خاص: إعداد- سماح عادل
“رفعت عطفة” مترجم وكاتب سوري، ترجم الكثير من المؤلفات عن اللغة الإسبانية. ومن أبرز ترجماته ترجمة أعمال “إيزابيل الليندي”.
حياته..
ولد في مدينة مصياف عام 1947 درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مصياف حتى عام 1967. حصل على منحة لدراسة الدبلوم في الأدب الإسباني منذ عام 1968 وحتى 1974 حيث حصل على الماجستير. درس الدكتوراه في جامعة كومبلوتنِس عامي 1982 و1983. عمل في ترجمة كتب القصة القصيرة والرواية والشعر، إضافة إلى إدارة المركز الثقافي في مدينة مصياف السورية والمركز الثقافي السوري في إسبانيا. شغل منصب مدير المركز الثقافي العربي في مصياف منذ عام 1987 وحتى عام 2004، تم إيفاده بعد ذلك إلى إسبانيا لتأسيس المركز الثقافي السوري هناك.
أعماله..
صدر له في القصة القصيرة مجموعة “الرجل الذي لم يمت”، وفي الرواية صدرت له رواية “قربان”، وله في الشعر ديوانان “إغفاءات على حلم متكرر” و”قصائد الحب والأمل”.
الترجمة..
ترجم الكثير عن اللغة الإسبانية مثل “بابلو نيرودا، أغون وولف، غارثيا ماركيز، أنطونيو غالا، إيزابيل الليندي، رامون دل بالييه، لوركا، رينيه ماركس، مانويل روخاس سيبّولبيدا، ماريو بارغاس يوسا” وآخرين. عمله الأهم في الترجمة هو ترجمة دون كيخوت عمل ثربانتس الخالد.
صعوبات الترجمة..
في حوار معه أجراه “محمود أبو حامد” يقول “رفعت عطفة” عن الترجمة وصعوباتها: “في بداية دخولي مجال الترجمة، اخترت الكتب التي درسناها في الجامعة، وكانت مسرحيات للكاتب الإسباني رامون دِل بالييه إنكلان، «كوميديات بربرية»، وكنوع من التحدي للنص، إذ قال أستاذ المادة يومها، وهو فرانسيسكو اندوراين، رحمه الله، أنّ ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية فشلت تقريباً، نظراً لفرادة اللغة التي يستخدمها الكاتب. ويومها لم تكن توجد قواميس عربية إسبانية ولا إسبانية عربية، وترجمتها مستخدماً قواميس إسبانية إنكليزية، وإنكليزية عربية، وإسبانية فرنسية وفرنسية عربية، وعندما انتهيت منها قدّمتها إلى مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة السورية، وبي خوف شديد ألا يَقبلوها. وفوجئت بقبولها.
وبعد ذلك ترجمت له خمسة أعمال هي «الكوميديا البربرية»، «وجه الفضّة»، «نشيد الذئاب»، «النسر»، «أضواء بوهيمية وكلمات مقدّسة». وكانت تجربة صعبة، لأنّ اللغة التي يستخدمها هذا الكاتب لغة عميقة والصور الفنية التي يستخدمها تحتاج إلى جهد كبير لمقاربتها في اللغة العربية. الحركة الثقافية كانت في سبعينيات القرن الماضي ناشطة، وظهرت مجلات وملحقات أدبية، تعاملتُ مع ما أعتقد أنّه كان أهمها: ملحق الثورة الثقافي، حيث كانت تُشارك وجوه الثقافة العربية، خصوصاً السورية والفلسطينية. فترجمت مختارات ودواوين لبابلو نيرودا، ومختارات شعرية لشعراء جيل السابع والعشرين الإسباني، الذي كان يُشكّل منعطفاً في حركة الشعر الإسباني.
وفي تلك المرحلة كنتُ قد بدأت أهتمّ بأدب أمريكا اللاتينية فترجمت قصصاً قصيرة، ونشرتها في الملحق، إضافة إلى الشعر. وبما أنّ الحركة المسرحية كانت نشيطة، لفتت انتباهي مسرحياتٌ لكتاب مثل رينِهْ ماركيس، الذي ترجمتُ له مسرحية «لن يدخل الموتُ القصر»، وإغون وولف، الذي ترجمت له مسرحية «الغزاة». ومن خلال قراءتي لأدب أمريكا اللاتينية، لفت انتباهي كاتب لم يكن مشهوراً جدّاً بحسب معرفتي، هو مانوِل روخاس سِبولبيدا، فترجمت له رواية «ابن لص»، ثمّ ترجمتُ «البيت الأخضر»، وتحدٍّ لماريو فارغاس يوسا، وكنتُ سأستمر بالترجمة له، لكنّ تصريحاته المؤيدة لإسرائيل وقتها جعلتني أحجم عن ذلك على الرغم من أهمّيته”.
طقوس الترجمة..
وعن طقوس الترجمة يضيف: “إن لكلّ مترجم آليته الخاصّة به، إلى هذا الحدّ او ذاك. وأنا أقرأ النص، سواء أكان شعراً أو قصة أو رواية ثم أشرع بترجمته ترجمة أوّلية، ثم أراجع الترجمة بالمقارنة مع النص الأصلي لتحسين الصياغة، ثمّ أقرأه مترجماً بصيغته الأخيرة. وأطلب من دار النشر أن تعطيه لقارئ متخصّص، إذ هو من سيكتشف الهنات التي يمكن أن أكون قد وقعت فيها. وأشدّد على هذا الأمر، لكنّني أكتشف بعد صدور النص أنّ الهنات بقيت، فأحزن. لا شكّ في أن كلّ الأعمال التي ترجمتها بالنسبة إليّ مهمّة، ولا أستطيع أن أخص كتاباً دون غيره بالأهمية، فهي جميعاً تحتوي على قيمة ما جعلتني أختارها”.
إلى العربية..
وفي حوار آخر معه أجراه “علي عبدوس” يقول “رفعت عطفة” عن الترجمة إلى الإسبانية وهل أكثر من الترجمة إلى العربية: “لنقل انها أنشط، هي أنشط في الوقت الحاضر نظر إلى أن الأدب في أميركا اللاتينية يمر ـ منذ ما يسمى بمرحلة انفجار الرواية اللاتينية ـ بحالة من العطاء والنشاط الفكري ما أثر طرد على الترجمة. عدد الكتب المترجمة إلى الإسبانية إثنان وأربعون ألف كتاب في العام بينما لا يتجاوز العدد إلى العربية ألفي كتاب، السبب أن أوروبا انتقلت منذ ما يمكن أن نسميه عصر الأنوار من أمم لا تقرأ، إلى أمم قارئة وباحثة، بينما نحن انتقلنا بالمقابل من أمم قارئة إلى أمم تعتمد على الشفاهية، والعالم انتقل الآن إلى مرحلة ما بعد الورق المرحلة الإلكترونية، استطاع الغرب فيها أن يوازن ما بين هذين الخطين الورقي والإلكتروني.
ويفصل عن اللغة الاسبانية: “في اللغة الإسبانية لا يوجد خلاف كبير بين لغة الكتابة ولغة الكلام، وبالتالي يمكنك أن تضمن في الرواية مثل كل ما يقال في الشارع أو في العمل، في اللغة العربية لا يوجد ذلك. التطوير في اللغة العربية حدث عن طريق الترجمة وبشكل خاص في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية إلا أن هذا التطوير كان قاصرا لأن من خرج ليدرس اللغة خرج بلغة عربية ضعيفة لذلك عادوا بالمصطلحات نفسها أي أنهم لم يتعبوا أنفسهم بالاجتهاد لإيجاد المقابل الموازي في اللغة العربية.
ومن ثم تعميمه، هذا جعل العربية قاصرة أكثر من الإسبانية لأنه في الوقت الذي يصدر عمل مهم في أوروبا ينتقل مباشرة إلى إسبانيا، ثم هناك الأكاديميات اللغوية التي تلاحق الصحافة يوميا وتستخرج منها كل مصطلح جديد وتدرس مدى صلاحية هذا المصطلح أو عدم صلاحيته، بينما مجامع اللغة العربية لدينا بالكاد تغطي ما ظهر منذ خمس عشرة سنة، بعد أن يكون المصطلح قد دخل اللغة ولم يعد هناك من إمكانية لتغييره”.
الثقافة وغياب المشاريع الفكرية..
وعن الثقافة في ظل غياب المشاريع الفكرية يقول: “واقعنا معقد جدا، إذا لم نستطع أن نؤسس لخط ديمقراطي يدخل فيه المجتمع بحوار على المستوى الاجتماعي، وعلى كافة المستويات حتى على مستوى النظافة، إذا لم نستطع أن نبدأ بهكذا برنامج فمن الصعب جد باعتقادي أن نخرج من هذه الحالة. نحن بدأنا نفقد هويتنا، ما نحتاجه اليوم هو حضور التعددية بكل أبعادها ما عدا ذلك نحتاج إلى معجزات.
ترجمة الشعر..
في حوار ثالث أجرته “فاطمة عطفة” يقول “رفعت عطفة” عن ترجمة الشعر: “هذا يتعلق بنوع الشعر. وكنت قد كتبت بحثا بعنوان (الشعر والترجمة) أشرت فيه إلى المستوى الثقافي. فالترجمة بين اللغة العربية واللغة الإسبانية، من خلال تجربتي، تجعل النصين متقاربين في الدلالة وفي الشكل، من حيث أن هناك الماضي المشترك والتاريخ المشترك، وبالتالي هناك قواسم إنسانية مشتركة. أما في الوقت الحاضر، فأرى أن الهوة بين الأمم تكبر وتصبح أوسع وأعمق، هذا الشيء ناتج عن أن الغرب يتطور تطورا هائلا جداً وسريعا جداً، والعالم الآخر، أقصد غير الغربي، يتطور بمشية السلحفاة على المستوى الاقتصادي والعلمي والثقافي وعلى كل المستويات.
هذا يؤدي إلى خلخلة ويجعل الصورة التي يمكن أن تنقل من إحدى اللغات، التي تطورت شعوبها جداً، إلى اللغات الأخرى غير مفهومة بالنسبة لعامة القراء. أما القارئ المطلع فهو قادر على أن يمسك بمفاتيح الأمور، وتصله دلالة الصورة. فالترجمة يجب ألا تكون تفسيرا، وإنما تكون نقلا للصورة بأدق معانيها وإيحاءاتها وشكلها. لأن التعبير بالصورة الأدبية يختلف بين شعب وآخر، فتصوراتنا تختلف عن تلك التي يكونها العقل الآخر. لذلك، بقدر ما يكون المرء واسع الاطلاع فإنه يكون قادرا على النقل، وقادرا على استقبال هذا الشعر الذي جاء من الطرف الآخر. فمثلا: في الوقت الحاضر، الشعر الذي يكتب ويترجم إلى اللغة الأفغانية أو بعض اللغات الافريقية، القارئ العادي لن يفهمها كما ينبغي وهذا ليس ذنبه”.
وعن الاختلاف بين اللغتين الاسبانية والإنكليزية يشرح: “هذا سؤال مهم جداً. الفارق بين اللغتين الإنكليزية والإسبانية، أن اللغة الإنكليزية استطاعت، من خلال الاستعمار وتمددها تحديداً في آسيا والعالم الجديد، أن تشكل ركيزة أساسية لها، وأصبحت لغة التجارة العالمية، والعالم اقتصاد، من هنا أخذت هذا البعد. لكن اللغة الإسبانية لا تقل أهمية إطلاقاً عن الإنكليزية من حيث عدد السكان الذين يتكلمون بها في العالم، فهي اللغة الثانية في امريكا الشمالية، وهناك 450 مليونا يتكلمون بها في العالم، منهم 40 مليونا في الولايات الامريكية، وتعتبر في القديم اللغة الأم. الإنتاج الأدبي الذي تقدمه اللغة الإسبانية في الوقت الحاضر من خلال كتاب أمريكا اللاتينية ومن خلال الكتاب الإسبان، أعتقد أنه يعادل وربما يتجاوز كل ما نعرفه من إنتاج أدبي في العالم.
ونعلم أن ما يسمى بالانفجار الروائي (أو البوم) كما يسمونه، من غارثيا ماركيز، وألليندي، وماريو بارغاس ليوسا وكارلوس فونتِس، هذه اللغة في الوقت الحاضر هي اللغة الثانية، والمهمة بالنسبة إلينا كعرب، فهناك في امريكا اللاتينية أكثر من عشرين مليون متحدر من أصل عربي يتكلمون هذه اللغة ويشعرون بارتباط بتاريخهم وأرضهم وثقافتهم الأصلية ولو من بعيد. وهم يحملون نوعا من الحنين إلى هذه الثقافة التي سمعوا عنها من آبائهم وأجدادهم، وأنا أعتقد أن من المهم جدا أن نؤسس لعلاقات ثقافية مع هذه اللغة ومع البلدان التي تتكلم بهذه اللغة. إسبانيا بلد مهم بالنسبة لنا لأنّ جزءا مهماً من التاريخ الثقافي العربي موجود في إسبانيا، سواء كان هذا التاريخ على المستوى المعماري، أو المستوى الثقافي الفلسفي أو المستوى الشعري، والفقهي والتاريخي. على كل هذه المستويات، وحتى على مستوى التجديد في اللغة، فأول البدايات في التجديد الشعري واللغوي العربي كان في الأندلس، عندما كسرت الموشحات طوق القصيدة العمودية العربية، عندما كسر الزجل في إسبانيا القصيدة العربية وأدخل شيئا من المحكي، لذلك أعتقد أن هذه اللغة مهمة جداً، ولعلها أهم لغة أجنبية في العالم بالنسبة لنا”.
وفاته..
توفى “رفعت عطفة ” في 23 يناير 2023.