تعاني الفتيات والمرأة بشكل عام من تعدد انواع بشعة للعنف الجسدي والنفسي والعصبي ضدها، قد يكون احدها وغير المعاقب عليه التحرش الجنسي (لفضا او حركة بشكل مباشر او غير مباشر ) وباعتقادي ان اساس ذلك يتأتى من نقطة هامة وجوهرية وهي محور انتهاكات كثيرة واعني بها عدم احترام حرية الاخر .
لقد عانت المرأة من فقدانها حقوقا كثيرة واساسية لحياتها حتى الشخصية وفي مفاصل مستقبلية لكينونتها الاجتماعية واقصد هنا تقرير مصير تحديد شريك حياتها ورب اسرتها والاب القادم لابنائها كل ذلك يكون بعيدا عن حرية قرارها في الاختيار وامثلتها كثيرة بعضها معلوم عرفيا وبعضه مخفي في زوايا الارياف او البادية ( زواج الطفلة بقرار ولي الامر – الكصة بكصة – هبة الفتاة للسيد – فرض زيجة ابن العم …..النهوه ….وغيرها كثير ) وكثيرا ما يتم عقد الزواج بيد رجل الدين غير المستنير .
كل ذلك ما زال في المجتمع العراقي ؛ فلم يتطور الوعي الحقوقي لصالح المرأة بالمعنى الجذري لتكون الوقائع والاحصاءات حول الزواج تشير الى استلام المرأة زمام امر مستقبلها بيدها حتى حسب معايير قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 بل تراجعا لمبادئه في هذه الابواب .
الاغتصاب والزواج بالمغتصبة في المغرب
لقد تطورت قوانين عربية عديدة في ايقاع العقوبات على مغتصب الفتاة وآخر التعديلات التي حدثت في المغرب بعد وقائع محزنة ومعاناة شديدة للفتيات المغتصبات مما جعل الحركة النسائية في المغرب تواصل وجودها في الشارع لتشديد المطالبة بتعديل القوانين الخاصة بحالة الاغتصاب للمرأة ، ففي مارس2012 تناولت الفتاة امينة الفيلالي سم الفئران لتضع نهاية لحياتها وهي بعمر 16 عاما بعد ان اجبرت على الزواج من مغتصبها حيث ان قانون العقوبات المغربي حسب المادة 475 منه يوقف ملاحقة المجرم المغتصب للمرأة بالزواج من المغتصبة . لكن ذلك الزواج الذي فرض على أمينة الفيلالي دفعها لانهاء حياتها الى الابد .
لقد وقفت الحركة النسائية المغربية في الشوارع طالبة إعادة النظر في اسس وفلسفة العقوبات والافلات منها حيث ان الحركة اصبحت تناقش موضوعة الاغتصاب كجريمة موصوفة في القانون المغربي ( مواقعة الرجل للمرأة بدون رضاها ) وتكون العقوبة بين 5 الى 20 سنوات ، فلماذا يتم اعتبار التمييز بين من هي عذراء وغير عذراء او لماذا يتم التفريق بين المتزوجة وغير المتزوجة في نفس الجريمة ؟ وبالتالي يتم تشديد او تخفيف العقوبات على تلك الاسس . كما ناقشن هل يمكن الاعتراف بالاغتصاب في اطار الزواج كجريمة بعينها …. ؟
بالتالي فقد كان لهذه الحركة النسائية ومنظمات حقوق الانسان المدافعة عن المرأة والضجة الكبيرة التي هزت المجتمع المغربي إثر انتحار امينة الفيلالي قد دفعت المشرعين المغاربة الى تعديل قانون العقوبات بحيث لا يتمكن المغتصب من الافلات من العقاب القانوني حتى في حالة الزواج بالفتاة المغتصبة ، خصوصا وان الدستور المغربي لسنة 2011 قد تبنى المساواة الرجل بالمرأة .
الاغتصاب في قانون العقوبات العراقي
مازالت المعالجات القانونية لحالات أباحة العنف ضد المرأة بشكل كبير يدفع الى التسائل المحزن عن تسويغ هذا العنف في قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 في مواد عديدة منها المادة 398 التي توقف الاجراءات القانونية بحق مغتصب الفتاة بعد اجراء الزواج .
لم تهز المجتمع العراقي حالات احراق الفتياة انفسهن باسم غسل العار وهي ظاهرة واسعة وخصوصا في كردستان ومحافظات اخرى وهي حالات معلنة في الاعلام ، كيف تهزه حالات الاغتصاب المستترة والمخفية بغالبتها؟؟؟؟ والتي تعاني فيها المرأة المجني عليها ضغوطا كابوسية !!! لفترات طويلة قد لا تنفك منها .
ان قانون العقوبات العراقي قد بين هذه الجريمة تحت الباب التاسع بعنوان ( الجرائم المخلة بالاخلاق والاداب العامة ) الفصل الاول ( الاغتصاب واللواط وهتك العرض ) حيث بدأ في المادة 393 1- (يعاقب بالحبس المؤبد او المؤقت كل من واقع انثى بغير رضاها ……) كذلك فإن المواد من 394 الى 397 فصلت حالات الجرائم هذه من حيث العمر دون الثامنة عشر او حصول الحمل كذلك ازالة غشاء البكارة او موت المجني عليها ، او تعويض الباكر نتيجة اقتراف الجريمة …الخ لبيان الظروف التي تؤدي الى التشديد او التخفيف من العقوبة عن هذه الجرائم .
غير ان المادة 398 قد تراجعت بتغيير منهجها في معاقبة الجاني عن جريمة الاغتصاب فتوقف كل الاجراءات العقابية من ملاحقة وتحريك الدعوى او التحقيق فيها وحتى في حالة صدور حكم في القضية فإن المادة توقف التنفيذ فقط عندما يتزوج الجاني (المغتصب للمرأة ) (المرأة المغتصبة ) فماذا تنص المادة 398 ( إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب احدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المجني عليها اوقف تحريك الدعوى …التحقيق … الاجراءات الاخرى … تنفيذ الحكم ).
من القراءة الأولية للمادة 398 اعلاه نجد المشرع قد تناول هذه الجريمة على الاسس التالية :-
1- اعتبار ان الجريمة ذات بعد اخلاقي وفي إطار مجموعة الجرائم ضد الاداب العامة .
2- لم يعر اي اهتمام لاثار الجريمة على الفتاة المغتصبة نفسيا او اجتماعيا او فسلجيا اثناء اقتراف جريمته .
3- ان مجرد الزواج واستمراره بالفتاة المغتصبة يلغي تطبيق المواد من 393 الى 397 .
لو سألنا المشرع عن فلسفته في ايقاف تنفيذ العقوبات القانونية بعد زواج المغتصب للفتاة المغتصبة فإن جوابه يتأسس على افضلية هذا الحل عن كل الحلول الاخرى ، ونحن نقول ان الموضوع ما دام يستند لدى المشرع على الاساس الاخلاقي الادبي والحل كونه لا يعدو ان يكون اتفاق بين عائلة الجاني وعائلة المجني عليها حسب الاتفاقات والاعراف العشائرية من اجل التغطية على جريمة بحق المرأة عموما ممثلة بالمغتصبة حيث لا صوت لها في الزواج ، كذلك لا تسأل عن الاثار التي تعانيها حتى بعد الزواج من الجاني ، وهنا نعود الى التأكيد النتيجة تتكرر بتغييب المرأة في اختيار شريك حياتها والاب لابنائها .
ومن زاوية الفلسفة الحقوقية أجد ان الموضوع يخرج عن الدائرة الاخلاقية الادبية ويدخل في فلسفة الحق والحرية حيث ان هنالك بإقرار القانون ( عدم الرضا ) اي بمعنى استلاب الحرية وفرض ارادة من خارج شخصية الفتاة فليس لها حق اتخاذ القرار وبهذا المعني الحقوقي تتأطر الجريمة وهنا يكمن اس وجوهر الجريمة وبالتالي لا بد من ان يأخذ القانون فلسفته من مفهوم حقوق الانسان في ان عقاب مغتصب الفتاة بسبب فرض ارادته ضد ارادة المجني عليها .
لم تغب عن الحركة النسائية العراقية والمدافعون عن حقوق الانسان والمرأة الدعوة لإلغاء وتغيير المادة 398 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 بحيث ان لا يفلت من العقاب مقترفوا جريمة الاغتصاب ولا يكون الزواج حتى برضى فعلي من الطرفين مانعا من العقاب عن جريمة استلاب وانتهاك حرية وارادة المرأة المغتصبة . لكن المطلوب ونحن في رحاب عيد المرأة العالمي هذه الايام التشديد على المطالبة بالغاء هذه المادة الجائرة بحق المرأة وانه يشكل صورة للعنف البشع وسلب للأرادة .
سكرتير الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان في العراق