للتدريب أم لمساندة “البرهان” .. ماذا تفعل القوات المصرية في السودان ؟

للتدريب أم لمساندة “البرهان” .. ماذا تفعل القوات المصرية في السودان ؟

وكالات – كتابات :

بعد اندلاع الاشتباكات بين الجيش و”قوات الدعم السريع”؛ في “السودان”، نشرت الأخيرة مقطع فيديو قالت إنه لقوات مصرية في قاعدة (مروي) السودانية: “تُسّلم نفسها” لقوات الدعم؛ بقيادة “محمد حمدان دقلو”؛ (حميدتي).. فماذا تفعل تلك القوات في “السودان” ؟

كان السودانيون والعالم قد استيقظوا؛ السبت 15 نيسان/إبريل 2023، على أنباء اندلاع الاشتباكات المسّلحة في شوارع العاصمة؛ “الخرطوم”، ومدن سودانية أخرى بين “قوات الدعم السريع” من جهة وقوات الجيش السوداني من جهة أخرى، ليتحول الصراع على السلطة بين قادة الطرفين إلى حرب شوارع في أنحاء البلاد.

قائد الجيش السوداني؛ هو الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان”، الذي يتولى رئاسة “مجلس السّيادة” ويُعتبر الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب تشرين أول/أكتوبر 2021، الذي أطاح فيه بالحكومة المدنية؛ برئاسة “عبدالله حمدوك”. أما “حميدتي”؛ فهو نائب رئيس “مجلس السّيادة” وزعيم ميليشيات “الدعم السريع”، وهي قوات شّبه عسكرية أصبحت مسألة دمجها رسميًا في الجيش السوداني أبرز نقاط الخلاف في المرحلة الانتقالية.

أين توجد القوات المصرية في “السودان” وما عددها ؟

على أية حال؛ انفجر الموقف واندلعت الاشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع”، وفجأة انتشر مقطع فيديو يُظهر قوات مصرية كأنها: “وقعت في الأسّر”، وصوت التعليق على الفيديو يؤكد ذلك. إذ نشرت قوات “الدعم السريع” مقطع الفيديو على حسابها في (تويتر)، وجاء التعليق على الفيديو يقول: “كتيبة من الجيش والقوات المصرية تُسّلم نفسها لقوات الدعم السريع بمروي”.

وتوجد مدينة “مروي”؛ بشمال “السودان” وتقع في منتصف الطريق تقريبًا بين العاصمة؛ “الخرطوم”، وحدود المدينة مع “مصر”.

وبحسّب مقطع الفيديو المنتشر للقوات المصرية؛ التي يقال إنها: “سّلمت نفسها” لـ”قوات الدعم السريع”، لا يبدو أن هناك أعدادًا كبيرة من القوات المصرية في “السودان”، وربما لا تتعدى العشرات، وإن كانت لم تُصّدر تصريحات رسمية من “مصر” أو “السودان” بعدد تلك القوات.

ماذا تفعل القوات المصرية في “السودان” ؟

بحسّب البيان الصادر عن القوات المسّلحة المصرية، في أعقاب نشر مقطع الفيديو الخاص بتسّليم القوات المصرية نفسها لـ”الدعم السريع”، فإن القوات المصرية المشتركة موجودة في “السودان” لإجراء تدريبات عسكرية.

كان المتحدث العسكري باسم الجيش المصري قد صرح بأن القوات المسّلحة المصرية تتابع من كثب، الأحداث الجارية في “السودان”، ويجري التنسّيق مع الجهات المعنية في “السودان” لضمان تأمين القوات المصرية.

وأضاف المتحدث: “تهيب القوات المسّلحة المصرية بالحفاظ على أمن وسلامة القوات المصرية المشتركة الموجودة لإجراء تدريبات مع نظرائهم في السودان”.

لكن الروايات غير الرسمية؛ المتداولة في “مصر” و”السودان”، تتراوح بين من يقول إن وجود القوات المصرية في “السودان”؛ مرتبط بمراقبة “سّد النهضة” الإثيوبي، من كثب وربما التجهيز لأي تحرك بشأنه في أي وقت.

فالحديث عن وجود قوات مصرية في “السودان”؛ يرجع إلى آيار/مايو 2022، عندما نشر المتحدث باسم الجيش المصري صورًا تُوثق وصول قوات مصرية إلى “السودان”، ربما تكون المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا النشر، ووقتها قال المتحدث العسكري، في بيان على (فيس بوك): “وصلت عناصر من القوات المسّلحة المصرية إلى دولة السودان؛ للمشاركة في التدريب المشترك (حماة النيل)؛ الذي تُشارك فيه عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية لكلا الجانبين”.

وقبلها بأيام كان الجيش السوداني قد أعلن وصول مجموعة من الجنود المصريين إلى أراضيه، ضمن الاستعداد لانطلاق مناورات “حماة النيل”، في الأسبوع الأخير من آيار/مايو 2021. وكان لافتًا وقتها أن الجيش السوداني أعلن في بيانه، وصول أرتال من القوات البرية والمركبات المصرية بحرًا، وعادةً يكون النقل البحري للأفراد والمعدات العسكرية مؤشرًا على ضخامة عدد القوات.

كانت تلك المناورات العسكرية مرتبطة، كما فُهم وقتها دون تصريحات رسمية بطبيعة الحال، بأزمة “سّد النهضة”؛ مع “إثيوبيا”، التي كانت تسّتعد للملء الثاني للسّد المثير للجدل، لكن الملء الثاني تم وتلاه الملء الثالث في العام الماضي والملء الرابع في الطريق دون أن تتطور الأزمة إلى مواجهة عسكرية، أم هل وجود القوات المصرية في “السودان” حتى اليوم مؤشر على أن الحل العسكري لأزمة السّد لا يزال قائمًا ؟.. هكذا يردد البعض.

لكن السيناريو الأكثر انتشارًا في “السودان” هو أن القوات المصرية في قاعدة (مروي) العسكرية؛ كانت تتجهز للمشاركة في القتال إلى جانب قوات الجيش السوداني؛ بقيادة “البرهان”، ولهذا السبب هاجمتها “قوات الدعم السريع”.

هل القوات المصرية تدعم “البرهان” فعلاً ؟

وعلى الرغم من أن “حميدتي” وكبار مساعديه لم يوجهوا مثل هذا الاتهام إلى “مصر”، أي اتهام “القاهرة” بالوقوف مع “البرهان” ووجود القوات المصرية في “السودان”؛ لقتال “قوات الدعم السريع”، فإن التصريحات تحمل لهجة غير مريحة بالتأكيد، بالنسبة للقوات المسّلحة المصرية.

كان قائد “قوات الدعم السريع”؛ “حميدتي”، قد قال السبت، إن قواته مستعدة للتعاون مع “مصر” لتسّهيل عودة الجنود المصريين الذين سلموا أنفسهم لقواته في مدينة “مروي”؛ بشمال “السودان”، بحسّب (رويترز)، بينما ذكر مصدران أمنيان مصريان أن مسؤولين مصريين تمكنوا من إجراء اتصال مع قائد الوحدة المصرية؛ للتأكد من سلامتهم.

وظهر في المقطع المصور عدد من الرجال يرتدون ملابس عسكرية ويجلسون على الأرض ويتحدثون مع أفراد من “قوات الدعم السريع” باللهجة المصرية. وقال الفريق أول “محمد حمدان دقلو”؛ المعروف باسم: “حميدتي”، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام العربية والعالمية، إن الجنود المصريين في أمان، وإن “قوات الدعم السريع” زوَّدتهم بالغذاء والماء، وإنها على استعداد لتسّهيل عودتهم.

هل تدعم “مصر” الجيش السوداني ؟

تتعامل “مصر”؛ منذ فترة طويلة، بحذر تجاه التغيرات السياسية في “السودان”، وتدعم الجيش السوداني بقوة، كما شجعت في الآونة الأخيرة المفاوضات مع الأطراف السياسية الموالية للجيش، وذلك بالتوازي مع خطة لفترة انتقالية استعدادًا لانتخابات يُطالب بها “حميدتي”.

وذكرت الرئاسة المصرية في بيان، أن الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، تلقى اتصالاً من الأمين العام للأمم المتحدة؛ “أنطونيو غوتيريش”، عبَّر خلاله “السيسي” عن قلقه من الأحداث في “السودان” ودعا إلى الحوار.

وقالت “وزارة الخارجية” المصرية إن الوزير؛ “سامح شكري”، تلقى اتصالاً من منسّق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي؛ “جوزيب بوريل”؛ للتنسّيق بشأن الأحداث في “السودان”. وأضافت في بيان، أن “شكري” ناقش مع “بوريل” الجهود التي تبذلها “مصر” لوقف العنف، وقال “بوريل” إن “الاتحاد الأوروبي” يدعم تلك الجهود.

لكن تقديم الدعم للجيش السوداني لا يعني بالضرورة إرسال قوات إلى “السودان” للمشاركة في اقتتال داخلي، خصوصًا أن أعداد القوات الظاهرة في مقطع الفيديو صغيرة جدًا ولا تتخطى العشرات، فأي تأثير قد يكون لقوة صغيرة الحجم بهذا الشكل في قتال بين جيش بكامل عدده وعتاده من جهة وميليشيات مكونة من عشرات الآلاف من القوات ومسّلحة على أعلى مستوى من جهة أخرى ؟

ما مصير القوات المصرية في “السودان” ؟

أعلن “حميدتي”؛ أنه مسّتعد لإعادة القوات المصرية المحتجزة لدى قواته في “مروي” إلى الأراضي المصرية في أي وقت، وأنه جارٍ التنسّيق بشأن هذه المسّألة، كما أكد أن التحفظ على القوات المصرية جاء بهدف الحفاظ على سلامة الأفراد، في ظل ما وصفه بهجوم من جانب قوات الجيش السوداني على القاعدة في “مروي”.

لكن بعيدًا عن التصريحات الرسمية والعلنية، تُثار الآن تساؤلات بشأن ما يتعرض له هؤلاء الجنود المصريون بالفعل، في ظل المتداول بشأن نظرية وجود تلك القوات المصرية لمسّاعدة الجيش بقيادة “البرهان”، وعندما تم توجيه أسئلة بهذا المعنى إلى محسّوبين على “الدعم السريع”، نفوا احتمال تعرُّض القوات المصرية لأي أذى، وبرروا ما جاء في مقطع الفيديو بأنه: “تصرفات صغيرة من صغار” لا تعكس تقدير قيادات “الدعم السريع” لمصر قيادة وقوات مسّلحة وشعبًا.

وربما لا يكون هناك خطر يتهدد سلامة الجنود المصريين المحتجزين في “السودان”، لكن الموقف نفسه سيء للغاية في ظل استمرار حرب الشوارع لليوم الثاني على التوالي، ولا أحد يعرف إلى أين تتجه الأمور في “السودان” بشكلٍ عام.

فالاشتباكات كانت متوقعة منذ أيام، إذ إنه منذ انقلاب تشرين أول/أكتوبر عام 2021، الذي أطاح باتفاق المرحلة الانتقالية، يعيش “السودان” حالةً من عدم الاستقرار والاضطرابات والاحتجاجات. لكن القوى المختلفة نجحت مؤخرًا في التوصل إلى اتفاق إطاري جديد يحكم المرحلة الانتقالية، ويحظى بدعم المجتمع الدولي ومبعوث “الأمم المتحدة”.

إلا أن الأمور في “السودان” ظلت عالقة بعد تأجيل التوقيع على الاتفاق السياسي الجديد، وأدت نقاط الخلاف الرئيسة بين الجيش بقيادة “البرهان”، و”قوات الدعم السريع”؛ بزعامة “حميدتي”، إلى وقوع المحظور واندلاع القتال في شوارع “الخرطوم” الآمنة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة