الصعود غير المتسلسل لحميدتي والذي أسمه الحقيقي ” محمد حمدان دقلو ” , وتسلّقه الى السلطة , وهو لم ينتمِ الى المؤسسة العسكرية من قبل , حيث سبق وقام بتشكيل ميليشيات من القبائل حتى منحه الرئيس السابق عمر البشير رتبة فريق اوّل وعيّنه قائدا لقوات الدعم السريع . من المفارقات أنّ حميدتي تحالف مع فريق اول ركن عبد الفتاح البرهان للإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير , وتوطّدت العلاقة بينه وبين البرهان , حتى جعله نائباً لرئيس مجلس السيادة الذي يترأسه الفريق عبد الفتاح البرهان .
اذ تلعب العوامل السيكولوجية والغريزية لإنتزاع السلطة بأدوات العنف , فهو احدى اسباب الإقتتال الداخلي بين الجيش السوداني وبين قوات الدعم السريع للإنقضاض على السلطة , وهذا ما يعيد التذكير بالمحاولات الإنقلابية في العراق في حقبة ستينيات القرن الماضي في فترة او عهد الرئيسين الشقيقين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف , حيث قام العميد الطيار عارف عبد الرزاق بثلاث محاولاتٍ انقلابيةٍ ضد كلا الرئيسين المذكورين , بينما كان يشغل منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقائد القوة الجوية . قام الرئيس عبد السلام عارف بتعيينه في هذه المناصب الثلاث تجنّباً لمحاولته الإنقلاب عليه .! فأثناء مغادرة الرئيس عارف الى المغرب لحضور مؤتمر القمة العربي , قام هذا العميد الطيار بمحاولة الأنقلاب الأولى , لكنّ قائد موقع بغداد آنذاك العميد سعيد صليبي افشل الإنقلاب بالكامل ممّا اضطرّه للهرب الى القاهرة , وبوساطةٍ من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تمّ العفو عنه في بغداد , ثمّ إثر اندلاع حرب حزيران عام 1967جرى اعادة تعيينه قائدا للقوة الجوية العراقية , وتكرّرت محاولاته الأنقلابية الثالثة وباءت بالفشل ايضاً . اعتقلته السلطة بعد 17 تموز لعام 1968واودعته السجن لثلاثة شهور ثمّ افرجت عنه بشرط مغادرته العراق , ولجأ الى القاهرة وتنقّل بينها ولندن حتى وفاته في عام 2007 , علماً انّه رفض الحصول على الجنسية البريطانية اثناء مكوثه في لندن , على أمل عودته الى العراق ثانيةً وفق رؤاه وطموحاته السياسية – السلطوية .!
الآنف الذكر عارف عبد الرزّاق كان طيّاراً ماهراً ومشهوداً له بالكفاءة , وسبق له أن كان طيار الملك فيصل الثاني , كما انه شارك في حرب سنة 1948 , وشارك ايضاً في ثورة تموز لعام 1958 للإطاحة بالنظام الملكي .!
الربط غير الجدلي وبعيداً عن حيثيات ” المادية الدياليكتيكية ” هو بين ان يغدو الفريق اول حميدتي نائباً لرئيس مجلس السيادة السوداني , ولا تتحمّل غريزته السياسية ” من احدى الزوايا غير المتعلقة بأهدافٍ سياسيةٍ اخرى مفترضة ” , إلاّ أن يكون الرأس الأوحد للسلطة ودونما منازع .! , وبين المحاولات الإنقلابية الثلاث للعميد الطيار الركن عارف عبد الرزاق الذي كان الرجل الثاني في الدولة في كلا عهدي الرئيسين الراحلين عبد السلام وعبد الرحمن .!
الشعور بالعظمة وما يترتّب عنه لدى بعض الساسة والقادة للإستيلاء على السلطة بأيّ ثمنٍ مهما كانت اثمان الضحايا والخسائر المادية للدولة , فهو ما لم يجرِ تعريفه سيكولوجياً بشكلٍ دقيقٍ للغاية في علم النفس ولا في علم الإجتماع .!
يصعب للغاية ومبكّراً التصوّر المسبق لما قد يؤول اليه مصير فريق اول حميدتي بعد احتمالاتٍ مفترضةٍ اخرى للقضاء على حركته المتمردة , وخصوصا وبصعوبة التنبّؤ لقبول لجوئه الى دولةٍ اخرى .!, ولم تصل الأمور بعد الى هذا الحدّ .!