24 ديسمبر، 2024 4:06 م

“ممدوح مكرم”.. برع في تحليلاته للمجتمع ولتكويناته الطبقية

“ممدوح مكرم”.. برع في تحليلاته للمجتمع ولتكويناته الطبقية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“ممدوح مكرم” باحث في العلوم السياسية وتاريخ الحركات الثورية في الإسلام الوسيط، ومهتم بالتراث الإسلامي والنقد الأدبي واللغة العربية.

الهيمنة..

في مقالة بعنوان (الهيمنة السعودية على مصر) كتب “ممدوح مكرم”: “مملكة آل سعود التي تقوم على مرتكزات الفكر الوهابي، وهو فكر ينطلق من رؤية بدوية أعرابية للدين، ولا يرى أي شيء إلا بشكل مطلق، مجافٍ للعقل والمنطق والعلم الحديث، بل وحتى لرؤى متقدمة ومتطورة للدين لدى علماء وفلاسفة ورجال دين عُرفوا بعقلانيتهم واتزانهم الفكري طوال التاريخ.

ولكن محمد بن عبد الوهاب، هو قاطع طريق بالأساس، ولا علاقة له بالدين، عندما تحالف مع محمد بن سعود الكبير وبمباركة من الاستعمار البريطاني الذي كان قد بدأ يطل برأسه في منطقة الخليج والجزيرة العربية، في إطار تأمين طرق الذهاب والعودة مِن وإلى الهند والشرق الأقصى، لأن الشبه الجزيرة العربية والخليج لهما أهمية جيوبولتيكية. كان تحالف الشيخ مع الحاكم ضمن عوامل أدت إلى ميلاد أسرة آل سعود، والتي صبغت الجغرافيا باسمها، فشلت التجربة الأولى، بعد تدخل مصر، متمثلة في محمد على باشا، وهدَّ إبراهيم باشا، القائد العظيم، الدِرِّعية على رؤوس السعوديين وذلك في حروب محمد علي بالجزيرة العربية، والتي بدأت منذ عام 1811”.

يواصل: “عاود السعوديون الكرةَ مرة أخرى بقيادة عبد العزيز، وتأسست دولتهم وعرفت بالمملكة العربية السعودية منذ ثلاثينات القرن المُنصرم، وكانت تحت رعاية كاملة من التاج البريطاني، ثم بعد ذلك تحت حماية الولايات المتحدة وحتى الآن، عقب اندحار الاستعمار التقليدي. إذن دولة آل سعود، للأسف ابتلعت أغلب أراضي شبه الجزيرة العربية فيما عدا: الكويت، والبحرين، وقطر، وسبع مشيخات في الخليج، الإمارات العربية وتضم (أبو ظبي، دُبيّ، عَجمَاَن، رأس الخيمة، العين، الفُجَيَّرة، أم القوين) واليمن السعيد وسلطنة عمان”.

مملكة آل سعود..

ويصف دولة آل سعود: “مملكة آل سعود هي دولة وظيفية، أي أنها تلعب دوًا وظيفيا في المنطقة والإقليم بل والعالم، لصالح من؟ لصالح قوى الهيمنة العالمية والاستكبار العالمي، الإمبريالية من خلال عدة أدوات وأدوار ستتضح.

هذه الدولة الوظيفية التي مزجت بين: الدين بطبعته الوهابية الأعرابية البدوية وبين المال المتدفق من عائدات النفط، خاصة طفرة السبعينات، وإقطاع القرون الوسطى بطبعته المنحطة، فأنت أمام إقطاع-رأسمالية، أو رأسمالية-إقطاعية، عفنها يزكم الأنوف عبر نعراتها الطائفية والمذهبية وعدائها للعلم والتقدم وقيمة الإنسان، ووقوفها دائما ضد أي تحرك تقدمي ووطني يبغي التخلص من هيمنة المراكز الإمبريالية، وإقامة نظام اجتماعي واقتصادي لا طبقي، لأن من أبرز سمات الإقطاع المنحط والرأسمالية الرثة أنَّ الطبقات أمرٌ حتمي، يريده الإله، وهو سر عداء آل سعود للشيوعية، لأن الشيوعية تناضل من أجل إلغاء الطبقات، وإلغاء امتيازات بشر على بشر، وأقوام على أقوام.

ولذا يتمحور الدور السعودي في الآتي: –

1- أن يقوم بحجز التطور في مجتمعه، وباقي مجتمعات المنطقة، كي تبقى رهينةً بشكلٍ دائم لقوى الهيمنة والناهب الدولي، وهنا أتى توظيف الدين والانطلاق منه لكبح جماح الكادحين والمهمشين، عبر تقديم وجبة دينية فقيرة تُجَذر الوهم لدي جمهور الكادحين، وذلك عبر شبكات واسعة من وسائل الدعاية والبث تقليدية وحداثية، وعبر بناء جماعات وظيفية تنقل الرسائل والأهداف وتضعها موضع التنفيذ، نماذج الإخوان والقاعدة وداعش والنصرة وأشباههم، تتناقض المصالح وتتقاطع، لكن يبقى جوهر الهدف الوظيفي لهذه الدولة وجماعاتها هو حجز تطورنا، وإعادة إنتاج تخلفنا وتبعيتنا.

2- السعودية هي ضمن المرتكزات التي يتكأ عليها المشروع الصهيوني في المنطقة، هناك تشابه كبير في بنية الفكرين الصهيوني والوهابي، إذا كان الصهاينة يرون أنَّ: اليهود شعب الله المختار وأرض الميعاد…..إلخ الوهابيون: يرون أنفسهم أصحاب الحقيقة المطلقة، وأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، وعدا ذلك إما كَفَرة، وفي أحسن الأحوال ضالون، وفاسقون.

وهناك بالطبع تشابهات أخرى بين الفكرين، قد نكتب عنها لاحقًا. الأهم من ذلك أن نرى الرابط المشترك بين الوهابية والصهيونية: كلاهما يعمل وظيفيا وبدور مرسوم مسبقا متفق عليه صراحة وضمنًا مع الإمبريالية، يظهر ذلك جليا في التقارب الخفي والعلني بين آل سعود، ودولة العدو الصهيوني، وهما الحليفان الأكثر إتساقًا مع الإمبريالية!! اتضح ذلك بشكل أكثر وضوحًالا يقبل الشك  في أنَّ آل سعود جعلوا من حزب الله المقاوم منظمةً إرهابية، وهو بالضبط ما يراه العدو الصهيوني!”.

تفتيت المنطقة..

وعن دور السعودية في العمل على تقسيم المنطقة يوضح: “3- تفتيت المنطقة وتشظيها إلى كانتونات مذهبية، عبر الاستثمار في الدعاية التي تحض على الكراهية والتعصب، عبر شبكة من الفضائيات، ورجال الدين، وجمعيات، ومنظمات مجتمع مدني، وأحزاب و جماعات، وذلك بناء على توجيهات ودعم مباشر من قوى الهيمنة، وهو ما يخدم بشكل استراتيجي العدو الصهيوني؛ كي يبقى صاحب القوة المطلقة.

4- فرملة وكبح مشاريع المقاومة والممانعة للعدو الصهيوني، إما من خلال الحصار والتضييق و التشويه- كما يحدث مع حزب الله حاليا، أو الاحتواء كما حدث مع فتح في الماضي ونشر قيم الإستهزام، وإعادة تقديم إسرائيل بوصفها دولة يمكن قبولها وأنَ خطرها أقل بكثير من الخطر الذي تمثله إيران الصفوية، كما يحلوا للأبواق السعودية أن تتلفظ به. ومن ثمَّ قبر فلسطين وقضيتها ومقدساتها، التي هي مقدسات الأمة برافديها: الإسلامي والمسيحي، وتسليم فلسطين والمنطقة بمفاتيحها إلى العدو، بعد أن يتم إخماد ما تبقى من جذوات للمقاومة هنا وهناك”.

الوضع الطبقي في مصر..

في مقالة أخرى بعنوان (محاولة لفهم الوضع الطبقي الراهن في مصر) كتب “ممدوح مكرم”: “في مصر سنجد أنفسنا أمام خارطة طبقية/ اجتماعية شديدة الصعوبة في فهمها والتعاطي معها وهذا عائد إلى:

1- التطور الاجتماعي الخاص بمصر عبر الحقب التاريخية المختلفة. يحتاج إلى قراءة معمقة للوقوف على فهم حقيقي للتشكيلات الاقتصادية- الاجتماعية وهى مثار جدل نظري بين الماركسيين (هل هو نمط إنتاج خراجى، أم شرقي، أم إقطاع شرقي).

2- نشأة الرأسمالية المصرية وجذورها التي خرجت من أحشاء الإقطاع فتشبعت في بنيتها ببعض خصائص الإقطاع وهذا واضح بشكل جلى وظاهر في سيادة فكر وثقافة القرون الوسطى (أيديولوجية الإقطاع)؛ يضاف إلى ذلك دور الاستعمار/ الإمبريالية في عملية كبح التطور الطبيعي للتطور الاجتماعي في مصر بما فيها حدود وسقف الرأسمالية المصرية.

3- نتج عن ذلك سيولة الخريطة الطبقية وتغيرها بشكل سريع كما حدث في المرحلة الناصرية ثم الساداتية- الانفتاح وما ترتب عليه من آثار شديدة العمق على كل المستويات- ثم فترة مبارك (سياسات التكيف الهيكلى 1991) وربط ذلك كله ببنية التخلف والتبعية المتجذرة أصلا في تطور المجتمع منذ الاحتلال الإنجليزي وأفرز ذلك هذا الهراء الذى نعانى منه الآن وهذا يعد تربة صالحة لإنبات تيارات اليمين الديني و ليمين الليبرالى (خلق ما يسمى بالرأسمالية التابعة الكمبرادور).

4- بنية الطبقة العاملة نفسها وهذه الازدواجية في الانتماء الطبقي، وضعف وعى الطبقة العاملة بذاتها كطبقة ثورية قادرة على قيادة تحالف طبقي مع الطبقات الكادحة الأخرى؛ وضعف تنظيمتها النقابية والحزبية بسبب موروث الاستبداد الطويل منذ العهد الناصري.

5- وجود القسم الأوسع من الطبقات والشرائح الاجتماعية الوسيطة. وفى الأعم الغالب هو جزء يميل للوسط والتلفيق حتى في الأفكار (يعنى عين في الجنة، وأخرى في النار) هي تريد أن تلتحق بالأعلى طبقيا ولكن الحراك الاجتماعي يقودها إلى أسفل فتنتقل إلى الرط الثوري ومن ثم تهتز مواقفها. هى دائما معلقة بين السماء والأرض.

6- ماسبق سرده يتلخص في عدم إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية؛ لنقل المجتمع إلى درجة تطور أعلى يكون فيه فرز اجتماعي حقيقي؛ وهذا سبب بلبلة لكثر من المناضلين- بعضهم ينطلق من رؤية عدمية لوجود عمال على سيل المثال- يرتبط بذلك أن تعدد أنماط إنتاج بعضها قبل رأسمالي( إقطاعي/ خراجى) مع وجود إنتاج بضاعى صغي/ منفكتورى؛ مع وجود نمط رأسمالي متخلف وتابع؛ مع بعض ملامح باهتة لبقايا المشترك القروى- تعبير لللدكتور عبد المعطى- مشاعية باهتة (هنلاقيها فى فكرة الجمعيات ننزل جمعية يعنى) تعبير عن تضامن إجتماعى/ جماعى للتغلب على سوء أحوال المعيشة”.

غياب صناعة حقيقة..

ويواصل: ” لابد أيضا من تحليل الوضع الاجتماعي في الريف المصري لمعرفة طبيعة الحيازات وشكل الثقافة السائد مع التشوه المصاحب للحداثة المشوهة أصلا خاصة في ظل العولمة وما انبثق عنها من قيم.

هناك أيضا الطبقات شديدة التهميش التي لا يوجد لها مكان في السلم الاجتماعي (يمكن هي حتى تحت السلم أصلا) مثلا خدم المنازل، ماسحوا الأحذية، الساقطون أخلاقيا/ أبناء الشوارع، أطفالا وكبارا.. إلخ لأن هؤلاء يتم استخدامهم وتوظيفهم كوقود اجتماعي.

إن غياب صناعة حقيقة في مصر قد زاد من تعقد الوضع الطبقي والاجتماعي. فانطبع السائد وتأثر بالاقتصاد الريعى، وبالتالي الأفكار المصاحبة له (الربح السريع، الأنانية، ثقافة الفهلوة، وبالتالي الانحطاط الأخلاقي، وانحطاط الذوق الأدبي والفني)”.

التخلف..

وفي مقالة ثالثة بعنوان (بنية التخلف في مصر) حاول “ممدوح مكرم” فهم تلك الظاهرة يقول: “بنية التخلف توجد على مستويين:

الأول: مستوى البناء التحتي/ السفلى للمجتمع (أي الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية الناتجة) فالاقتصاد المصري يحمل بداخله إن جاز التعبير بذور متخلفة بفعل عوامل متوارثة من عصر الاستعمار(موضوعية) وأخرى ذاتية تتعلق بديالكتيك التطور الاقتصادي نفسه من النمط الخراجى إلى الرأسمالي، لا يمكن الفصل بين الذاتي والموضوعي فالنظر يكون بشكل جدلي، ويتمظهر تخلفنا الاقتصادي الناجم عن بنية التخلف؛ في عملية تفكك القطاعات أي هناك فصل وعزل لكل قطاع عن الآخر، وزيادة الاعتماد بشكل عميق على الخارج، وهنا تقفز التبعية كنتيجة مباشرة وموضوعية لبنية التخلف، وفى نفس الوقت هي أي التبعية تعمق هذه البنية، ينضاف إلى ماسبق هو ضعف الصناعة؛ بالرغم من محاولات الناصرية عمل صناعات قوية لكنها كانت تحمل عيوبا كبيرة”.

وعن أوضاع الزراعة يبين: “أيضا لما تحل المشكلة الزراعية بشكل جذري راديكالي كما في الصين مثلا؛ فبرغم قوانين الإصلاح الزراعي التي صدرت في الحقبة الناصرية؛ إلا إنها لم تجذر تعاونيات حقيقية في الريف فدخل الفلاحون الكبار والمتوسطون؛ وانسحق فقرائهم في هذه التعاونيات؛ وبسبب ذلك ظل التناقض بين الريف والمدينة شاسعا، وتعمق في السبعينات بعد التحول إلى اقتصاد السوق، وإخضاع الزراعة لمتطلبات رأس المال.

هذا ساهم بدوره أيضا في تعميق بنية التخلف فأنت لم تنتج ما يكفيك من الحبوب وعلى رأسها القمح؛ فزاد الاعتماد على الخارج أكثر؛ كفت الدولة يدها عن دعم الفلاح الفقير؛ وبدا الاتجاه لدى الشرايح المتوسطة والغنية لزراعة محاصيل التصدير الفواكه والنباتات العطرية وغيرها..

الثانى: مستوى البناء الفوقي/ العلوى وهو الفكر والأيديولوجية السائدة؛ نؤكد مرة أخرى على العلاقة الجدلية و ليست الميكانيكية بين البنائين؛ فبنية التخلف تحت، امتدت إلى فوق؛ صار هناك بنية تخلف في الفكر ذاته؛ تعود بجذورها للفكر الأشعرى الذى تسيد منذ القرن الخامس الهجري بفضل لأبو حامد الغزالى؛ هذه البنية المتخلفة فكريا كانت تحافظ على تأبيد الأوضاع ؛ وتعارض أي توجه للتغيير الثوري بكل مستوياته؛ وهى المسئولة على قرون النوم العميق الذى لم نفق منه إلا على صوت مدافع نابليون، لكن لا ننكر أنه كان هناك إمكانية للتطور الذاتي لكنها بطيئة بفعل عوامل موضوعية؛ منذ القرن الثامن عشر( فترة تحتاج لإعادة قراءة) وهى كانت بذور انبتت عصر محمد على بعد تحفيز الفرنسيين لها فيما يعرف بالصدمة الحضارية”.

ويستمر في التحليل: “نتيجة ضعف تكوين الرأسمالية المصرية، وعوامل أخرى ظلت الأفكار المرتبطة بالأيديولوجية المحافظة التي تأخذ شكل ديني إقطاعي/ خراجى موجودة في بنية الفكر والثقافة وهى المسئولة عن إنتاج تيارات اليمين الديني بمختلف ألوانه، ونتيجة لعدم الحسم بين الدين والدولة وميوعة الوفد في عشرينات القرن، ثم ميوعة الناصرية (كأيديولوجية شعبوية) كانت الحاجة للأفكار المحافظة حتى لا يحدث تجذر فكرى للحداثة الردايكالية، ووجود دولة علمانية؛ وممارسة ديمقراطية حقيقية وواسعة؛ مع الأخذ في الاعتبار أن بنية الاستبداد قابعة في الممارسة ذاتها المتضايقة مع بنية التخلف؛ وبالتالى التبعية في وقت لاحق منذ عصر الرئيس المؤمن”.

وفاته..

مؤخرا توفى الكاتب الصحفي “ممدوح مكرم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة