29 ديسمبر، 2024 8:45 م

“يوسف القويري”.. عد رائدا في مجال الخيال العلمي في الأدب الليبي

“يوسف القويري”.. عد رائدا في مجال الخيال العلمي في الأدب الليبي

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“يوسف القويري” كاتب ليبي اشتهر في الصحافة وفي مجالي القصة والرواية.

حياته..

ولد في الإسكندرية بمصر في 1938 ثم انتقلت عائلته إلى بلدة سمالوط في صعيد مصر، اُعتقل في مطلع شبابه وسجن سنة 1953 لمدة عام، ثم انضم لعامين 1954 و1955، مع مجموعة التقدميين اليساريين، وتلك التجربة أثرت عليه كثيرا.

وفي 1957 عاد إلى ليبيا مع قريبه الكاتب الكبير “عبد الله القويري”، وأصبح يكتب في عدة صحف منها «الميدان» و«الحقيقة» و«طرابلس الغرب»، واشتهر بأسلوبه في الكتابة، وكتب أيضا برنامجا للإذاعة عنوانه “العالم في قصص قصيرة”.

وكتب، زاوية اشتهرت كان عنوانها: “من مفكرة رجل لم يولد”، تضمنت أوائل أعمال الخيال العلمي في الأدب الليبي، حيث تخيل فيها الحياة بعد ألف عام، وجمعها كتاب تناولته العديد من وسائل الإعلام العالمية منها موقع الـ«بي بي سي» العربية. وهذ الكتاب أثر بشكل كبير في الجيل المعاصر له، وكتب عنه الروائي المصري “عبد الله الطوخي” في 1972، مقالة نشرت في مجلة «صباح الخير» قال فيها: “إن هذا العمل الإبداعي يعد رحلة إنسانية عظيمة نحو المستقبل”.

لقد تعرض “القويري” في اعتقاله في 1973، إلى التعذيب، فابتعد عن الكتابة لبعض الوقت، ثم عاد في تسعينات القرن الفائت، ليكون له دورا هاما في الصحافة والكتابة الأدبية، وصدرت له كتب: «الكلمات التي تقاتل»، «في الأدب والحياة»، «تثاؤب الشرق»، «القادمون»، «مدخل إلى قضية المرأة»، و«عصر النهضة» و«القادمون». واستمرت كتاباته حتى وفاته، فكان مقال «بيت النمل» الذي نشرته بوابة الوسط يوم 28 مارس 2018 آخر ما كتب الأستاذ يوسف القويري، الذي يعد من أبرز كتابها.

قال عنه الأديب إبراهيم الكوني: «.. لم أعرف ولم أقرأ عن أديب يعيش الأدب والفن مثله حتى في الحديث مع الأصدقاء! لقد علمني الأخلاق؛ أخلاق الأدب!». وقال عنه الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه: «.. إنه قلم ينتمي إلى فئة العظماء»، وقال عنه الكاتب أحمد الفيتوري: «هو توحيدي زمانه، وفيه أيضا صاغ بيانه، كما بورخيس ليس من زمرة أحد ولا همه النوع الأدبي فهو غفل عن التصنيف…».

البدايات في مصر..

في آخر حوار صحفي له اجراه “محمد الجنافي” مع “الأيام” 2016 يقول “يوسف القويري”

عن البدايات: “البدايات في واقع الأمر كانت في مصر، فأنا مولود في المهجر المصري سنة 1938م، وتلقيت تعليمي هناك، وعدت إلى الوطن في 1957م، وهي بدايات في الصحف المطبوعة وفي صحف الحائط والصحف اليدوية التي كانت تكتب باليد، وقد كانت هناك جرائد إقليمية مطبوعة تصدر في الأقاليم، ومنها جريدة اسمها “كوكب الوادي” كانت تصدر في المنيا، وكان صاحبها شبه أعشى، وهو الأستاذ زكي التهامي رحمه الله، وكان في حينها عضواً في نقابة الصحفيين، والعضوية في نقابة الصحفيين تعني الكثير في واقع الأمر في تلك الآونة بالنسبة لمصر بالذات، فهي ليست مثل الآن، وكانت الجريدة مكونة من ستة أو سبع صفحات، ونشر في صحيفته أنه في العدد القادم هناك صفحة أدبية سيشرف عليها يوسف القويري، وفعلاً بدأت النشر فيها سنة 1952.

أما من حيث النصوص التي تأثرت بها، والكتّاب الذين قرأت لهم، فقد كانت هناك صحف ومجلات يدوية تتم كتابتها باليد، مثل مجلة “لواء الأحرار”، وهي مجلة تصدرها جمعية الإخوان المسلمين أيام الإمام حسن البنا رحمه الله، وكان الإمام يأتي للمدينة التي كنت أقيم فيها، وهي مدينة بني مزار، وقد كنت أكتب بابا في هذه المجلة متضمنا انتقادات اجتماعية ونصوصا من هذا القبيل.. ثم بدأت التأثر بالأستاذ سلامة موسى، وهو قد كان يكتب في “النداء”، وهي صحيفة كبيرة في القاهرة، نشرت لأغلب الكتّاب المعروفين. لقد كنت أقرأ له والتقيت به فيما بعد، وهو يعتبر موجهاً لي. وهذه الفترة المبكرة التي تسألني عنها أسميتها فترة الاتجاهات المتقاطعة.

القصة..

وعن المقالة والقصة وأين وجد نفسه يقول: “كنت في الواقع أريد أن أجد نفسي في القصة القصيرة، ولكن ساقتني الأحداث والضرورات إلى المقالة ومن ثم البحث الذي يكون بصيغة مقالة أدبية، وآمل أن أكتب الرواية ملبياً نصيحة الأستاذ عبد الوهاب البياتي التي قالها مناشداً أصدقاءه في القاهرة الذين نقلوا لي قوله.. “متى تكتب الرواية التي تضع فيها تجاربك”؟”.

وعن غيابه عن الساحة الثقافية يواصل: “في الواقع أنا قليل النزول إلى الشارع، فأنا طريح الفراش بتأثير التهاب المفاصل الذي أعاني منه منذ سنوات، وفي كل الحالات ومهما كانت الظروف ينبغي أن يستمر المرء في القراءة والإنتاج وهذا بديهي تماماً وصحيح.

الإنتاج الأدبي لم يتوقف، ففي الماضي كانت معظم الكتب بعد توقيع العقود لا تصدر، كانت تنتهي المدة دون أن يطبعوا. وأسباب ذلك كثيرة جداً ومتشابكة ومعقدة، وتكون النتيجة ألا تصدر الكتب، وهناك مؤلفات كثيرة وقعت عقودها ثم انتهت فترة سريانها دون إصدار أي كتاب منها، وهم ليس بمستطاعهم قانوناً الطبع من جديد إلا بتجديد العقود أو إبرام عقود جديدة.”.

اليسار..

وعن ذكريات انتمائه لليسار يقول: “أذكرها مقترنة بالألم والدهشة في نفس الوقت، فالاضطهاد والحبس والمضايقة سنة 1953 تركت آثارا سيئة. وعموما فالمعتقل كان مدرسة بالفعل تضم كبار كتاب مصر وتضم الشيوعيين والتقدميين المصريين في معتقل الأوردي، وهو يشبه المعسكر بعنابره وجهامته وبداخله الدكتور يوسف إدريس، والأستاذ عبد الرحمن الخميسي، والشاعر المبدع فؤاد حداد، والرسام المعروف زهدي، ومعلمو البكباشي عبد الناصر، ومعروف أن الاعتقال لا يتم إلا في ظل الأحكام العرفية”.

الحكاية أني وجدت منشورات فقرأتها ثم رميتها في البيت، وعندما فتشوا البيت قاموا باعتقالي علي رغم عدم اقتناع النيابة، لانتفاء توفر الأدلة، وهذا السجن المؤقت على ذمة التحقيق كان في سنة 1953، أما المعتقل سنة 1954 و1955 فكان مخصصاً للتقدميين والكتاب المعارضين والشيوعيين، وعندما كنت هناك كان الرفاق في المعتقل يسألونني عن سبب اعتقالي والتنظيم الذي أنتمي إليه فقلت: منظمة الحزب الشيوعي، وعندما سألوني عن اسمي الحركي قلت لهم بصبيانية اسمي ماكسيم غوركي، فقالوا لي هذا الاسم غير موجود وبإمكانك أن تغادرنا، وقد كان المعتقل في الواقع دليلاً على كوني لم أكن على علاقة بأي تنظيم، وقراءتي للمنشورات التي وجدت عندي ليست دليلاً على أنني أتبناها.

وقد كان المعتقل دليلا قاطعا على أني لم أكن شيوعيا، رغم جاذبية المنهج الماركسي من الناحية العلمية، فبصدد الجدلية المادية والمادية التاريخية نجد أن مورغان مثلا في الولايات المتحدة، وهو عالم اجتماع أمريكي كلاسيكي وليس شيوعيا، قد أثّر في فكر الاثنين الذين صنعا وأسسا الماركسية في التاريخ وهما الدكتور كارل ماركس، وله دكتوراه في الاقتصاد والفلسفة، وفريدريك أنجلز، وهو مليونير إنجليزي، هما لا ينتميان للبروليتاريا، فهما من مثقفي الطبقة العالية، والدليل ما قاله ماركس عندما ناقشه أنجلز في المادية الجدلية، فقال: أنا لست ماركسياً؛ فماركس نفسه ينفي صفة الماركسية حين تناقش مع أنجلز في مكتبة المتحف البريطاني، وهو يقصد بذلك أن الماركسية ليست تعصباً.

ونشوء الاتحاد السوفييتي في الواقع تم على أيدي البلاشفة وهم ليسوا عمالا، وديكتاتورية البروليتارية في حد ذاتها تفتقر إلى السند الجدلي، فالذين قاموا بالثورة هم البلاشفة، وجذورهم غير عمالية، وكذلك هم الذين غيروا الاتحاد السوفييتي إلى دول الرابطة.. وقالوا بعد ما أعطينا “برستيج” تاريخي للطبقة العاملة تأتي وتحاصرنا وتطلب زيادة الرواتب، فلنحل إذا هذه المسألة. وكان لا يمكن لأي قوة في العالم أن تخترق الستار الحديدي وتسقط النظام، فالبلاشفة هم من أسقط النظام”.

الشعر والرواية..

وعن الشعر والرواية يقول: “للشعر أسبقية على النثر دونما خصام جدي. لكن النثر العربي تقدّم وتطوّر بأسرع مما طرأ على الشعر؛ فقد انفتح النثر العربي على آفاق أرحب وجلب للأدب العربي من الفكر العالمي والآداب العالمية أنواعاً نثرية متباينة، ومنها الرواية، منذ القرن التاسع عشر حينما طبع الأديب المصري حبيب حنا بحروف “المونوتيب” رواية “شمس الضحى” والأديب حبيب حنا برغم أنه مؤلف ضئيل الصيت لكنه رائد كبير من رواد التأليف الروائي في الأدب المصري، والأدب العربي عموماً. ودليلنا على غزارة النثر هو مجال الترجمة حيث يتضح أن ما نقله المترجمون من النثر العالمي بكافة أجناسه إلى اللغة العربية هو أكثر بما لا يقاس مما نقلوه من الشعر العالمي وأشعار الأمم الأخرى.

من ناحية أخرى من المتعذر تماماً أن يصير “ديوان العرب نثراً”، فهو منذ بدايته كان شعراً، وبالتالي فالرواية الآن تصوّر للقراء أحوالاً معاصرة وتعبر عنها بالنثر الحديث، وليس بوسعها أن تكون ديواناً للعرب”.

من مفكرة رجل لم يولد..

وعن قول الباحث “عبد المنعم المحجوب”: “أضعنا تلك الفرصة العظيمة التي أتاحها لنا الأستاذ يوسف القويري بكتابه “من مفكرة رجل لم يولد”، فلم نتفاعل سوى بشكل احتفالي عابر مع هذه الرواية التي كان علينا أن نجعلها مدخلا لتأسيس ودراسة علم المستقبليات Futurology في ليبيا، أو ربما أدب المستقبل والرواية العلمية التي لا تحظى بتقدير كبير لدى الأدباء الليبيين “يقول: ” الدكتور عبد المنعم المحجوب صديق وأنا أشكره. وقد اختلفت الآراء حول كتاب “من مفكرة رجل لم يولد” فهناك من صنف رواية رجل لم يولد ضمن الأدب المصري باعتباري من مواليد مصر، وباعتبار إنني تلقيت تعليمي في مصر، وقد خلص إلى أن هذه الأسباب دليل على ولادة هذه الرواية خارج أدب الرواية الليبية بحسب كلامه!.

وقد صدرت من كتاب “من مفكرة رجل لم يولد” ثلاث طبعات. الطبعة الأولى سنة 1971 منشورات “دار مكتبة الفكر” الليبية. والطبعة الثانية في تونس من منشورات “الدار العربية للكتاب” سنة 1982. والطبعة الثالثة أصدرتها “دار الرواد” و”دار الجيل” اللبنانية سنة 1997م، ونوهت في تلك الطبعة بجهود صديقي الأستاذ الفاضل حسام يوسف الفطيمي التي بذلها في المراجعة العامة لمواد الطبعة الثالثة وبالذات تصويب الأخطاء المطبعية. وفي مجلة صباح الخير المصرية مؤسسة روز اليوسف كتب الروائي المصري المعروف الأستاذ عبد الله الطوخي سنة 1972م مقالة في ثلاث صفحات وصف فيها “من مفكرة رجل لم يولد “بأنها رحلة إنسانية عظيمة” نحو المستقبل.

وفي سنة 1973 أذاعت محطة “بي بي سي” باللغة الإنجليزية مختارات من هذا الكتاب. وحذت حذوها الإذاعة الفرنسية في نفس السنة فأذاعت يوميات مستقبلية من هذا الكتاب باللغة الفرنسية.

ومنذ ثلاثين سنة تقريباً قامت المستشرقة البولندية الكبيرة Eva Machut-Mendecka أستاذة كرسي الآداب الشرقية بالجامعة في العاصمة البولندية بمطالعة الطبعة الأولى من كتاب “من مفكرة رجل لم يولد” ثم كتبت حوله دراسة تحليلية نشرتها في ذلك الحين وقد وردت الإشارة إلى تأريخ تدوينها التحليلي في إحدى محاضراتها القيمة. أما في تشيكوسلوفاكيا فقد ترجم المستشرقان التشيكيان الكبيران الدكتور “كارل” ورفيقه مختارات من كتاب “من مفكرة رجل لم يولد” في العاصمة براغ، ونشرا ذلك في كتاب عن الآداب العربية بعدما أضافا إليه دراسة عن المفكرة، وفي أسبانيا أذاع راديو بوبلار تعريفاً بالمنتجات الأدبية للمؤلف”.

وفاته..

توفى “يوسف القويري” في 9/4/2018 بمنزله في مدينة طرابلس عن عمر يناهز 80 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة