A Prince and his Inferiority Complex
ينشغل علم النفس و الطب النفسي أحياناً بأمور قد تبدوا للبعض فضولاً لا فائدة منه و مجرد تمارين ذهنية لكاتب المقال. هذا الرأي لا يخلوا من الصحة و لكن الرأي الاخر بان مثل هذه التمارين تساعد الجميع على فهم المشاهير من الناس و الذين يدفعون ثمن بسيطاً لشهرتهم وقوفهم تحت الاضواء ألكاشفة يتمثل في خضوعهم لمثل هذه التحليلات لكي تعم الفائدة على الجميع .
عالمنا العربي و الشرق اوسطي يتميز بحساسيته و ميوله الزورانية. الكتابة عن شخص من دولة معينة او طائفة ما يتم حصره بهجوم و انتقاد للبلد و الطائفة. الأمير بندر بن سلطان من السعودية و الخليج و لكن الكتابة عنه لا تعني انتقاد السعودية و الخليج و الحكام. على العكس من ذلك يجب الاعتراف بان حكام الخليج ،بعيداً عن الآراء السياسية، هم اكثر عناية من غيرهم بالسعي لمواجهة تحديات مصادر الغذاء و الزراعة لشعوبهم و لا يستحقون سوى الثناء على ذلك 1. كذلك فأن المقال ليس انتقاداً لشخص الأمير و افكاره و انما محاولة لفهم شخصية تثير الانتباه و تستحق الدراسة.
هناك مصادر عربية و اجنبية عن الأمير بندر بن سلطان. المصادر العربية تتميز باطار عاطفي يميل الى الاستقطاب و كانك تشعر الكاتب في نوبة غضب و هو يحرك قلمه او تم تأجيره حاله حال شاعر يمدح الخليفة العباسي و يتقاضى اجره. المصادر الاجنبية و مصادر وكالات الانباء العالمية افضل من ذلك.
سيرته الذاتية:
لقب العراب Godfather هو اخر لقب حصل عليه الأمير بندر بن سلطان من الصحافة الغربية قبل تنحيه عن منصب رئاسة المخابرات السعودية في الاسبوع الثالث في شباط 2014. لم يرضي سلوكه حتى من يؤيد المعارضة السورية من الصحف الغربية المؤيدة لها. يتصور الكثير بان ازاحته كانت لتصفية النوايا بين الولايات المتحدة و السعودية تمهيداً لزيارة باراك اوباما في الشهر الثالث.
شغل الأمير منصبه الاخير في مجلس الأمن الوطني و رئيساً للاستخبارات السعودية من 19 تموز 2012. و لكن المنصب الذي اشتهر به هو عمله كسفير للملكة العربية السعودية من 1983 حتى 2005. تتحدث المصادر الصحفية و الدراسات المتعلقة بالأمير عن نفوذه ضمن الوسط السياسي الامريكي ايامها. تولى هذا المنصب و عمره لم يتجاوز 34 عاماً( و قبلها بعام كان ملحقاً عسكرياً). يدعي الامير دوماً بان عمره الحقيقي اقل من عمره الرسمي و مهما كان الرقم فهو يعكس حقيقة واحدة لا غير بانه تسلم هذا المنصب في عمر لا يصل فيه الانسان الى مرحلة نضوج فكري و سياسي للقيام بمهام تتطلب خبرة و حنكة سياسية يكتسبها الفرد في اطار خدمات في بلاده اولاً و بعدها يصعد السلم بصورة تدريجية ليدخل السلك الدبلوماسي قبل ان يجلس على مقعد السفير. هذه المرحلة في حياته ربما قد تفسر الارتباك الواضح في سيرته الشخصية و تطوره الفكري و السلوكي في اتجاه معين. لكن هذا الرأي يصعب الاتفاق معه لان ليس هناك ما يشير الى ان الأمير اكتسب خبرة سياسية و عملية ساعدت في تغيير طاقمه العقلي التفكري و هذا يستدعي التعمق اكثر في دراسة شخصيته و تركيبه النفسي.
حمل الأمير عدة قضايا في حقيبته الشخصية النفسية منذ الطفولة. المعروف ان امه 2 كانت جارية من عامة الناس و حملت به و عمرها 16 عاماً. يحاول الاعلام العربي اضافة بعض البريق على شخصية امه و القول على انها تعلمت القراءة و الكتابة بعد ان ولدت الامير. كان والده ايامها في بداية العقد الثالث من العمر و لكن الاتصال بين الاب و الابن لم يحصل حتى بلغ الأمير عمر 8 اعوام. انتقل الأمير الى العيش في بيت جدته هو و امه و عمره 11 عاماً و انتهت عزلته العائلية و الشخصية.
كان والده مزواجاً مطلاقاً و ام الأمير لا تظهر ضمن قائمة زوجات الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز من راحلة و مطلقة. يقدر عدد اطفال سلطان بن عبد العزيز ب 32 من ذكر و انثى و لا شك ان الامير تأثر بهذا التنافس بين الاشقاء و غياب الوالد عن ابنائه. يوصف والده بانه عنوان الاستغلال المادي و مدمن على العمل. تم تقدير ثروته ب 1.2 بليون دولار في عام 1990 و تضاعفت الى 270 بليون دولار قبيل وفاته في عام 2011 حين تم توزيع الثروة بين ابنائه و بناته8.
هذا المقطع العرضي من حياته يؤدي الى الاستنتاجات التالية:
• حمل الامير لمركب الدونية Inferiority Complex منذ وقت مبكر و ربما عدم مقدرته على تجاوز هذا النقص في بيت مزدحم بالأشقاء.
• غياب الأب بصورة فعلية و سيرة تثير الشكوك في العمل الحكومي وضعت الاساس لسيرة شخصية لا تختلف كثيراً عن سيرة الوالد الغائب عن اولاده.
• الشعور بالعظمة و السعي بهذا الاتجاه لتجاوز مركب الدونية.
• فشله في تبطين او ادخال Internalization علاقات دافئة من تعلق سليم بالأب.
ما يسند هذه الاستنتاجات هو كثرة حديث الأمير بان عمره الحقيقي هو دون عمره الرسمي الموثق بشهادة ميلاده لكي يتسنى له دخوله مراحل التعليم العالي و التدريب على الطيرانـ . يؤكد ذلك ترسخ فكرة الشعور بالعظمة و المقدرة على امساك بزمام الامور مهما كانت السبل للوصول الى الهدف.
تدرب و تخرج كطيار عسكري من كلية القوة الجوية الملكية في كرينويل Cranwell في محافظة لنكونشير Lincolnshire في بريطانيا و تخرج منها في عام 1968 و يميل الامير الى الادعاء بانه كان اصغر من هذا العمر حين تخرج من هذه الكلية العريقة التي تشرف على تخريج جميع الطيارين للقوة الجوية الملكية البريطانية. هذا المصدر تحوم حوله الشكوك فهو يشير الى تأهيل الأمير كطيار عسكري و عمره لم يتجاوز التاسعة عشر من العمرو ليس من السهل التحقق من طبيعة التدريب و التعليم الذي تلقاه في هذه الكلية و هل تخرج منها كطيار عسكري او انهى فترة تدريب مدتها 32 اسبوعاً كطالب طيران؟ . المنطق يشير الى فشله في تكميل تعليمه و تدريبه و تخرجه كطيار عسكري من هذه الكلية العريقة. يقال كذلك انه تدرب على الطيران العسكري في امريكا و تلقى تعليمه في الكلية الصناعية للقوات المسلحة و اصبح يجيد قيادة مختلف الطائرات الحربية. انتهت مهنته كطيار عسكري بعد سقوط طائرته الاضطراري في عام 1977 و اصيب بأذى جسيم في ظهره. لم يفارقه حبه للطيران و امتلك طائرة اير باص A340خاصة به بعد سنوات.
هذا المقطع من سيرته الذاتية، و رغم الشكوك في صحة انجازاته، يعكس ميله الى الاندفاع و التهور. هذا الاندفاع بدوره يتعلق بسعيه قهر عقدة الشعور بالدونية باختياره لمهنة لا يوجد دليل واحد على انه نجح فيها.
تحول الأمير من سلك الطيران الحربي الى السلك الدبلوماسي و الاكاديمي. استناداً الى المصادر المتوفرة فقد حصل على شهادة الماجستير من جامعة جون هوبكنز في السياسة الدولية العمومية International Public Policy.شهادات الماجستير و من اية جامعة اجنبية لا يمكن اعتمادها كمقياس لمقدرة الفرد الاكاديمية و الشخصية و معظمها شهادات وضيعة mediocre اهدافها تحسين ايرادات الجامعة هذه الايام. بعدها استلم شهادة الدكتوراه الفخرية في القانون من هارفارد في عام 2001 و لا شك بان اعطاء مثل هذا التقدير الفخري كان مقابل هبات مادية بالملايين لهذه الجامعة او غيرها لرجل لم يدرس القانون يوماً ما.
الأمير في واشنطن:
على مدى ثلاثة عقود من الزمن كان الامير هو الرجل العربي القوي في واشنطن و ربطته بالمؤسسة الأمريكية علاقات حميمة. كان قريباً من ريغان و زوجته نانسي و كُثر الحديث عن استغلاله من قبل نانسي ريغان لنقل رسائلها و طلباتها الى الكونغرس حتى حمل لقب صبي خدمات البيت الابيض The White House’s Errand Boy. نقل 32 مليون دولار الى متمردي نيكارغوا و حصل على صفقة طائرات اواكس AWACS. بعد رفض الادارة الأمريكية لصفة سلاح للسعودية تحرك نحو الصين لشراء صواريخ متوسطة المدى. هذه العلاقات تكشف عن ميوله الى التهور في العلاقات الدولية و حتى في بناء شخصيته.
علاقته مع الجمهوريين( بوش و جيني) استمرت على نفس الزخم و حصل على لقب بندر بوش 2 حتى انه اصبح واحد من افراد العائلة و كان من كبار المؤيدين لضرب العراق في عام 2003.
لم تكن علاقته سيئة مع الديمقراطيين خاصة بيل كلنتون.
حاول الأمير بناء شخصية و هوية جديدة. الحقيقة هي انه كان يبحث دوماً عن ام جديدة و اب جديد يزودونه بلمسات دافئة لم يحصل عليها ايام طفولته. في نهاية الأمر لم يجد الأب او الام و الإحساس بالنبذ لم يفارقه رغم ثروته الهائلة. تضاعف هذا الاحساس بالنبذ من جراء شكوك بعض افراد العائلة المالكة في تعاملاته مع الغرب.
التاريخ الطبي النفسي:
تشير المصادر المتوفرة الى اصابة الأمير بأول نوبة اكتئاب جسيمة5 في منتصف التسعينيات. هذا الاضطراب و نوبته الثانية ربما يفسر اختفائه من الحياة العامة السعودية في عام 2008 لمدة عامين او اقل حيث كثرت الاشاعات التي لا صحة لها حول اعتقاله و محاولة اغتياله. يضاف الى ذلك استعماله للكحول6 بصورة غير مقبولة و غير صحية . العلاقة بين اضطراب استعمال الكحول Alcohol Use Disorder و اضطراب الاكتئاب الجسيمMajor Depressive Disorder علاقة وثيقة و خاصة في الرجال بعد العقد الثالث من العمر. رغم احتمال اصابته بمتلازمة الالم المزمنChronic Pain Syndrome و الذي قد يفسر الاكتئاب و استعمال الكحول و لكن الاحتمال الأكبر هو وجود عوامل نفسية مترسبة في داخله عملت على تخفيض عتبته للإصابة بالاكتئاب.
استمرار البحث عن رضى الاب:
موقف السعودية من الازمة السورية يمكن حصره في اطارين:
• الاطار الاول هو الصراع على سيادة الشرق الاوسط مقابل ايران.
• الاطار الثاني هو العقائدي المتعلق بالصراع الشيعي السني3 .
تم اختيار الامير من قبل الملك عبد الله للقيام بهذه المهمة4 و توحيد الجهود و تجنيد الرجال لهذه الحرب. توسعت الحرب الأهلية السورية منذ تولي الامير هذه المهمة و امتدت الى العراق. تقدر صحيفة التايمس اللندنية و المؤيدة للموقف السعودي بان 50% من المتمردين في غرب العراق هم من السعودية. فشل في اقناع المؤسسة الامريكية بالتدخل الكامل في سوريا و كانت صفقة السلاح الفاسد من كرواتيا Croatia محرجة له. انكشفت سذاجته السياسية حين قابل فلاديمير بوتين و عرض عليه البلايين من الدولارات و السيطرة على الشيشان مقابل اسقاط الاسد. تعددت فصائل الجهاديين في سوريا و تجاوزت 1500 و الكثير منهم من السعودية. في نهاية الامر استنتجت الادارة السعودية بان عودة هؤلاء بعد انتهاء الحرب الاهلية سيشكلون خطراً على امن الدولة. فشل الأمير ثانية في الحصول على ثناء الاب و ربما اصبح اكثر ميلاً للتهور الان. تمت تنحيته7 قبل زيارة الرئيس الأمريكي و فتح ملف جديد بدون وجود الأمير ربما وقتياً او دائمياً.
مركب الدونية و الأمير:
يمكن تتبع جذور مركب الدونية الاولي مع تجربة الأمير في مراحل الطفولة من ابتعاده عن الاب اولاً و مضاعفة هذا الشعور بالمقارنة مع اشقائه.
بعد دخول الفرد مرحلة البلوغ يسعى دوماً الى هدف حقيقي او قصصي او خيالي للتعويض عن هذا الشعور بالنقص. ليس هناك من لا يشعر بالنقص مقارنة بغيره و متى ما وضع هدفاً معقولاً يصل اليه تجاوز هذه العقدة. لكن هدف الأمير كان يميل الى الخيال و يصلح لان يكون قصة لا حقيقة.
بدأ الامير رحلته مع الطيران و فشل فيها. بعدها حصل على شهادات لا معنى لها و خيالية في اطارها و محتواها. دخل بكل زخمه اروقة السياسة الأمريكية و كان تعاملاته احياناً اقرب الى التهور و اشبه برد فعل طفل حين يتعرض للانتقاد.
استمر الأمير في البحث عن هذا الهدف الخيالي و انتهى بحصوله على لقب صبي في خدمة البيت الأبيض لنانسي ريغان التي كانت بمثابة الام البديلة.
رغم هذا السعي المستمر للوصول الى الهدف الذي يزيح مركب الدونية داخله و لكن المسافة الى الوصول الى هذا الهدف بدأت تزداد يوماً بعد اخر و حينها ينتكس الفرد و يصاب بالاكتئاب الجسيم.
رغم كل الثروة التي يملكها الأمير و لكن ليس هناك في الأفق ما يوحي بانه سيصل الى هدفه يوماً ما و ينتهي الم الشعور بالنقص.
المصادر:
1 Economist 21 February 2014.
2 Baer R(2003). The fall of the House of Saud. The Atlantic.
3 Jones T(2007). Saudi Arabia’ s Not so new Anti Shis’ism. Middle East Report 242: 29-32
4 Riedel B(2011) What to expect from the New Saudi Crown Prince. National Interest.
5 Simpson W(2008). The Prince: The secretory of the world’s most intriguing Royal, Prince Bandar bin Sultan. Harper Collins.
6 The San Francisco Chronicle 10 December 2006.
7 Wall Street Journal 24 February 2014.
8 Walsh E(2003). The Prince. The New Yorker.