وكالات – كتابات :
تُشير قائمة (هورون) لأثرى أثرياء العالم؛ إلى أن “الصين” لديها عدد من المليارديرات أكبر من أي بلدٍ آخر، لكنها أيضًا مكانٌ يحتاج أصحاب الأموال هؤلاء فيه أن يتوخوا الحذر، كما يقول تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية.
ففي يوم الجمعة 14 نيسان/إبريل 2023، قضت المحكمة بسجن “فو شياودونغ”، أحد كبار المسؤولين في “بنك التنمية” الصيني، لعشر سنوات، بسبب تلقيه رشاوى بقيمة: 4.3 مليون رنمينبي؛ (حوالي: 623514 دولارًا)، خلال عمله في البنك بين عامي: 2007 و2020. وقبل أيام قليلة حُكم على المدير السابق لـ”مكتب إنفاذ محكمة الشعب العليا” بالسجن 12 سنة، لتلقي رشاوى قُدرت: بـ 22.74 مليون رنمينبي؛ (حوالي: 3.3 مليون دولار). فقد أُدين “مينغ شاو”؛ باستغلال منصبه لتحقيق مكاسب مالية لأكثر من عقدٍ زمني.
فماذا وراء حملة “الصين” لمكافحة الكسّب غير المشروع التي تستهدف كبار المليارديرات والمصرفيين ؟
ما وراء مكافحة الكسّب غير المشروع في “الصين” ؟
تقول صحيفة (الغارديان)، صحيحٌ أن تخلص النظام الصيني من أي مسؤول يُشترى نفوذه بالمال يُمثل ظاهريًا انتصارًا للإجراءات القانونية الواجبة، لكن إدانة الأسبوع الماضي جاءت على خلفية سلسلة من التحقيقات التي أطلقتها “هيئة مكافحة الفساد” في “الصين”، في وقتٍ يُجدد خلاله الرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”، حملته لتطهير حزبه، (الحزب الشيوعي الصيني)، والسّيطرة على مسؤوليه، ومن هم خارجه؛ بحسب مزاعم التقرير البريطاني.
تدعي “يوين يوين أنغ”، الأستاذة في جامعة “جونز هوبكنز” ومؤلفة كتاب عن الفساد في السياسة الصينية، إن: “التدقيق المكثف”؛ صار: “الوضع المعتاد الجديد” في “الصين”. وأوضحت: “تمتد الحملة إلى ما وراء مكافحة الكسّب غير المشروع، وصولاً إلى الإجبار على المطابقة الإيديولوجية مع خط الحزب”.
منذ وصول “شي” إلى رأس السلطة؛ في عام 2012، كانت حملته لمكافحة الفساد واحدة من أبرز سياساته الرئيسة. يرى “شي” أن الفساد يُجسّد تهديدًا وجوديًا أمام (الحزب الشيوعي الصيني)، ولم يُخفِ رغبته في اقتلاع جذور “النمور”؛ (كبار المسؤولين الفاسدين)، و”الذباب”؛ (الكوادر في المستويات الدنيا).
في السنة الأولى له في السلطة خضع أكثر من: 180 ألف مسؤول للتأديب، مقارنةً بخضوع حوالي: 160 ألف مسؤول في السنة السابقة للتأديب. وفي العقد التالي عوقب: 3.7 مليون شخص من الكوادر عن طريق “هيئة مكافحة الفساد”؛ التابعة للحزب، من بينهم حوالي: 1% من قادة المقاطعات والقادة المحليين.
ثرواث مذهلة صدمت الصينيين..
فضلاً عن المساعدة في التخلص من الخصوم السياسيين لـ”شي”؛ (كما يزعم تقرير الصحيفة البريطانية)، كانت هذه الحملة شائعة بين عموم الشعب الصيني، حيث فزع كثيرون منهم بسبب تراكم الثروات التي تُصاحب المنصب السياسي على نحو متزايد، كانت هذه الثروات مذهلة في كثير من الأحيان.
فقد توصلت دراسة جديدة نشرها مركز (ستون) لعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، إلى أنه في العقد التالي لوصول “شي” إلى الحكم، كان: 91% من المسؤولين المُداّنين في تهم فساد ضمن أثرى: 1% من سكان “الصين” الحضر. ولولا المكاسّب غير المشروعة التي حققوها لَما تجاوزت نسّبتهم: 6% بين فئة النخبة الثرية. زعم المؤلفون: “لي يانغ” و”برانكو ميلانوفيتش” و”ياوكي لين”، أن: “الفساد يُمثل بالتالي آلية قوية للغاية للتنقل التصاعدي للدخل”.
يعثر الساسة الأقوياء في كثير من الأحيان على أصدقاء بين العالم المزدهر لرواد الأعمال في القطاع الخاص بـ”الصين”. تدعي “يوين”، الأستاذة بجامعة “جونز هوبكنز”، إن رجال الأعمال هؤلاء: “يزدهرون عندما يصعد رعاتهم، ويهلكون معًا عندما يسقط رعاتهم”.
المخاطر المالية تُمثل شأنًا يتعلق بالأمن القومي الصيني..
في هذا العام؛ خضع أكثر من: 50 مسؤولاً بارزًا من مصارف كبيرة أو شركات مملوكة للدولة، إما للتحقيقات أو التأديب عن طريق “اللجنة المركزية لفحص الانضباط”؛ (CCDI)، وهي “هيئة مكافحة الكسّب غير المشروع”. يرى الحزب أن المخاطر المالية تُمثل شأنًا يتعلق بالأمن القومي. في شباط/فبراير، نشرت “اللجنة المركزية لفحص الانضباط” مقالاً عن: “المعركة” ضد الفساد”، انتقد: “النخبوية المالية” بصورة خاصة.
طالت حملة التطهير كثيرًا من الأسماء الكبيرة. في آذار/مارس، أحالت “اللجنة المركزية لفحص الانضباط”؛ “تشاو ويغو”، قطب أشباه الموصلات، إلى النيابة العامة، بعد التوصل إلى أن “تشاو” تورط في ممارسات فساد عندما كان رئيس مجموعة (Tsinghua Unigroup).
كانت الشركة إحدى كبرى شركات تصنيع الرقائق الحاسوبية، قبل إعلان إفلاسها في 2021. وفي الأسابيع الأخيرة، أعلنت “اللجنة المركزية لفحص الانضباط” عن إجراء تحقيقات مع كلٍّ من: “ليو ليانغي”، الرئيس السابق لـ”بنك الصين”، و”لي شياو بنغ”؛ الرئيس السابق لـ”المجموعة المالية المملوكة للدولة”؛ (China Everbright Group). واقتادت السلطات “باو فان”، المصرفي التقني الملياردير، في شباط/فبراير، للمساعدة في أحد التحقيقات، ولم يُظهر علنًا منذ ذلك الحين.
تقول صحيفة (الغارديان)، إن الرئيس؛ “شي”، يُسيء شخصيًا الظن في رجال المال وولائهم للحزب، بعد أن بدأت حملته ضد الفساد في 2013، بدأت النخبة الصينية في إخراج أموالها من البلاد. في عام 2014، امتلكت “الصين” ما يقرب من: 04 تريليونات دولار احتياطيات أجنبية، ولكن في غضون عامين انخفض هذا الرقم بحوالي ربع قيمته، ولم يسّتعد حتى الآن. فضلاً عن أن الحزب يعلم أن الفساد يميل إلى اتباع المال. تقول “تشو جيانغنان”، الأستاذة المساعدة في جامعة “هونغ كونغ”: “كبارة القادة، بمن فيهم الرئيس؛ شي، شددوا مرارًا وتكرارًا على منع الفساد في المناطق ذات الكثافة العالية لرأس المال”.
“اقتصاد البطاطا الحلوة”..
ذكر “جيمس بالمر”، نائب رئيس تحرير مجلة (فورين بوليسي)، وأحد مراقبي الشؤون الصينية منذ وقت طويل، أنه في الشهور الأخيرة بدأ المسؤولون الصينيون في الحديث عن: “اقتصاد البطاطا الحلوة”، وهو مصطلح استُخدم لأول مرة في 2021؛ عن طريق الرئيس؛ “شي”، لوصف الشركات الصينية التي تبقى متجذرة في “الصين” وتحت سّيطرة (الحزب الشيوعي الصيني)، حتى في الوقت الذي يتوسّعون خلاله لامتصاص “ضوء الشمس” و”العناصر الغذائية” التي يؤتيها الاقتصاد العالمي.
لم تقتصر حملة التطهير على رجال المال وحسّب، في 09 نيسان/إبريل، قالت “اللجنة المركزية لفحص الانضباط”؛ إنها ستُحقق مع: 30 مؤسسة مملوكة للدولة ومع الإدارة العامة للرياضة في “الصين”، ويخضع عديد من مسؤولي كرة القدم للتحقيقات.
تُعد الخطوة لإجراء التحقيقات مع الشخصيات الكبيرة جزءًا من اتجاه ما. يُشير “زيرين لي”، من جامعة “ييل”، إلى أنه في السنوات الأولى من حملة مكافحة الفساد، كان غالبية المستهدفين من المسؤولين المحليين، ولكن في السنوات الأخيرة تحول التركيز نحو وزارات مركزية وتفتيشات متخصصة، مثل هذه التفتيشات الأخيرة التي تطال قطاع المال.
قد يسأل البعض عن السبب في أن (الحزب الشيوعي)؛ تحت قيادة “شي”، وبعد أكثر من عقدٍ من حملات التطهير لا يزال على ما يبدو يقتلع جذور المشكلات. تزعم “لينغ لي”، المحاضِرة بجامعة “فيينا”، إن الهيكل المباشر للحزب يُعد أرضًا خصبة للكسّب غير المشروع؛ إذ إن غياب الشفافية يُفيد كلاً من القادة الاستبداديين والكوادر منعدمة الضمير، فضلاً عن أن هيئات الرقابة، مثل لجنة (CCDI) لفحص الانضباط، تكون مركزية، وذلك وفقًا لادعاءات “لينغ لي” المضللة، مواصلة مزاعمها: في حين أن “الفساد يحدث بنمط لا مركزي للغاية، يعني ذلك أنك دائمًا يكون لديك فساد أكبر من قدرة هيئة مكافحة الفساد على إجراء التحقيقات حوله”.