19 ديسمبر، 2024 1:26 ص

أعتُبر الفن وعلى مر العصور أسمى نشاط بشري وضع فيه الانسان اثرهُ الفكري والابداعي عن طريق اعمال بصرية او سمعية او اداءات حركية. فتنوعت صنوفه وتطورت اساليبه . يرجع تاريخ أول عمل فني وبشكل مؤكد الى 40000 سنة ق.م، حيث صُنعت أولى الأعمال الإبداعية من الصدف والحجر والطلاء من قبل الإنسان العاقل، باستخدام الفكر الرمزي. كان حينذاك العمل الفني جنباً الى جنب مع الحرف الاخرى فلم يكن الانسان البدائي يولي لهُ اهمية او يعتبره عمل ابداعي. كان ذالك جلياً من خلال الرسوم والرموز التجريدية على الكهوف. ومثلها مثل باقي أصناف المعارف والتصورات والنهج المجتمعي فقد مرت الفنون بتطورات واتجهت اتجاهات مختلفة .
فمروراً بالعصر الاغريقي تطورت الفنون بشكل ملحوظ نتيجة ما كان سائدً من علوم وفلاسفة ،وتراجع في العصر البيزنطي فتحطمت الكثير من التماثيل الاغريقية واقتصر الفن حينها على رسم القديسين .
وبعد ظهور السينما وأنتشار الافلام كاحد أشكال الحياة في القرن التاسع عشر اطلق على السينما اسم الفن السابع حيث كان يرى أنّ السينما تجمع وتضمّ الفنون الستة التي صنّفها اليونانيون القدماء؛ إذ أنها تجمع الكورال السداسيّ المكوّن من تلك الفنون، كما تُعتبر فنًّا متحرّكًا، تجمع ما بين الفنون التشكيلية من جهة والفنون الإيقاعية من جهةٍ أخرى. وعلى عكس ألاعتقاد السائد في العصر الحديث بأن السينما تشكل جانباً للتسلية والمتعة فقط ، كان الاعتقاد في اليونان القديمة أن السينما تشّكل وسيلة تنتمي جنبًا إلى جنب مع الدين والفلسفة والفكر في الحياة، وسيلة تجعل الفرد أكثر حكمةً ونضجًا وتساعده على النمو والمعرفة . وقد اقترح أرسطو أنّ مشاهدة العروض المسرحية التراجيدية تلعب دورًا مهمًا في خلق هزات داخلية عند الفرد وإرشاده للمعرفة الذاتية، فرؤية بطل المسرحية وهو يخطئ ويعاني نتائج خطئه يمكن لها أن تحفّز الخوف والرثاء عند المشاهدين، وتتركهم مع أسئلة حقيقية عن النفس والضمير والأخلاق والدين والمجتمع وغيرها الكثير. كما وقد آمن أرسطو أنّ التراجيديا المسرحية تعمل على مداواة وتطهير النفس البشرية من النوازع الشريرة المكبوتة من خلال إثارة الخوف والشفقة في نفوس المشاهدين. كان يرى أرسطو أن العمل الفني هو تمثيلً لشيء مثالي بشكلً مثالي .فكان توجه الفن حينها محاكاة للطبيعة والجمال المكنون فيها والتساءلات الوجودية المتعلقة بحياة الانسان ومصيره.
أذا نظرنا الى الفنون بشكلً عام والسينما خاصة بهذهِ النظرة وأستخدمناها بهذا الاستخدام سنرى تطورً كبيرً في نوعية الاعمال التي تقدم في السينما العربية او حتى الغربية.
فبالنظر الى السينما في الوقت الحالي ، وبالنظر الى توجهات ومسارات السينما قد نرى بوضوح غياب القيمة التي تاسس عليها هذا الفن المؤثر. وتوجيه العقول الى الا تفكير فتتقبل ما يعرض بشكل تلقائي . ولم يكن هذا التقبل على مستوى الافراد بل حتى على مستوى نتاج السينمات الاخرى، فنرى في السينما العربية ما يعرض يحاكي ما يعرض في سينمات الغرب بكل حذافيره وبأبسط التفاصيل فتنعدم عند ذالك الهوية. أن ما يعرض يسترعي الانتباه والتدقيق فلهذا الفن القدرة على تغيير التصورات والاراء وتغيير الاعتقادات السائدة . فقد يلعب فيلماً مدتهُ ساعتان على تغيير توجهات افراد كما حدث وكان جلياً في فيلم (القناص الامريكي ) والذي كان يحكي قصة قناص امريكي يقتل المواطنين العراقيين بدمً بارد جعلوا العالم الغربي وحتى الشرق اوسطي يتعاطف مع القناص الذي يستلذ بقتل العراقيين متناسين جرائم الجيش الامريكي في العراق. ولم ارى نتاجاً سينمائياً في هوليود ينتقص من شخصية مهمه لديهم او تسيء الى النظام الامريكي ، لان ذالك يؤثر في المتلقي بشكل كبير . من هذا المنطلق نستشف أهمية السينما في التأثير في تقبل الناس لواقع مغلوط وتزوير لتاريخ قريب لم يمضي عليه اكثر من عشرين عام تاريخ رآه كل الناس فما بالك بالتاريخ البعيد والحوادث المختلف عليها . قس على ذالك باقي أعمالهم وتوجهاتهم نحو دعم افكار مخالفة للفطرة البشرية . وما يثير الغرابة والتساءلات هو انحراف السينما والدراما العربية منحى الغربية حتى على مستوى اختيار أسماء الافلام وكأن اللغة العربية تقف عاجزة عن التعبير بها عن أسم مسلسل او فيلم. أن ما يحدث هو نتيجة لكسل صنّاع الافلام عن الرجوع الى تراثنا الغني والملهم للامم كافة وعجز صنّاع الافلام عن أنتاج افلام تحكي سيرة شخوص عربية عظيمة و ملهمة ، وايضاً تعّود الفرد العربي على ما يعرض من أعمال تثير غرائزه الانتقامية وتعطية جرعة من العنف والانحلال الاخلاقي ، أما الاعمال التي تحاكي وتستفز العقول لم يعد مرحبً بها . والأجدر بنا ترسيخ قيّمنا وأنتاج أعمال تحاكي واقعنا وتؤرشف لعظماؤنا وتبني جيلً يتبنا نفس الفكر والتوجه.
وختاماً الافلام الجيدة هي الافلام التي تحاكي الواقع وتنقل ثقافات المجتمع بآمالها وقيمها واحلامها . وحتى اخفاقاتها ونجاحاتها لبقية العالم . وتحدث اثراً فكرياً وعاطفياً في وجدان الجمهور .

أحدث المقالات

أحدث المقالات