22 سبتمبر، 2024 12:26 ص
Search
Close this search box.

 “غونتر غراس”.. الكتابة بدأت بأكاذيب طفولية وانعجنت برؤيته للعالم

 “غونتر غراس”.. الكتابة بدأت بأكاذيب طفولية وانعجنت برؤيته للعالم

خاص: إعداد- سماح عادل

“غونتر غراس” أديب ألماني شهير..

حياته..

ولد في 16 أكتوبر 1927 في مدينة دانتسيغ، ضمت إلى بولندا بعد الحرب العالمية الثانية. شارك في 1944 في الحرب العالمية الثانية كمساعد في سلاح الطيران الألماني. وبعد انتهاء الحرب وقع في 1946 في أسر القوات الأمريكية إلى أن أطلق سراحه في نفس السنة.

درس فن النحت في مدينة دوسلدورف الألمانية لمدة سنتين (1947ـ 1948) ثم أتم دراسته الجامعية في مجمع الفنون في دوسلدورف وجامعة برلين (1946ـ 1956) حيث أكمل دراسته العليا في جامعة برلين للفنون لغاية سنة 1956.

الكتابة..

اشتهرت روايته “طبل الصفيح” شهرة عالمية وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة من بينها العربية. وهذه الرواية هي جزء من ثلاثيته المعروفة بـ “ثلاثية داينتسيغ” وتضم أيضا الروايتين “القط والفأر” و”سنوات الكلاب ، 1963 ومن رواياته الشهيرة هناك أيضا «مئويتي» 1999 و«مشية السرطان» 2002.

جوائز..

حصل في 1999 على جائزة نوبل للآداب عن دوره في إثراء الأدب العالمي وخصوصا في ثلاثيته الشهيرة «ثلاثية داينتسيغ» وكذلك جوائز محلية كثيرة منها جائزة “كارل فون اوسيتسكي” 1967 وجائزة الأدب من قبل مجمع بافاريا للعلوم والفنون سنة 1994. وفي سنة 2005 حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة برلين.

من أبرز أعماله..

روايات:

  • ثلاثية داينتسيغ Danziger Trilogie
  • طبل الصفيح – Die Blechtrommel) 1959)
  • القط والفأر (رواية) Katz und Maus (1961
  • سنوات الكلاب (رواية) Hundejahre (1963
  • تخدير جزئي (رواية) Örtlich betäubt (1969
  • اللقاء في تيلكتي (رواية) Das Treffen in Telgte 1979
  • الفأرة (رواية) Die Rättin (1986)
  • مئويتي (رواية) Mein Jahrhundert 1999
  • مشية السرطان (رواية) Im Krebsgang 2002
  • الرقصات الأخيرة (رواية) Letzte Tänze 2003

مسرحيات:

  • الطباخون الأشرار Die bösen Köche 1956
  • الفيضان Hochwasser 1957

اكتشاف الذات..

في آخر حوار معه أجرته صحيفة الباييس الإسبانية في منزله في مدينة لوبيك شمال ألمانيا ترجمه للعربية “أحمد الزبيدي” ونشر في جريدة المدى، يقول “غونتر غراس” عن كتابة الشعر: “صدر أول كتاب لي في الخمسينيات وكان عبارة عن ديوان شعر مع بعض الرسوم، وبعد فترة كتبت روايتي (طبل الصفيح)، كنت حينها في برلين أدرس النحت، كتبت الرواية فقط لتغيير وسيلة الاتصال، وقد وجدت نفسي في الشعر، لأني أدركت أن تماثل عدة عناصر في الرواية يبعدني كثيرا عما أريد قوله، وكنت أريد اكتشاف ذاتي وأقارن نفسي بنفسي”.

