17 نوفمبر، 2024 2:01 م
Search
Close this search box.

غزو العراق واكذوبة النظام العالمي الجديد!

غزو العراق واكذوبة النظام العالمي الجديد!

عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وفي نشوة مشاعر انتصار الولايات المتحدة الامريكية ومنظري الحرب الباردة وحلقات المستشارين البارزين للرؤساء وبالأخص زبيغوبريجنسكي الذي يحكى انه كان يفتخر أينما حل بأنه رجل هزيمة السوفيت والمعسكر الشرقي ، بدأ العمل على تنفيذ خطط “مشروع القرن الحادي والعشرين للهيمنة الامريكية” من المحافظين الجدد انصار حزب الليكود الإسرائيلي الذين اعتبروا احتلال العراق ورسم خرائط للشرق الأوسط الجديد لتمكين الكيان الصهيوني في المنطقة اول اهداف المشروع وقول بول وولفيتز المشهور : أتركوا أفغانستان واسرعوا بضرب العراق لا فرق ان ثبت وجود أسلحة ام لم يثبت”  وقوله لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتاياهو : قمنا بغزو العراق من اجلكم”، اما زميله  الكاتب هنتغتون فقد رأى في غزو العراق بأنه نهاية التاريخ!

وقبل أيام غطى اعلام عواصم كثيرة شاركت الولايات المتحدة في غزوها، مرور عشرين عاما على هذا الغزو الهمجي اللامشروع واكاذيبه وتحدث وزير الخارجية الفرنسي السابق في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك ، دومينك دو فيلبن عن معرفة الدولة الفرنسية لكذبة أسلحة الدمار الشامل وأنه اخبر وزير الدفاع الأمريكي كولن باول بذلك وجها لوجه في مكتبه كما تحدث عن عدم مصداقية الولايات المتحدة ورفض دول الجنوب عن الوقوف مع الولايات المتحدة ضد روسيا في الحرب في أوكرانيا بسبب الأكاذيب التي روجتها الإدارة الامريكية في عهد جورج بوش لغزو العراق. لقد فشلت إدارة الرئيس جورج بوش من الحصول على موافقة مجلس الامن لشن الحرب على العراق الذي انتهت بغزوه، لكنها استمرت بطاقمها من المحافظين الجدد بالكذب على العالم ، اذ عندما هزم الجيش الأمريكي هزيمة فادحة امام المقاومة العراقية واستقال رامسفيلد بضغط جنرالات الجيش الذين تفاجأوا بضربات العراقيين اخترعت إدارة بوش كذبة أخرى مفادها جلب الديمقراطية للعراق واسقاط نظام الرئيس صدام حسين التي تعكزت عليها الولايات المتحدة والعملية السياسية التي فصلتها للعراقيين بمقاساتها ولخدمة مصالحها.

بعد عقدين من الزمن يمكن القول انها فترة كفيلة بإرساء نظام ديمقراطي حقيقي ليصدق الشعب العراقي بوعود الإدارة الامريكية ورئيسها لكن الواقع هو ان العراقيون لم يلمسوا أي نوع من الديمقراطية التي وعدهم بها الرئيس الأمريكي بوش لان كل الحكومات التي تشكلت منذ الغزو لم يتم انتخابها بل تم تعينها على أسس طائفية وعرقية بتوافق امريكي مع إيران ومرجعيتها في النجف وأصبحت العملية السياسية تسير وفق “المتعارف عليه” ووفق التوافقات ومفاوضات ايران مع الولايات المتحدة حول الملف النووي وليس عملا بالدستور الذي جاء به الاحتلال رغم كل الألغام الموجودة فيه عمدا. ومن نتائج الديمقراطية التي فصلت للعراق هي التعددية الإعلامية المخيفة التي أصبحت أدوات للتحريض الطائفي والحقد والعنصرية والفتنة والتي تسرح وتمرح في نث سمومها بينما طالت الكواتم والاغتيالات أكثر من 400 صحفي واعلامي عراقي منذ الغزو لهذا اليوم بشهادة تقارير منظمة مراسلون بلا حدود ولجان الأمم المتحدة لحقوق الانسان. اما الوعد الثاني للرئيس الأمريكي فهو تحقيق الرفاهية للعراقيين وتوفير كافة الخدمات الأساسية التي يحتاجها الشعب العراقي الذي عانى من الحصار والعقوبات والحروب، وبدل من تنفيذ هذا الوعد عبر لجنة إعادة بناء العراق التي شكلها الحاكم المدني بول بريمر ورصدت لها ميزانية قدرها 18 مليار دولار فأن أموال هذه اللجنة قد سرق منها 6,6 مليار وهي اكبر عملية سرقة في الولايات المتحدة وفقا للمحامي “ستيوارت بوين” الذي عينه جورج بوش للتدقيق بصرف هذا المبلغ ، اصبح توفير الخدمات من الأمور المستحيلة وبعيدة المنال فلم يعد العراقي “يحلم” حتى باستعادة الكهرباء ولا الحصول على الماء ولا مراجعة المستشفيات بشكل اعتيادي ولا تعليم أولاده بشكل صحيح في مدارس حكومية، ولا ان يحصل على عمل يعيش منه سواء في القطاع العام ام في القطاع الخاص. بل ان تدمير المجتمع وتحويل الدولة الى ميليشيات يسيران جنبا الى جنب بخطى حثيثة بالتوافق والتنسيق الأمريكي الإيراني لان الاحتلالين لا يرغبان بنهوض الدولة العراقية من جديد بل يجدان في دولة الميليشيات طلبهما الأمثل الذي يحقق مصالحهما في نهب البلاد وخيراته وعوائده فقد بدا واضحا وجليا للعراقيين ان الولايات المتحدة تفضل وجود مليشيات تابعة للأحزاب تسيطر على النفط وبيعه وذهاب الأموال الى بنك “جي بي مورغان” الذي يزود بدوره البنك المركزي العراقي بالدولار بدل وجود دولة وطنية لها سيادة تديره بالخبرات والطاقات العراقية في حين  ان 96% من العاملين في القطاع النفطي اليوم هم من الأجانب بينما كان قطاع النفط قبل الغزو يعمل كليا بطاقم عراقي، اما صندوق اعمار العراق الشهير الذي انشأه بريمر تلخصه هذه المقابلة التلفزيونية قبل أسابيع في قناة التغيير العراقية فقد تحدث المستشار الاقتصادي في السفارة الامريكية في العراق عن ان الشركات الامريكية لا يمكن ان تستثمر الا في أجواء الاستقرار والامن التام اي )ليس في بلد تحكمه الميليشيات ولن يكون هناك أعادة بناء ( ، وقد قدمت الولايات المتحدة بعض المساعدات في مجال مكافحة التردي المناخي ) عبارة عن تدريب بضعة اشخاص فقط ( إضافة الى دورات تدريبية للشباب تقوم بها السفارة كما تنشرها صفحتها في الفيسبوك، في نفس الوقت وتحت انظار السفارة الامريكية تستمر ايران في عملية رسم خريطة ديمغرافية جديدة لمدن وقرى العراق عبر التطهير الطائفي والتهجير القسري وتجريف  المدن والقرى مثل محافظة ديالى ومدينة سامراء والدجيل والعوجة وجرف الصخر وحزام بغداد وقرى كثيرة غيرهما لجعلها مناطق مغلقة حصرا للنفوذ الإيراني. كما تستمر بإدارة برلمان المنطقة الخضراء والعملية السياسية بطريقة لا تسمح الا بهيمنة احزابها الإسلامية على المشهد السياسي بشهادة قيس الخزعلي ، ان محمد شياع السوداني الذي عين رئيسا للوزراء هو مدير عام عندنا ، ومحاربة احزابها للمستقلين الذين صعدوا في الانتخابات الأخيرة وفق قانون الانتخابات الجديد واستعجال تعديله مؤخرا قبل اتخاذ أي اجراء عاجل بخصوص الأوضاع المتردية في البلد واعادته الى ما كان عليه سابقا لمنع وصول أي أصوات مستقلة او أصوات حزبية جديدة وشابة في المستقبل تحاول الإصلاح كما تقول من داخل العملية السياسية ليس لها ولاء للحرس الإيراني ولولاية الفقيه.

ان عقم العملية السياسية الامريكية وفشلها ونبذ الشعب العراقي لها والخوف من تشرين جديدة تطيح بها وتنتزع أموال العراق من بنوك الاحتلال الأمريكي هو الذي أجبر الولايات المتحدة على اعادة النظر في طريقة عمل السفارة الامريكية اذ ولأول مرة تبدو السفيرة الامريكية كحاكم مدني جديد للعراق تدير الحكومة والبنك المركزي والبرلمان وتقدم نصائحها وارشاداتها لهذا المسؤول او ذاك بشكل علني امام الشاشات التلفزيونية.

هذا هو عراق النظام العالمي الجديد الذي ارادت الولايات المتحدة ان تهيمن به على العالم وتنشر ما تسميه كذبا قيمها في الديمقراطية والحرية لتسود في ارجاء المعمورة، انه الكذبة الكبرى التي تم تسويقها للعالم اجمع ومنها فرنسا التي ومنذ سنوات يرفض شعبها هذا النظام الذي يقوم بخصخصة مؤسسات الدولة العامة والصناعة والخدمات الأساسية العامة ويبيعها او يتنازل عنها لصالح الشركات الامريكية الكبرى. لقد ظهرت السترات الصفر احتجاجا على النظام العالمي الجديد الذي اجتاح فرنسا منذ أكثر من عقدين ووصلت الى قصر الإليزيه قبل سنوات وعادت احتجاجات وتظاهرات الفرنسيين بقوة أكبر ترفض تعديل قانون التقاعد الذي يريد الرئيس ماكرون فرضه شخصيا بالقوة في تعارض صارخ مع الديمقراطية التي بنيت على أسسها الجمهورية الفرنسية. وعلى غير المعتاد خرجت أصوات أكثر من خمسين ألف عسكري متقاعد ومائة ألف مدني في حملة توقيعات تدعو الشعب الفرنسي للتوحد والخروج بتظاهرة وطنية واحدة ليقول كلمته موحدا لإنقاذ فرنسا من مثل هذه القوانين. بسترات صفر وبراية علم العراق ، رافعين شعار “نريد وطن” ، خرج شباب العراق في تشرين عام 2019 يساندهم في ثورتهم غالبية الشعب العراقي الذي ما يزال بكل شرائحه يراقب تصرفات سكان المنطقة الخضراء الذين جاء بهم النظام العالمي الجديد لينقض عليهم لحظة غضبه ويكنسهم من ارض العراق ليستعيد سيادته وليتحرر من قيود الاحتلالين الأمريكي والإيراني.

أحدث المقالات