19 ديسمبر، 2024 12:13 ص

الجهاز المعرفي:
الجهاز المعرفي يمثل مجموعة الأفكار وطريق التفكير ومنهج التفكير والفهم، كما انه يرتب الأولويات ويقدم ويؤخر في المواضيع، من اجل هذا فان ما يصيب أي أمة من تخلف هو بسبب فشل جهازها المعرفي، كذلك النجاح والصعود بسمو الجهاز المعرفي، فان جمد ولم يواكب الزمن عاد الجهاز ذاته ليكون سببا في التخلف، فالحياة تتوسع في متطلبات الفكر وتتطور بمتطلبات المدنية.
كيف يفسر الجهاز المعرفي بعض المفاهيم والمصطلحات:
التمكين، غالبا ما يفهم بانه القدرة على البقاء والتأثير وكسر شوكة الأعداء أو المخالفين مع مرور الزمن، وان بقاء الحاكم دليل نجاحه، وهذا ليس صحيحا، فتناغم الحاكم والمحكوم وارتباطهما بعقد قبول بعضهما هو التمكين وهو النجاح، أي أن الحياة في المجتمع وتجانسها بما يمثل كل من الحاكم والمحكوم هو النجاح وان لم يستمر الحاكم بحكم الظرف أو لأي سبب.
كذلك فان مصفوفة الفكر عادة تكون تعاملات تشبه الرياضيات لتنتج أمرا منطقيا من تشخيص وتحديد اللوازم والتخطيط لحل أي من الأسئلة، كذلك هي قادرة على معالجة التحديات كفاعلية ضمن التخطيط والتحصين، أما الظن بان التخطيط من الآخر قدرا مقدورا وتعين جملة من المسلمات التي تدعم بمقولات دينية لا تدري مصدرها حقيقة الأمر، يخلق حالة من الاستسلام الإرادي والقبول بالإخفاق، ووقف التخطيط انه (تسليف) وهذا الخلل أيضا من الجهاز المعرفي الذي نقل بفهم خطأ للقضاء والقدر وعلم الله وهنا تظهر حالتان، فإما الاستهانة بالمخاطر والتحي دون دراسة أو معطيات بل لا احد يفكر بها وهو يهذي بكلمات وهتافات عاطفية دون فعل أو الاستسلام الذي ذكرناه، فلابد إذن من دراسة واعية ومراكز دراسات ترتقي بالناس وتوجه في ذات الوقت، تضع الخطط تثقف وتدرب.
فاعلية السلوك:
فاعلية السلوك تظهر في المجتمع وتمثل ثقافته، كذلك في الحاكم وخطواته، ادعاء الحسن من الفعل والنتيجة هو كذب على الذات يقفل طريق اليقظة والإصلاح ليستمر السبات، وهذا بالتأكيد يعني وجوب البحث عن الحقيقة المتجددة والتي لا تملك وإنما يكون الوصول إليها هدف وليس الغية للفعل، لان مجرد الوصول إليها تكون الأمور قد توسعت وامتدت وأضحى المطلوب أكثر حداثة فلا امتلاك للحقيقة ولا يوجد نهاية للعالم مادام الإنسان يعيش عليها والقيامة لم تقم.
الفهم:
إن فهمك لما تعتقد هو ما ينبغي أن يجسد السلوك والأهداف ثم الغايات، ففهم المتدين للدين يمثل ما فهم وليس الدين، كذلك فهم المنقول من قيم إيمانية أو الحادية أو أي ما يمكن أن يكون معتقدا للآدمي ومخرجات تفاعل فكره، فنحن نحتاج إلى الاستنارة بالحقيقة وليس امتلاكها والجمود عند الظن بامتلاكها، لان من يظن انه امتلك الحقيقة فهو لن ينظر لجديد ما لم يك منفتح الذهن فهم يستنير بها وتنعكس على أحاسيسه وخلجات نفسه بل عموم سلوكه وإبداعه.
منهج الراشدين وليس ما اجتهد الراشدون:
النجاح الذي حققه الراشدون لانهم كانوا يفهمون المنهج القرآني، فعمر بن الخطاب رض الذي تفتخر الأمة بعدله ولا يختلف على هذا اثنان، اجتهد اجتهادات لو فعلها أو استحدثها في عصرنا أي متصدي في الحراك الإسلامي لخرجت أصوات تسفهه وتكفره، بل لشنعت به انه عطل الحدود وغير توزيع الغنائم، وكثير من الأمور التي احتاجتها الدولة والحكم، تلك هي الطريق الصائبة وذك هو منهج عمر اجتهد لعصره، بينما منهج يتبع اليوم لا يسمح بالتجديد وإدارة الدولة نحو المستقبل بل الكل كسر رقبة الأمة بالالتفات إلى الخلف ولا يريد أن يوقف الزمن فحسب بل أن يعيد الماضي بأحداث التاريخ ومشاكله واجتهادات رائعة في عصرها لكن لا تصلح لعصرنا، ناسين إن الله جل وعلا ذم التقليد والاتباع الأعمى ودعا إلى إعمال المنظومة العقلية والتجديد مع الزمان والمكان وتغيراته، وقال إن القرآن مثاني(طيات) افتحوها وعيشوا زمانكم، خلاصة القول ما لم نتوقف عن هذا فهذه الأمة لن تنهض بل ستبقى في تخلف محتقرة مهانة عالة على الوجود لا فاعلية لها بما يجري حول العالم من تدهور للقيمة الآدمية فمن لا ينهض بالآدمية في نفسه لا يستطيع أن يرتقي بها لغيره.
التطور المدني:
اليوم ابسط الناس ممن يستخدم التقنيات الحديثة والابتكارات والصناعات يعيش عيشة الملوك في الماضي، علماء عصرنا ومفكريه والباحث أمام حاسوبه، يستحضر علوم الأولين والحاضرين بكبسة زر، إننا إذن أولى بالاجتهاد من التقليد أو التصديق والتسليم الأعمى بما أنتجه فقهاء وعلماء لعصرهم وفق ما حصلوا عليه، لسنا مجبرين أن نقدس رأيا لأناس حديثي الإسلام في عصر لم يك فيه إلا أربعة نسخ من القرآن معتمدة ثم تزايدت لكن لم تصل دفعة واحدة من دفعات المطابع في عصرنا والمتاح على شبكات التواصل وبلغات متعددة.
ليس هذا يعني أن نلغي ونحدّث بل توسيع لحاء الشجرة الطيبة من أصلها الثابت لتنتج ثمارا ولا تقف متيبسة عقيم، إن واجبنا ليس تمجيد الماضي ونصرة المظلوم في التاريخ ونحن لا ننصر الحق في الحاضر ونظلم الناس فنظلم بظلم أبرياء بل باختراع الحدث كما نهوى، ونوسع بيئة الجهل بدل أن نقاومه وندعو للعصبيات وقد تبرأ الرسول من جنس العصبية حتى لو كانت لحب الدين من منطلق غرائزي انفعالي ومهين لأعظم ميزة للآدمي وهي منظومته العقلية.
إن الحياة إلى نهاية كما بدأت والكل عائد إلى الله بلا مال ولا جاه ولا منصب ولا نصرة لذاته أو خسارة أكثر من عمله وسلامة ما توصلت إليه منظومته العقلية، ولا يحمل وزرك أحب الناس عندك واحبهم أنت لفؤاده.