، ولما آل إلى ما آل إليه من ضياع اليوم .
ما أكثر العبر وما أقل المعتبرين ، الفرصة الذهبية التي ينعم بها شيعة العراق ، لا تضاهيها فرصة غيرها ، منذ استشهاد الإمام علي(ع) حتى 9/4/2003، وها هي السنوات العشر ، التي صارت لا تختلف عن ليال عاشوراء العشر ، تلكم الليالي السوداء على تاريخ الشيعة ، وقد جعلتم بفرقتكم سنوات حكمكم العشر هذه لا تختلف عن تلكم الليالي .
الموتُ والإرهابُ والتناحر والمعارك المحلية والتهجير ، كلها مصطلحات تولدت بعد 9/4/2003 لا بسبب (بريمر) حسب، ولكن لكم يا سياسيو شيعة العراق دور فيها ، مثلما لكم يا سياسيو سنة العراق دور فيها !!!
الله .. الإسلام .. النبي .. الأئمة الأطهار .. قائم آل محمد .. الوطن .. الشعب يحاسبكم في الدنيا والآخرة ، مالم تتكاتفوا جميعكم أيها العراقيون .. أيها المسلمون .. أيها الشيعة .. أيها السنة .. أيها السياسيون !
وإنَّ للعراق وشعبه المظلوم ؛ حوباً لا يُنجي من يؤذيهما قط !
أين نوري السعيد ؟!
أين عبد الإله ؟!
أين عبد السلام ؟!
أين صدام المجيد ؟!
لهذا أقول ؛
احذروا يوماً سيأتي
تسأل الأجيالُ عنكم
مرّة ً أخرى بأين !