تضرب جذور فكرة العواصم الثقافية إلى عام 1985م عندما استوت هذه الفكرة ونضجت ثمرة في ذهن ( ملينا ميركوري ) وزيرة الثقافة اليونانية وقتذاك ، وساندت منظمة اليونسكو فكرتها ؛ إذ تنطوي هذه الفكرة على هدف التعريف بالمدينة ( العاصمة ) ثقافياً من خلال إعطاء الفرصة لها للنهوض بمستواها الثقافي … وبعد .. فها هو كاتب السطور يفرح إذ يفرح عند اختيار بغداد عاصمة للثقافة ، ويحزن إذ يحزن عندما استبدل الأمل باليأس والثقة بالشك … فقد كنت على مرمى من الطموح القريب أن أرى القيمين على هذا المشروع ، وضمن أولوياتهم العاجلة أن يطبعوا ما تراكم من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه التي تتحدث عن بغداد وضواحيها من الناحية الانثربولوجية والاجتماعية والثقافية والتراثية وسواها ، ولاسيما أننا في عصر الحاسوبية والمعلومات ، وأن جمع هذه الدراسات ليس من الصعوبة في شيء ، فهي مضغوطة في أقراص مدمجة للذي يرغب .. والحديث ذو أرق وشجون وحدث عن البحر ولا حرج ، وأن شجون هذا الكلام قد ألقت بي على شاطئ التحدث عن المطبوعات التي صدرت تحت عنوان مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية ، ويالهول بعض المطبوعات التي صدرت ( لاحظ ) بعنوان مختلف عن توأمها الأول لصادر مسبقاً بعنوان آخر والمضمون واحد ( نصاً ) بقضه وقضيضه !!! نعم إذ ثمة ما صدر من كتب كان قد صدر سابقاً وأعيد إصداره بعنوان مختلف ، ولعل سائل يسأل متعجباً ، فنجيب إنها المحسوبية الثقافية التي تتعالى على المحسوبية الموضوعية للنص . كم أتألم عندما أقلب عشرات الدراسات الدسمة المركونة في زوايا المكتبات المركزية التي تضم بين دفتيها دراسات معمقة عن ضواحي بغداد كالكاظمية والأعظمية والشعلة والصدر وسواها ، التي أضاف مؤلفوها قولاً على قول مما جاء به العلامة مصطفى جواد ، وجلال الحنفي ، وسالم الآلوسي وغيرهم ، ممن اهتم بالتعريف بالتراث البغدادي . إن عدم وضع خطة وطنية للثقافة وخارطة طريق للتعريف ثقافياً بالعاصمة جعل وجه العاصمة الثقافي باهتاً ( حاشاها ) يكاد يكون مصاباً بفقر الدم ؛ لأنها لم تكن بمستوى التوقعات …… إنها بغداد ( يا جماعة ) بغداد …. واسطة العقد ومهوى المقلِ . وتحت كل هذا لم ترق المطبوعات التي صدرت بالمستوى المطلوب تأليفاً وإخراجاً سوى بضعة كتب لا تعد على أصابع اليد الواحدة ، ويبدو أن الهم والاهتمام كان ملقى على الكم والأكمام ، وحسبك أن ترى الحشو الغث ، في بطون كثير من الكتب التي أصدرها هذا المشروع فضلا عن شعورك بأن بعض الكتاب بدا لاهثاً مسرعاً في التأليف ، ويكأن على حزة في النفس في مسارب الكلام وغصة في الحلق على من لم يحذق سوى مد العنق وتعديل ربطتها !! فلات حين حسرة إذ لا حيلة في اليد الآن سوى صفق اليد الأولى بالأخرى والتأوه بــ ( إيه ) والتوجع بـ ( آه ) .. إذ كنا ننشد طباعة كتاب أكاديمي مركون في رف ومضغوط في قرص .. وإن ما كنا ننشده ( يا جماعة ) أن تكون بغداد عاصمة للثقافة كما تستحق !! وأن يكون مضمون العنوان فستاناً يليق بها وبتراثها ولكن و( آه ) من الاستدراك بـ ( لكن ) لأن ما طرحناه لا يعدو كونه إيماضة مما هو خفي أعظم !! وإذ يتناول كاتب السطور جانباً ، وهو المطبوعات الصادرة عن هذا المشروع … يقول المشروع ؛ لأنه بدا للتربح التجاري فقط .. وهنا يعن الطلب المجهول في الذهن : متى تخرج الثقافة من عباءة السياسة في العراق ؟ والطلب مجازي أراد به سائله النفي .. ولعله يائس من هذا الخروج .. وختاماً فهل وجدتم ما كتبته حقاً ؟ لعلي أجدكم تجيبون بـ ( نعم ).