ويواصل عن فكرة اكتشاف الذات: “بالنسبة لي فإن الأمر كان واضحا منذ فترة مبكرة، لأنني لم أكن متأثرا فلسفيا بهايدجر بل تأثرت بفلسفة ألبير كامو، وهكذا فنحن نعيش الآن ولدينا القدرة على فعل شيء ما في حياتنا، أنها أسطورة سيزيف، التي تعرفنا عليها بعد الحرب، بمرور السنين أدركت أننا نملك الامكانية لتدمير الذات، وهذا شيء لم يكن موجودا، كان يقال أن الطبيعة هي المسؤول الوحيد عن حدوث المجاعات والجفاف، ولكن اتضح أن هناك شيئا ما في مكان آخر مسؤول عن ذلك أيضا، فللمرة الأولى نكون نحن المسؤولين، نمتلك الفرصة والقدرة على تدمير أنفسنا ولم يحدث شيء لتخليص العالم من هذا الخطر، وبالإضافة إلى البؤس الاجتماعي الذي يعم العالم، لدينا الآن مشكلة التغيرات المناخية، التي لا يمكن لأي عقل أن يتخيل عواقبها، تعقد المؤتمرات الواحد بعد الآخر ولكن لا شيء يتغير. في السبعينيات والثمانينيات كتبت روايتين ملحميتين هما (سمكة موسى) و(الفأرة) وفيهما يتبين تماما كلامي عن قدرة الإنسان على التدمير الذاتي”.

الحياة الشخصية..

– عن التركيز في أعماله على الحياة الشخصية من (طبل الصفيح) و(تقشير البصل) حتى (مشية السرطان) يقول: “نعم، وقد قصدت ذلك في كتابي الجديد الذي صدر في الخريف وكان عبارة عن نصوص قصيرة أردت أن أبين من خلالها العلاقة الوثيقة بين الشعر والنثر، ففي الألمانية يتم الفصل بين هذين الجنسين الأدبيين، ولكني أردت أن أراهما معا، لأني أعتقد أنهما مترابطان، فالحدود بين الشعر والنثر غير معروفة بالنسبة لي فهما ممتزجان”.

وعن ما يعنيه العمل له كإنسان يقول: “حين تقرأ كتبي ستعرف كما في قصة تقشير البصلة أنني في سن السادسة عشرة استطعت أن أبقى على قيد الحياة بمحض الصدفة، حيث عشت ثلاثة أو أربعة أسابيع في أيام الحرب، وكان عندي خمسة أو ستة احتمالات للموت كما هو حال الكثيرين ممن كانوا في عمري، وأنا ما زلت إلى يومنا هذا أدرك ذلك، الحقيقة أن العمل يساعدني كلما كان ذلك ممكنا لكي أبرهن لنفسي بأنني مازلت حيا، أنا موجود وما زلت أعيش، أنني ما زلت على قيد الحياة”.

تاريخ الألم..

وعن فكرة تاريخ من الألم يقول: “طوال حياتي وإلى اليوم، بقي الشيء نفسه، وما هو مدهش أن ألمانيا هي قصة لا تنتهي، لأن الجرائم المروعة مثل الهولوكوست والإبادة الجماعية ما تزال تؤلف قصة لا تنتهي، نحن نرى الآن ما يجري في اليونان، نحن نواجه مرة أخرى مشاكل الرعب الذي سببه الجنود الألمان أثناء الاحتلال، القصة ما زالت تلاحقنا، لذلك تراني أعود مرة أخرى إلى موضوع الألم.. الألم هو الشيء الرئيسي الذي يجعلني أعمل وأبدع”.

الصلة بالأم..

وعن طفولته يقول: “في رواية تقشير البصلة هناك رثاء لأمي، فقد ماتت في عمر السابعة والخمسين جراء مرض السرطان، رأيت والدي وشقيقتي بعد سنتين من انتهاء الحرب، أمي أبعدت من مدينة دانزنغ، ما رأيته هو امرأة مكسورة قد كبرت كثيرا، عندما كنت طفلا كنت احكي لها حكايا من بنات خيالي، ومخيلة الطفولة تكون خصبة جدا، كانت تقول أكاذيب الطفولة، ولكنها في أعماقها كانت تحب تلك الأكاذيب، كنت أقول لها دائما حينما أكبر وتصبح عندي نقود سأسافر بها إلى بلدان رائعة ونفعل الكثير من الأشياء، ولكنها سرعان ما ماتت ، لم أرها حقيقة، ولم أفعل لها شيئا، لقد تألمت عندما قلت إني أريد أن أصبح فنانا، وكان أبي معارضا بشكل كامل لذلك الأمر، وكانت تقف بجانبي ولكنها كانت تتألم، وما زلت متألما ، لأنني لم أستطع أن أفي بأيّ من وعودي لها، وأعتقد أن عندي عقدة نفسية من هذا الموضوع ، ولم أرغب أن أراجع طبيبا نفسيا كانت والدتي مصدر كل ما عندي من إبداع”.

ويضيف عن آلام الحرب: ” لقد شكلت الحرب العالمية الثانية علامة مميزة، والشيء الأكثر رعبا ومأساوية هو الفترة الطويلة التي استمرت فيها الحرب، لذلك فإن جيلي أكثر تنبها ويقظة للمشاكل التي من حولنا والتي توحي بأننا نمر في حرب عالمية ثالثة، ولكننا لا نستطيع أن نقول متى ستبدأ، الحرب العالمية الثانية بدأت حين دخلت ألمانيا بولندا، ولكن في النهاية فإنها سبق وإن بدأت قبل نهاية الحرب الأهلية الإسبانية، بالنسبة لألمانيا وايطاليا والاتحاد السوفيتي والآخرين فإن الحرب الأهلية الإسبانية كانت فرصة لاختبار أسلحتهم.

وعندما انتهت عام ٣٩ بدأت الحرب العالمية الثانية في عام ٣٦، بدأت اليابان بالتدخل في منشوريا، ومن هناك نحو الصين، بتلك المذبحة المروعة، أم أن هناك اندلاعا آخر للحرب في آسيا، نحن نتدخل في أوكرانيا حيث لم يتحسن أي شيء في وضعها، العلاقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين تزداد سوء، وهناك الكارثة التي خلفتها لنا أمريكا في العراق، وحشية أعمال ما يسمى بالدولة الإسلامية، ومشاكل سوريا، حيث ما زال الناس يقتلون والأخبار عنها بدأت تختفي حيث لم يعد أحد يكترث بها، هناك حرب في كل مكان، وهناك خطر تكرار نفس الأخطاء من قبل، وما لم نتدارك الأمر، فإننا سنواجه خطر حرب عالمية جديدة”.

الكتابة أكاذيب طفولية..

في حوار ثان أجرته معه المجلة الإلكترونية النصف الشهرية «أوكسجين» يقول “غونتر غراس” عن كيف أصبح كاتبا: “أعتقد أن لهذا الأمر علاقة بالوضع الاجتماعي الذي نشأت في ظله. كانت عائلتي من العائلات التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة الدنيا، وكنا نمتلك شقة صغيرة مكونة من غرفتين. لم يكن لدي أنا وشقيقتي غرفا خاصة بنا، أو حتى مكانا لنا وحدنا. في غرفة المعيشة، على مسافة من النافذتين، يوجد ركن صغير اعتدت أن احتفظ فيه بكتبي مع غيرها من الأشياء، كألواني المائية وغيرها من مفردات طفولتي. كان علي في كثير من الأحيان أن أتخيل الأشياء التي أحتاجها ولا أستطيع الحصول عليها.

تعلمت في وقت مبكر جدا أن أقرأ في قلب الضجة، وفي قلب الضجة أيضا بدأت أكتب وأرسم. من النتائج الأخرى لهذه البداية هوسي الدائم بامتلاك المزيد من الغرف. لدي مكاتب في أربعة أماكن مختلفة. يسكنني خوف من العودة من جديد إلى الوضع الذي كنت عليه في شبابي، حيث لم يكن لي من مكان في هذا العالم سوى ركن وجيز من غرفة صغيرة!.

كنت في طفولتي كذابا كبيرا، ولحسن الحظ أحبت أمي أكاذيبي. كنت أقدم لها الوعد تلو الآخر، وكلها وعود بأفعال عجيبة غريبة. عندما كنت في العاشرة من عمري اعتادت أن تناديني “بير جيينت، بير جيينت”! وكانت تقول لي: ها أنت تقص على هذه الحكايا الرائعة عن الرحلات التي سنقوم بها إلى نابولي وغيرها. وهكذا بدأت بكتابة هذه الأكاذيب وتحويلها إلى قصص منذ نعومة أظفاري. وما زلت إلى الآن أقوم بذلك، أكذب وأكتب ما أكذبه!

بدأت بكتابة روايتي الأولى عندما كنت في الثانية عشرة من العمر، وكانت عن الكاشوبيانيين. وهي ما أصبح بعد عدة سنوات “الطبل الصفيح”، حيث كانت آنا، جدة أوسكار، كاشوبيانية مثل جدتي. ولكني ارتكبت خطأً أثناء كتابة روايتي الأولى، إذ كانت كل الشخصيات التي قدمتها في الرواية ميتة في نهاية الفصل الأول منها، ولم أتمكن من متابعة العمل بعد ذلك! كان هذا أول درس تعلمته في الكتابة: أن أكون حذرا في خلق الشخصيات ورسم مسارها”.

طقوس..

وعن برنامجه اليومي عندما يعمل يقول: “أثناء العمل على النسخة الأولى، أكتب ما يتراوح بين خمس وسبع صفحات يوميا. ويتضاءل هذا العدد ليصل إلى ثلاث صفحات عندما أعمل على النسخة الثالثة، إذ تصبح وتيرة العمل بطيئة جدا في هذه المرحلة.

لا أعمل في الليل بتاتا. لا أؤمن بالكتابة في الليل لأن الأمر يتم بسهولة بالغة، وغالبا ما تبدو الأشياء في الليل أجمل مما هي في الواقع. وعندما أعود في النهار لقراءة ما كتبته، لا يكون بالمستوى المطلوب. أحتاج إلى ضوء النهار لأنطلق. أتناول إفطارا مطولا بين التاسعة والعاشرة، أقرأ خلاله وأستمع إلى الموسيقى. بعد الإفطار أبدأ بالعمل، وبعد الظهر آخذ استراحة القهوة. ومن ثم أبدأ مجددا، وأستمر في العمل حتى السابعة مساءً.

عندما أكون في خضم كتابة عمل من قياس ملحمي، تأخذ عملية الكتابة وقتا طويلا نسبيا. قد يستغرق الأمر ما يتراوح بين خمس وأربع سنوات للانتهاء من كل مسودات العمل. يُنجز الكتاب عندما يستنزف كل طاقتي. كان بريخت مدفوعاً لإعادة كتابة أعماله مرة بعد أخرى. حتى بعد نشرها، لم يكن ينظر إليها أبداً على أنها مكتملة.

لا أعتقد أنني قادر على القيام بذلك. بإمكاني فقط أن أكتب أعمالاً مثل “الطبل الصفيح” أو “من يوميات حلزون” في فترة معينة من حياتي. تولد الكتب نتيجة لما أشعر به وأفكر فيه في وقت معين. أنا على ثقة من أنه لو فُرض على إعادة كتابة “الطبل الصفيح” أو “سنوات الكلاب” أو “من يوميات حلزون”، لكنت أسأت لهذه الأعمال بالتأكيد”.

النشاط السياسي..

وعن التوفيق بين نشاطه السياسي وعمله الفني والأدبي يقول: “لا يُعنى الكتاب بعالمهم الداخلي والفكري وحسب، بل هم جزء أيضا من الحياة اليومية بكل تفاصيلها. بالنسبة إلي، الكتابة والرسم والنشاط السياسي هي عبارة عن ممارسات منفصلة عن بعضها البعض، فلكل منها كثافة خاصة به. لكن شاءت الظروف أن أكون متناغما مع المجتمع الذي أعيش فيه ومرتبطا به بشكل وثيق. الثابت في كتاباتي ولوحاتي هو أنها معجونة بالسياسة، سواء كان ذلك بإرادتي أم رغماً عني.

لا تطفو السياسة على سطح ما أكتبه عن سابق إصرار أو تصميم. جل ما يحدث هو أنني عندما أغوص في موضوع ما للمرة الثالثة أو الرابعة، أكتشف جوانب أهملها التاريخ ولم يأتِ على ذكرها. صحيح أنني ما كنت لأكتب قصة تدور أحداثها فقط حول واقع سياسي ما، إلا أنني لا أرى سببا لإلغاء الجانب السياسي من أي عمل أدبي، وذلك بحكم ما للسياسة من تأثير صميمي على المجتمعات. فهي في النهاية مبثوثة في كل جانب من جوانب حياتنا بطريقة أو بأخرى”.

وفاته..

توفي “غونتر غراس” في 13 ابريل 2015 في ألمانيا  في إحدى العيادات في مدينة لويبيك الألمانية عن عمر يناهز 88 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة