الفرقاء السياسيون في العراق متفقون اليوم على أن صناعة الأزمات هي السمة اللازمة لنمط ادارة السلطة التنفيذية الذي دأب عليه نوري المالكي على مدى الفترة الماضية، حيث تشير مشاهد الإخفاق والارتباك التي رافقت التعاطي الفوضوي مع المستجداّت عدم قدرة المالكي على ادارة الأزمات المفتعلة من قبله بين الحين والآخر. ومثل هذه القناعات لم تعد مقتصرة على الكتل السياسية المنافسة، بل إمتدت لتصبح يقينا لدى حلفاء الأمس وبضمنهم مكونات التحالف الوطني أيضا.
العديد من أطراف التحالف الذي أسهم بإيصال المالكي الى دفة السلطة مرّتين، بات على يقين بأن أركان شرعية هذه الحكومة قد تزعزعت على نحو غير قابل للترميم والاصلاح، خاصة مع ارتفاع وتيرة تلميح المرجعية الدينية الى مستوى التصريح العلني بضحالة الأداء الحكومي على كافة المستويات، فضلا عمّا آل اليه الحراك السلمي لعشائر الأنبار الذي أُجبر مؤخرا من قبل الحكومة على انتهاج وسائل لم تكن في عداد خياراته، بيد أن أجهاض حكومة المالكي لجميع وسائل التعبير السلمية التي كفلها الدستور للمناشدة بالحد الأدنى من المطالب المشروعة كان قد أدخل أيديهم عنوة في صناديق السلاح بدلا من صناديق الاقتراع.. وللمالكي سابقة في هذا السياق، حيث لم تكن مثل هذ المحاولة هي الأولى من نوعها، مثلما سبق وأن جابهت حكومة المالكي الحراك الشعبي في عموم مدن العراق في 25 شباط 2011 بأقسى أنواع القمع والتنكيل.
لقد أهدر المالكي جميع الفرص المتاحة للمراجعة الجدية للأداء بل لازال مُصرا على الإحتيال على الضمير الوطني والسطو المقنن على المُثل الديمقراطية وبما يضع العملية السياسية في طريق مسدود ويجعل الدولة العراقية الفتية عرضة للإنهيار الفجائي في حال اصراره على البقاء في السلطة، فلا شك بأن الإيغال في هذا السلوك المخادع وتجاهل الخطورة البالغة لهذا السلوك، يُعد وصفة أكيدة للدفع بالعراق نحو التشرذم والتقسيم، وجر المنطقة الى مزيد من التطرف والتوتر. لذا فمن الأهمية بمكان، تحديد البديل القادر على انتشال العراق من مهاوي الانزلاق نحو المجهول.
هناك اشتراطات لابد من توفرها قبل اطلاق صفة البديل على أية فعالية سياسية يمكن الوثوق في قدرتها على كسب الرهان المفضي الى التغيير الحقيقي والخلاص الديمقراطي المؤكد، أهمها ان تكون معاكسة في الإتجاه للتمترس في الخندق الطائفي الذي احتال من خلاله المالكي على الضمير الوطني وغير مرتهنة أيضا لنزوات السطو المقنن لإدامة البقاء في السلطة وفقاً للقاعدة الفوضوية “بعد ما ننطيها”.
وفي مراجعة مقتضبة لواقع وتاريخ الفعاليات السياسية التي عقدت العزم على خوض غمار الانتخابات البرلمانية القادمة المزمع اجراءها في نهاية شهر نيسان 2014، نلمس و بوضوح انفراد ائتلاف الوطنية (239) بزعامة الدكتور أياد علاّوي في كونه عملا نابعا من إرادة عراقية تكاملية مشتركة عابرة للطوائف والأعراق ونشاطا هادفا في الأساس الى تحقيق طموح هذه الفعالية في تعميق الحس الوطني وروح الإعتدال وبث الوعي الديمقراطي كشروط أساسية للنهوض بالعراق على الصُعد كافة.
ويأتي التصنيف الذي تحضى به القائمة الوطنية الذي يكسبها التميّز المشار اليه من خلال الطاقات الجديدة الواعدة والوجوه النزيهة الرائدة التي تضمنها إئتلاف الوطنية (239) والموزعة على محافظات العراق كافة وبما فيها المدن الشمالية في اقليم كردستان العراق. بالإضافة الى ما سلف، فمن واقع التجربة في الحُكم يمكننا القول بأن تسليم السلطة بشكل سلمي من قبل زعيم إئتلاف الوطنية الدكتور أياد علاّوي في السادس من أبريل 2005، يشكل علامة فارقة في تنفيذ خارطة طريق الديمقراطية في العراق.
بالمحصّلة والحقائق التي تؤكدها الوقائع، أن المالكي في سوء استخدامه لموارد الدولة ومصادرته لارادة الشرائح العراقية وتسييس العسكر وانخراطه في سياسة المحاور الاقليمية لم يعد شخصاً، بل مشروعاً طائفيا وعاملا مكرّساً للعزلة والتطرف ومفضيا بالنتيجة الى إخماد أنفاس العملية السياسية في العراق. لذا تبرز الحاجة الملحة الى بديل سياسي معتدل كـ (إئتلاف الوطنية) بزعامة الدكتور أياد علاّوي يوطد ركائز الوحدة الوطنية ويعمّق مفاهيم التضامن الإقليمي ويتيح للعملية السياسية إلتقاط أنفاسها من جديد.