أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب
أستاذ العلوم السياسية – جامعة الزاوية – ليبيا
يوم 26/3/2011 رحل الى جوار ربه العالم الجليل والباحث العلمي الأصيل، عالم الآثار البارز الأستاذ الدكتور فوزي رشيد الذي كرس جل سنوات حياته في التنقيب والبحث العلمي في مجال علم الآثار وتاريخ حضارات وادي الرافدين. نرى أن رابطة الصداقة والزمالة تفرض علينا استذكار الراحلين من الأصدقاء الأفذاذ، وفي طليعتهم د. فوزي رشيد رحمه الله.
سيرته الذاتية:
ولد الدكتور فوزي رشيد في بغداد عام 1936 .
اسمه الكامل: فوزي رشيد محمد البرزنجي
اكمل بتفوق كلية الآداب بجامعة بغداد- قسم التاريخ- عام 1960.
حصل على بعثة دراسية لألمانيا (الغربية) إذ انجز الدكتوراه باطروحته عن الخط المسماري بجامعة هاد لبرك عام 1966.
عاد الى العراق ليعمل أستاذاً جامعياً في قسم التاريخ بجامعة بغداد.
شغل وظيفة مدير المتحف العراقي للفترة (1978- 1987).
عاد بعدها للعمل بجامعة بغداد عام 1987.
نظرا لظروف الحصار الاقتصادي الإجرامي الرهيب الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على العراق خلال التسعينيات من القرن الفائت، سافر أستاذنا لليمن للعمل في جامعاتها.
وقدم الى ليبيا عام 1997 وعمل بجامعة السابع من أبريل في الزاوية ثم بجامعة النقاط الخمس في مدينة زوارة القريبة من الحدود التونسية.
إنهيت خدماته من جامعة السابع من أبريل عام 2002 نظرا لبلوغه الحد الأعلى لسن الخدمة وفق القانون الليبي. علماً بأن إدارة الجامعة كانت مرنة ومتساهلة جداً مع الأساتذة العراقييين وخصوصاً الكبار في السن حيث كانت تغض النظر في تدقيق العمر وتقبل رسائل عادية من السفارة العراقية في طرابلس تتضمن تصحيح العمر لكبار السن من الأساتذة أعضاء هيئة التدريس، إذ كان السيد السفير الدكتور علي سبتي الحديثي يقدر ويتفهم ظروف أبناء شعبه ولا يمانع بتزويدهم برسائل تخدم وضعهم الوظيفي والمعاشي.
ذهبت تونس، الجار الغربي لليبيا، في تساهلها أبعد من تساهل الاخوة الليبيين عندما أصدرت قراراً باستثناء الدكتور فوزي رشيد من شرط العمر واستدعته للعمل في جامعاتها عام 2002. عاش الدكتور فوزي رشيد بمفرده في تونس مع بقاء كامل عائلته في ليبيا إذ كانت زوجته أ. راجحة النعيمي تعمل في جامعة الزاوية ثم جامعة زواره وكذلك كريمته السيدة ميسون فهي مدرسة ثانوية ناجحة في تدريس اللغة الإنجليزية. وغالبا ما كانت السيدة راجحة تذهب لزيارته في تونس ومعها بقية افراد الأسرة خصوصا خلال العطلات الصيفية. وكنت أهاتفه (قبل عصر الواتسأب والفايبر) وهو في تونس بين فترة واخرى للإطمئنان على صحته.
بلغ عمره الثمانين عاماً دون أن تنهى خدماته، ولكنه أخذ يشعر بالتعب لكبر سنه وصعوبة حركته الجسمانية وشعوره بالتعب والألم في رجليه أثناء محاولته المشي. مما جعله أن يقدم طلباً خطياً يرجو فيه انهاء خدماته وذلك عام 2010.
فرحة العو دة الى ليبيا: وبمناسبة عودته الى الزاوية عملت له حفل غداء ترحيبي، يستحقه مقام دكتورنا الكبير، وذلك في تشرين الأول عام 2010 في مزرعة الدكتور حسين شفشه الواقعة في منطقة انجيله على أطراف العاصمة طرابلس، وذبحت خروفاً مع دعوة عدد من الأساتذة الأجلاء وعدداً من الأصدقاء الشبان لحضورالمناسبة. وكان نهاراً خريفياً ذو نسمات ربيعية منعشة، صافياً كصفاء روحه الطاهرة. وتضمن الحضور على ما أتذكر الشاعر الأستاذ الدكتور سعيد الفاندي والأستاذ الدكتور علي القصبي وعدد آخر من الأساتذة منهم: محي الدين القمودي والسوري الورشفاني وياسين الجنزوري ورشيد ابو حميره ومحمد ابوسيفي وخالد السنوسي وفتحي شلغوم وغيرهم.
لاحظنا د. فوزي بطئ في حركته أثناؤ المشي وعدم مقدرته بمواصلة التخطي على الرمل فكان يفضل الدوران بمسافات أبعد عند تحركه داخل المزرعة ليسلك أرضاً صلبة لأن الأرض الرملية تتعبه.
وقد لاحظت كما لاحظ الأخوة الليبيون حسرات وتنهدات الدكتور فوزي رشيد العميقة كلما يذكر اسم العراق ولسان حاله يقول: الغربة داء طوعي لا دواء له الا العودة للوطن، ولكن الوطن نفسه اصابته العلل التي تجبر علماءه على الرحيل والتحسر بسبب ما آلت اليه الأمور من قتل وتصفية جسدية للعلماء والأكاديميين من قبل آياد خبيثة خفية.
وفي هذه الجلسة لازلت أتذكر قولاً له ذكره أما الحضور يدل على تواضعه وسمو أخلاقه حيث قال (ماداً يده نحو أذنه): ” هذه أذني للدكتور جعفر عبد المهدي فقد أصاب في استشرافه قبل عشر سنوات، بأن سنجق ما بعد كوسوفو”. وسنشرح للقاريء الكريم القصة، وملخصها:
في عام 2000 صدر كتابنا ( مشكلة سنجق ما بعد كوسوفو)
وبعد مرور سنة أي في عام 2001، قال لي الدكتور فوزي معاتباً بمزح: ” دكتور جعفر لم نسمع الى الآن عن شيء حصل في سنجق؟ فقد مر عام كامل على صدور كتابك ولم يحصل ما توقعت! “.
فأجبته بلطف: ” دكتورنا أنت مرجعنا وحجتنا في التاريخ القديم لا نجرأ أن نعارضك في ترجمة نص سومري لأنه خارج اختصاصنا وهو اختصاصك الدقيق، وإذا كان الحديث عن التاريخ فينطبق بحقك المثل القائل: ( لا أحد يفتي وأبن مالك في المجلس) وأنت يا دكتور بمثابة “أَنْسَنا” في حقل تاريخ الحضارات القديمة، وعليه نرجوك ترك العلوم السياسية لغيرك ذوي الاختصاص).
وفي الأيام الأولى من عودته من تونس شاهد الدكتور فوزي برنامجاً على قناة الجزيرة يتضمن مقابلة مع معمر زوكورليتش رئيس حزب البوشنياك في سنجق يدعو فيه الى انفصال منطقة سنجق عن جمهورية صربيا والاندماج مع جمهورية البوسنة والهرسك. وبعبارة أخر تأكد د. فوزي رشيد حدوث ما توقعنا حدوثه قبل عشر سنوات.
منذ أن تعرفت على هذا العلم عام 1997 عندما كنا نعمل سوية بجامعة السابع من ابريل في مدينة الزاوية الليبية استمرت علاقتنا دون انقطاع حتى عام 2011. وعندما نقول أن د. فوزي رشيد علم فانه بالفعل راية من بيارغ العراق وفارس من فرسان ميادين البحث العلمي. والدكتور فوزي رحمه الله رجل متزن في كلامه وقور رغم بساطته، ودود لم أسمع منه يوماً كلاماً اغتاب به أحد الناس. وخلال الفترة الطويلة بمعرفتي به كانت عراقيته أكبر من كل شيء فلم أعرف مذهبه الديني ولم أعرفً انحداره القومي إلا بعد وفاته إذ سألت عن ذلك كريمته الكبرى الست ميسون، فعرفت منها أن أصله من عشيرة أشراف كردية تقية ومعروفة.
وقد أعجبني ولعه في حب العلم وقراءته بشغف للنصوص البحثية وذلك عندما سلمته مخطوط مؤلفي (الأفكار والمعتقدات الدينية في الشرق القديم) لكي يراجع البند المتعلق بالعراق القديم ، وكنت قد اعتمدت في جزء منه على مؤلفه، (السياسة والدين في العراق القديم). وكنت مكلفاً من قبل إدارة كلية الآداب أن اضع كتاباً منهجياً لمادة الفكر الشرقي القديم لطلاب قسم (الفلسفة والعقائد) الذي كنت رئيسه يومذاك. فوضعت في حساباتي أن د. فوزي سيعيد لي الكتاب بعد أسبوعين نظراً لوضعه العام وكبر سنه، ولكن المفاجأة كانت المجيء الى بيتي، بالمجمع السكني الجامعي في منطقة قمودة في مدينة الزاوية، فأعاد لي مخطوط الكتاب بعد يوم واحد فقط ! وعلية ملاحظاته الرصينة لتي دونها بخط يده على صفحات مشروع الكتاب بأكمله، ولم تقتصر قراءته وتدقيقه على الموضوع المتعلق بالعراق بل شمل كافة الفصول بما فيها الحضارات القديمة، الصينية والهندية والفارسية. قلت له: يا أبو ميسون، يبدو أنك لم تنم الليلة الفارطة بسبب مراجعتك لمسودة الكتاب لأن هذه الملاحظات الدقيقة على متنه وهوامشه تتطلب وقتا طويلاً ربما عدة أيام وليالي وانت قد أنجزت ذلك في ليلة واحدة فقط؟ فاجابني – رحمه الله- انني اتلذذ بدراسات التاريخ القديم كما يتلذذ الطفل بقطعة الحلوى. يا له من جواب جميل رائع من عالم جليل يحب صنعته ويشبهها بفطرة وبراءة الأطفال حينما يتهافتون على قطع الحلوى.
ذاكرة ناشطة:
الدكتور فوزي رشيد يتمتع بذاكرة قوية وخصوصاً فيما يتعلق بتاريخ العراق القديم، والذي أدهشني بهذا العالم أنه يحفظ باتقان تواريخ وأرقام النصوص التاريخية، مثلاً أنه يحفظ تسلسل أرقام مواد شريعة حمورابي عن ظهر قلب، ففي يوم من الأيام كنت أقرأ عليه نصاً يتعلق بعقوبة رجل الأطفاء أثناء الواجب إذا رنت عيناه على أموال صاحب البيت المنكوب فعقوبته أن يقذف رجل الإطفاء هذا في النار، فأخطأت في ذكر رقم المادة فنهض من كرسيه مصححاً وقال: صحح الرقم هذه المادة رقم 25 من شريعة حمورابي.
الأستاذ الدكتور فوزي رشيد هادئ الطبع قليل الكلام ويفضل الاستماع على الحديث عندما يكون خارج إطار إختصصاصه، وهو كثير الكلام مستطرد فيه عندما يكون الحديث عن تاريخ العراق القديم. والذي يستمع له لا يصاب بالملل ولا من ضجر الإستطراد لأن حديثه يغتصب أذني السامع على المتابعة والإنصات لحديثه السلس الممتع. وهذا ما يفسر تشوق تلاميذه وحرصهم على حضور محاضراته بشكل منتظم. وهذا ما يفسر أيضا نجاحه في مهنته التربوية.
كما يزورني باستمرار في بيتي كنت كذلك حريصا لزيارته في بيته، ومن يزوره يلاحظ بجلاء مدى مودته مع أفراد اسرته ومودتهم له ابتداء من زوجته الأستاذة القديرة راجحة – تحمل شهادة الماجستير بنفس اختصاصه – نزولاً لأسباطه.
صديقي د. فوزي رشيد…لا أعرف فوزي رشيد التكريتي:
كان هذا عنوانن مقال نشرته في عدة مواقع الكترونية رداً على رسالة وردت على بريدي الالكتروني مطلع عام 2014 من قاريء سطحي أكال عليَّ الشتائم والسباب لأني ، حسب اعتقاده، مدحت فوزي رشيد التكريتي. يقول في رسالته أنه قرأ سيرتي الذاتية في أحد المواقع وغضب لأني كتبت موضوعاً رثائياً بحق العلامة الراحل فوزي رشيد، فيقول لي هذا القويرء: ” كيف انك يا دكتور ترثي هذا المجرم التكريتي البعثي الذي لطخ يديه بدماء ابناء شعبه…الخ” وينهي رسالته بكيل الشتائم ولعن أمواتي لاني ناصرت المجرمين. لا أعرف عراقياً اسمه فوزي رشيد إلا هذا عالم الآثار الذي زاملته في جامعة الزاوية وعرفته منذ عام 1997 والى قبيل وفاته في الربع الاول من العام 2011.
هرعت للبحث في الكوكل ، فعلمت بوجود محافظ للبصرة بهذا الاسم فوزي رشيد التكريتي وهو قيادي بعثي فارق الحياة بشظية انفجار في سوريا عام 2013. ولا أعرف شيئاً عن الرجل إطلاقاً رحمه لله . …ولله في خلقه شؤون يا أيها السطحيون. كنت قد هاجرت من العراق مطلع عام 1981 فلم اعرف أسماء المحافظين ولا مدراء النواحي.
التواصل مستمر:
وعلى الصعيد الشخصي، استمرت زياراتي له بعد عودته من تونس اخذت أزوره بشكل مكثف في بيته الواقع في أحد زقاق شارع عمر المختار الى جانب أسواق الأصقع في مدينة الزاوية. وقد لاحظت عليه علامات الوهن الجسدي بفعل الكبر وتأكدت منه شخصياً بأنه غير معتل بمرض. كان يشكو فقط من عدم قابليته للوقوف على قدميه لمدة طويلة وصعوبة يعانيها أثناء المشي، وأخذ في أيامه الأخيرة -قبل الأحداث الليبية – يضع كرسياً يجلس عليه في مدخل الزنقة التي يسكنها. وفي أحدى الزيارات لبيته رافقني صديقي الليبي الأستاذ جمال الصيد اشكندالي مدير المعهد الصحي، الذي انبهر في أسلوب حديثه واهتمامه بالعلم ومواصلة البحث العلمي رغم حالة الكبر التي يمر بها. فقد تحدث عن دموزي وزواجه من الإلهة إنانا، وقال أن التاريخ في بلاد ما بين النهرين يكرر نفسه ضمن دراما شعبية تتسم بطابع ثيولوجي، وأن فكرة (ديموزي) من جانب الدلالة اللغوية يعني، العلا- العالي في السماء- العلو الذي لا يدانيه علو في حين أن معنى (إنانا) مانعة الحليب أي الأم التي تفطم رضيعها. وهنا يشدد د. فوزي رشيد بأن شخصية علي وفاطمة هي تكرار في المشهد العراقي عبر حقب التاريخ السحقيق وحضاراته العملاقة مرورا بالعهد الاسلامي.
وقد لقنت الأخ جمال بان يسأله بعض الأسئلة المحددة المتعلقة بالأرقام والألوان، فسأله صديقي الضيف عن دلالة الرقم ثلاثة فاخذ يتحدث نصف ساعة عنه، وأصابع يده تشير الى الوجه فالعينان والأنف تشكل تثليث واضح وكذلك المنخران والفم ثم أشار الى تثليث يقع أسفل الحجاب الحاجز. وتحدث كثيراً عن الرقم سبعة عندما سأله عنه، وأجاب. بعد ذلك عن دلالة اللون الأسود؟ فأجاب باستفاضة عن هيبة ومكانة اللون الأسود فالقضاة يلبسون ملابس سوداء وحكام الرياضة يلبسون الأسود وسيارات الرؤساء والملوك سوداء ومفهوم السيادة، سيادة الدولة وسيادة الزعيم والسادة أصحاب النسب الشريف له صلة بالموضوع …الخ.
يلاحظ جلساء الدكتور فوزي رشيد ان الرجل سريع البداهة لبق في اختيار مفردات حديثه ويشكل خاص إذا كان الحديث يدور حول حضارات العراق وتاريخه القديم. وبهذه المناسبة أود أن أذكر بهذا الشأن ما قرأته عنه في صحيفة الصباح التونسية في عددها ليوم 24/2/2008 إذ تم استعراض محاضرة ألقاها الدكتور فوزي رشيد في المنتدى الثقافي بمدينة صفاقس التونسية، وقد جاء في الصحيفةالمذكورة: ( تحدث الدكتور فوزي رشيد بتلقائية كبيرة في محاضرته عن جوانب من حضارة العراق القديم تتعلّق بالفكر الحضاري و بعده الإنساني ، فركّز على ثلاثة محاور هامّة هي : المرأة في المجتمع و الدين ، و الخلود و الحرّية، و أعتبر في البداية أن حضارة العراق حضارة عميقة أفرزت بعض الممارسات منها اعتماد بعض ما أسماه بقوانين السحر ، فأشار إلى أن اليد اليمنى أقوى من اليد اليسرى، و هي ظاهرة حضارية في اعتقاده ،و شعر المرأة أطول من شعر الرجل و الصلع الذي يصيب الرجال فقط، ثم خلص إلى الحديث عن مسألة التشابه ، فالخير لا يأتي منه إلا الخير و الشر لا يأتي منه إلا الشر، وأشار إلى أن المرأة أصبحت زعيمة الطقوس الدينية و الزراعية، فأطالت شعرها لاعتقادها بأن لديها البعض من صفات الآلهة…). والذي شد انتباهي في الموضوع عفوية إجابات فقيدنا عن اسئلة الحضور وملاحظاتهم المتعلقة بمحاور المحاضرة، فقد علق احد الحاضرين قائلا: ( الأساطير المتعلقة بالمدن وظاهرة اهتمام المرأة بالزراعة ليست ظاهرة عراقية، إنّما هي ظاهرة إنسانية ، وكذلك ظاهرة الشعرالطويل الموجودة لدى بعض الرجال). ويبدو أن لسان حال المعلق أو السائل يشير الى عدم الاقرار بالمرجعية التاريخية لنشوء وتطور الزراعة، وأن طول شعر المرأة لا يعني شيئاً، فعندنا مثلاً بعض الشباب طويلي الشعر. يبدو أن السيد المعلق أراد إثارة المحاضر في عدم قناعته بجوهر المحاضرة. ولكن الدكتور فوزي رشيد أجاب إجابة فورية ومفعمة، فقد رد قائلاً: ( إن الزراعة ظاهرة إنسانية فعلاً ولكن من اين انطلقت؟ لقد انطلقت من العراق مهد الحضارات، فهي إذن ظاهرة عراقية بالأصل والولادة . أما الرجال أصحاب الشعور الطّويلة والأقراط و الأساور فلا ننكر وجودهم في جميع حضارات وادي الرافدين فهم من ” الخصيان “و قد كانوا وقتها يكلّفون بحماية نساء الملك ).
عودته لأرض الوطن:
أنقطعت صلتي بفقيدنا الغالي قبل شهر من موته وذلك يوم من يوم مغادرتنا ليبيا في 24/2/2011 إذ سافرت على متن الخطوط الجوية اليوغسلافية وبصحبتي عائلتي الى العاصمة الصربية بلغراد – وذلك بسبب الأحداث التي عصفت في ليبيا، وفي بلغراد علمت بوفاته عن طريق مكالمة هاتفية من الدكتور صفاء داود الصفار، ويبدو ان الدكتور المرحوم قد غادر طرابلس الى بغداد بعد سفري لصربيا بأسبوع واحد على متن الرحلات الجوية العراقية التي أُجبرت الحكومة العراقية على ارسالها لاجلاء الرعايا العراقيين من هذا البلد. (الاجبار كان بسبب المطالبات الشعبية الكثيفة لانقاذ الرعاية العراقيين العالقين في ليبيا وانتشالهم من الوضع الخطير هناك). وأشعر أن موعد رحيله عن هذه الدنيا كان ينتظره على أرض الرافدين التي كرس كل حياته لكشف عظمة حضاراتها الانسانية الراقية.وبرحيل زميلنا الدكتور فوزي رشيد يودع العراق والعراقيون عملاقا اكاديميا في مجال الآثارشأنه شأن العديد من العلماء العراقيين الذين عجلت غربتهم موعد رحيلهم عن الدنيا بفعل المكابدة والاجواء النفسية التي تلازمهم وهم خارج وطنهم الحبيب فليس من الغريب أن يعشق علماء العراق عراقهم. ويبدو أن لسان حالهم يسأل: هل من محب يتلذذ بعيش بعيدا عن حبيبته؟
من انتاجه العلمي:
فقيدنا الدكتور فوزي رشيد أغنى المكتبة العراقية والعربية بكم نوعي من المؤلفات في مجال التاريخ القديم، بالاضافة الى العديد من البحوث العلمية المنشورة في المجلات الأكاديمية. ومن كتبه المنشورة:
قواعد اللغة السومرية
قواعد اللغة الأكدية
طه باقر- حياته وآثاره
ظواهر حضارية وجمالية من التاريخ القديم
الشرائع العراقية القديمة
السياسة والدين في العراق القديم
علم المتاحف
الفكر عبر التاريخ
السلسلة الذهبية للاطفال
سرجون الآكدي أول امبراطور بالتاريخ
الملك حمورابي مجدد وحدة البلاد
آشور أفق السماء-
كتاب الأمير كوديا
نرام سن ملك جهات العالم الأربع
ابي سن آخر ملوك سلالة أور الثالثة
فقيدنا الغالي الأستاذ الدكتور فوزي رشيد سلام لروحك الطاهرة في يوم رحيلك.
أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب
أستاذ العلوم السياسية – جامعة الزاوية – ليبيا