بين أزمة غير مسبوقة مع واشنطن إلى الانقسام الداخلي الخطير .. “إسرائيل” تتفسّخ !

بين أزمة غير مسبوقة مع واشنطن إلى الانقسام الداخلي الخطير .. “إسرائيل” تتفسّخ !

وكالات – كتابات :

هدأت عاصفة الأزمة الداخلية في “إسرائيل” مؤقتًا، فقد أجل رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، مسّاعي حكومته الرامية إلى إقرار تشريعات تحدُّ من استقلال “المحكمة العُليا”، لمَّا بدا له أن البلاد على وشك الانزلاق إلى الهاوية. ومن المفترض أن يشرف الرئيس الإسرائيلي؛ “إسحاق هرتسوغ”، على جهود التوصل إلى حل وسط خلال شهرٍ من إيقاف مناقشة التعديلات بـ (الكنيست).

وفي غضون ذلك؛ يُراقب أعداء “إسرائيل” وأصدقاؤها مآل هذه المسّاعي، وما إذا كانت هذه: “القوة الإقليمية” ستقع في انقسام داخلي شّبيه بالانقسامات التي أسقطت عدة دول محيطة بها.

لا وقت يكفي للمصالحة بين حكومة “نتانياهو” والمعارضة..

تقول صحيفة الـ (فايننشال تايمز) البريطانية، إن إيقاف التعديلات إرجاء مؤقت للأزمة، فالاختلاف شديد بين الجانبين في “إسرائيل”. إذ تسّعى الحكومة للسّيطرة على المحكمة لفرض أهدافها اليمينية المتطرفة والدينية، أما المعارضة فتسّعى لحماية استقلال المحكمة لإحباط مرامي الحكومة.

ترى الحكومة اليمينية أنها ما دامت فازت بالانتخابات عبر صناديق الاقتراع، فإن لديها الحق في تنفيذ برنامجها، ولكل حزب في الائتلاف الحاكم نصيب من أهداف التعديلات القضائية، فالصهيونية الدينية تُريد الحدَّ من تدخل المحكمة لتحصل على ما تُريد من أراضي “الضفة الغربية” المحتلة، والأحزاب الدينية الأرثوذكسية تُريد منع المحكمة من إرسال طلاب المدارس الدينية إلى الجيش، أما “نتانياهو” فيُريد منعها من إرساله إلى السجن إذا أُدين في القضايا المتهم بها، كما تقول الصحيفة البريطانية.

في المقابل؛ ترى المعارضة العلمانية أن صيانة استقلال “المحكمة العُليا” لا غنى عنه لحماية ما يرونه: “ديمقراطية إسرائيل” وأسلوب العيش فيها. وقد بلغت المعارضة انتصارًا كبيرًا بإيقاف هذه التعديلات، وما زال لديها مئات الآلاف من المتظاهرين المسّتعدين للنزول مرة أخرى إلى الساحات العامة، علاوة على جنود الاحتياط، الذين هددوا بعدم الخدمة في الجيش، ورجال الأعمال الذين هددوا بمغادرة البلاد.

وبالنظر إلى استطلاعات الرأي التي ما انفكت تميل إلى تأييّد الأحزاب المعارضة، وتنتقص من حصة الائتلاف الحاكم، فإن السياسيين المعارضين لديهم سبيل واضح لبلوغ غايتهم في إسقاط حكومة “نتانياهو”.

ليس هناك سوى شهر واحد قبل عودة (الكنيست) إلى جلسات إقرار التعديلات، ما يعني أن الوقت غير كافٍ للمصالحة بين الحكومة والمعارضة، خاصة إذا أحّس كل جانب منهما أنه سيبلغ المزيد من المكاسّب إذا رفض المسّاومة. وربما ينهمكان في المناورة حتى تنتهي المُهلة، ثم يلوم كل منهما الآخر على فشل المفاوضات.

عاصفة من الاضطرابات الخارجية ينشغل عنها السّاسة الإسرائيليون..

في غمار الإنشغال بكل هذه القضايا والخلافات، لم يُعد لدى صناع السياسة في “إسرائيل” طاقة للتعامل مع الأزمات الخارجية، التي يوشك تفاقمها على إثارة عاصفة كبرى من الاضطرابات. فقد تدهورت الأحوال في “الضفة الغربية” المحتلة و”القدس”، وسط تزايد الاحتكاك بين المستوطنين وقوات الاحتلال من جهة، والفلسطينيين أصحاب الأرض من جهة أخرى.

انفجار “الضفة الغربية” وضعف السلطة..

يُرجِّح انفجار هذه الاضطرابات عوامل كثيرة؛ كما تقول الصحيفة البريطانية، فـ”السلطة الفلسطينية” أوشكت على الانهيار؛ والمستوطنون يواصلون شن الهجمات العنيفة على الفلسطينيين؛ (وحرق المنازل والمركبات في حوارة مثال جلي)، والمقاومون الفلسطينيون يتصّدون لاقتحامات قوات الاحتلال، ولا يُردعهم وعيدها، ووزراء الحكومة الإسرائيلية المتطرفون يُحرضون شباب المسّتوطنين على الإرهاب ويغضون الطرف عما يرتكبونه.

ومع أن انفجار العنف أبعد شيء عما يحتاج إليه “نتانياهو” الآن، فإن شريكيه في الائتلاف الحاكم؛ “إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل سموتريتش”، يبدو أنهما عازمان على تأجيج الأمور، بالتصريحات التحريضية ونقض ما اتفق عليه “نتانياهو” مع “السلطة الفلسطينية”، بشأن إمدادها بعائدات الضرائب وزيادة تصاريح العمل.

اتفاقات التطبّيع..

علاوة على ذلك؛ يُضعف نهج الحكومة الإسرائيلية العلاقات مع “الأردن”، ويقوِّض خطوات التقدم في اتفاقات التطبيّع مع الدول العربية.

وقد حذرت “الإمارات” علنًا من التبعات غير المحمودة لإذكاء الصراع مع الفلسطينيين، ورفضت تحديد موعد لزيارة “نتانياهو” المُقّررة لـ”أبوظبي”. أما “السعودية”؛ التي كان “نتانياهو” يأمل في انضمامها إلى دائرة التطبّيع، فقد انصرفت عن الأمر، ومالت إلى المصالحة واستئناف العلاقات مع عدو “إسرائيل”، “إيران”.

“إيران” على أبواب بلوغ العتبة النووية..

من جهة أخرى؛ تُواصل “إيران” مسّيرتها نحو بلوغ العتبة النووية، وزعم مسؤولون أميركيون مؤخرًا أنها تحتاج إلى: 12 يومًا فقط لتخصيّب ما يكفي من (اليورانيوم) للاستخدام في صنع قنبلة نووية.

وقد تمكن النظام الإيراني؛ في الوقت الراهن، من تجاوز المظاهرات التي عّمت أرجاء البلاد، وأقام تحالفات استراتيجية مع “روسيا” و”الصين”، ورغم الأزمة الاقتصادية، فإن “إيران” تتهّيأ لتلقي أسلحة وتكنولوجيا روسية متقدمة، مكافأة لها على المسّاعدة التي قدمتها لـ”موسكو” في حربها على “أوكرانيا”.

ارتدع الإيرانيون عن تجاوز العتبة النووية؛ حتى الآن، بالخوف من ردِّ أميركي أو ضربات اسّتباقية إسرائيلية، لكن “إيران” صارت تعرف أن “الولايات المتحدة” منشّغلة عنها في مكان آخر، ولا تُريد حربًا جديدة في الشرق الأوسط، وإذا أضفنا إلى ذلك انكباب “إسرائيل” على أزمتها الداخلية، فإن “إيران” ربما تظن أن لا داعي للخوف من عمل عسكري إسرائيلي أيضًا.

تدهور العلاقات مع “واشنطن”..

تقول (فايننشال تايمز)؛ إن اجتماع هذه العوامل كلها يسّتدعي إنذارًا بالخطر لإدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، فقد اعتمدت “الولايات المتحدة” طويلاً على “إسرائيل”، وأجّزلت عليها المسّاعدات العسكرية السّخية، لكن هذا الدور الإسرائيلي ما أنفك يتآكل، ليس فقط بفعل الانقسام الداخلي وأزمة التعديلات القضائية، بل أيضًا بسبب إصرار حكومة “نتانياهو” على المُضّي في خطط بناء المستوطنات بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأجيج التوتر مع “واشنطن” بشأنها.

استدعت “وزارة الخارجية” الأميركية؛ السفير الإسرائيلي في “واشنطن” لتوبيخه، وأرجأت الإدارة الأميركية؛ حتى الآن، تحدّيد موعد لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي المعتادة إلى “واشنطن”، وتواصل “بايدن” مرتين مع “نتانياهو” لإقناعه بالتراجع عن تعديلاته القضائية.

وعندما حذر “بايدن”؛ “نتانياهو”، صراحةً من أنه: “لا يمكنه الاستمرار في هذا الطريق” من التعديلات القضائية في “إسرائيل”، أثار استجابةً تُصّدر عادةً من: “أعداء الولايات المتحدة؛ وليس من حلفائها”، كما تقول صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية، حيث قال “نتانياهو”، الأربعاء 29 آذار/مارس: “إسرائيل دولة ذات سّيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها ولا تسّتند إلى ضغوط من الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء”، متهمًا الرئيس الأميركي بالتدخل في سياسات دولة أخرى.

يقول “آرون ديفيد ميللر”؛ الباحث في مؤسسة (كارنيغي) للسلام الدولي؛ والمفاوض السابق للسلام في الشرق الأوسط بـ”وزارة الخارجية”: “هذا لا يُشّبه أي أزمة أخرى في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.

وقال “ميللر” وآخرون إن الأسابيع الأخيرة غّيرت بشكلٍ كبير تصورات “الولايات المتحدة” عن “نتانياهو”، مقلِّلةً الثقة بشكلٍ كبير لدى مسؤولي إدارة “بايدن” في إمكانية احتواء الخلافات مع الزعيم الإسرائيلي وحكومته اليمينية.

تصاعد الصراع بعد الاقتراحات التي أدلى بها السفير الأميركي في “إسرائيل”، يوم الثلاثاء 28 آذار/مارس، بأن “نتانياهو” سيكون موضع ترحيب في “واشنطن” في وقتٍ قريب. لكن “بايدن” أوضح أن مثل هذه الدعوة لم تكن واردة. وعندما سُئل عما إذا كان “نتانياهو” سيُدعى إلى “البيت الأبيض”، أجاب الرئيس: “لا، ليس في المدى القريب”.

من جهة أخرى؛ تتعاون “الولايات المتحدة” مع “إسرائيل ومصر والأردن” لمحاولة السّيطرة على المناطق الفلسطينية المحتلة، وأجرت قواتها المسّلحة مع سلاح الجو الإسرائيلي مناورات عسكرية كبرى تحمل رسائل إلى “إيران”، لكن واقع الأمر أن هذه التدابير كلها غير كافية لتهدئة الأمور إذا تواصل الانقسام الإسرائيلي، واستمر تدهور الأمور داخل “إسرائيل” وخارجها، كما تقول الصحيفة البريطانية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة