الجزيرة الأميركية في الجسد العراقي .. “فورين بوليسي” ترصد أحوال كُردستان في ذكرى 20 عامًا على الغزو !

الجزيرة الأميركية في الجسد العراقي .. “فورين بوليسي” ترصد أحوال كُردستان في ذكرى 20 عامًا على الغزو !

وكالات – كتابات :

بعد عشرين عامًا من الغزو العسكري الذي قادته “الولايات المتحدة”؛ لـ”العراق”، غالبًا ما يُنظَر إلى “إقليم كُردستان العراق”، شّبه المستقل، باعتباره: “جزيرةً من الوعود الديمقراطية والتنمية الاقتصادية؛ في شرق أوسط غير ليبرالي”. لقد أيد أكراد “العراق” بشدة إسقاط “الولايات المتحدة”؛ للرئيس العراقي “صدام حسين”، واستمروا في اعتبار ذلك تطورًا إيجابيًا.

لطالما حارب أكراد “العراق”؛ “بغداد”، من أجل تقرير المصير، وقوبلت جهودهم في الغالب بقمعٍ شديد. ومنذ تسعينيات القرن الماضي؛ كان أكراد “العراق” شركاء مقربيّن لـ”الولايات المتحدة” ودول غربية أخرى، ويعملون معًا للإطاحة بـ”صدام”، ومن ثم تنظيم (داعش). وبينما يتفق معظم المراقبين على أن الاحتلال الأميركي “العراق” لم يجعل “العراق” أكثر ازدهارًا أو ديمقراطية، بدت “كُردستان العراق” نقطة مضيئة في الفوضى التي أحدثها تغييّر النظام، كما تزعم مجلة (فورين بوليسي) الأميركية.

لكن الأمور تبدو قاتمة اليوم، المؤسسات السياسية في المنطقة ممزقة بسبب الانقسامات الحزبية، والقادة الذين يُحرمون المواطنين من حرية التعبير. ويدفع التفاوت الاقتصادي الراسّخ وانعدام الفرص بموجاتٍ من المهاجرين إلى البحث عن حياة أفضل في الخارج.

هل بدأ نموذج “كُردستان العراق” الذي مكّنه الغرب في الانهيار ؟

تُعد الحياة اليومية لمعظم أكراد “العراق”، خاصة في المدن الصغيرة، مثل: “جمجمال”، التي تقع بقرب احتياطيات كبيرة من “الغاز الطبيعي”، بعيدة كل البُعد عن حياة النخبة ذات العلاقات السياسية التي تعيش في مشاريع سكنية فاخرة في “أربيل والسليمانية”. وغالبًا ما يتجاهل هذا التميّيز الدبلوماسيون الغربيون، والزوار الذين يجتمعون بانتظام مع مسؤولي الحزب، وقادة الأعمال والشباب الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الخاصة.

إذا علّمت حرب “العراق” وتداعياتها؛ الأميركيين، أي شيء، فهو أن العلاقات الغربية مع المنطقة يجب أن تعكس مصالح شعبها، وليس مصالح قادتها السياسيين. الديمقراطية والوحدة وتقرير المصير هي طموحات راسّخة للشعب الكُردي، وثلاثة عقود من الدعم الخارجي المكثف لم تُسّاعدهم حتى الآن على تحقيق هذه الأهداف بشكلٍ كامل، كما تقول (فورين بوليسي).

وفي الوقت الذي تواجه فيه “كُردستان العراق” أزمة في الشرعية الديمقراطية، يجب على الغرب استخدام نفوذه وقدراته الكبيرة لمحاسّبة القادة الأكراد العراقيين على الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، بدلاً من تعزيزها من خلال الدعم العسكري والسياسي المتواصل، بحسّب المجلة الأميركية.

بينما تجاهلت الحكومات الغربية؛ إلى حدٍ كبير، أن حملة “الأنفال”؛ لـ”صدام”، في الثمانينيات، كانت أكثر دعمًا لأكراد “العراق” في أعقاب حرب الخليج، وأقامت منطقة حظر طيران لحمايتهم من الهجمات الجوية. ونشأت مؤسسات الحكم الذاتي الكُردية في أوائل التسعينيات.

ومكَّن الغزو الذي قادته “الولايات المتحدة”؛ من ظهور “كُردستان العراق” على المسرح العالمي بشّكلها الحالي. وتأسس في العام 2005؛ برلمان وقضاء جديدان، بموجب الدستور العراقي الجديد، الذي طُوِّرَ بدعم أميركي وأجنبي واسّع.

تمتلك حكومة “إقليم كُردستان” أيضًا مجموعة كاملة من الوزارات ذات صلاحيات كبيرة، وتتمتع المنطقة بعلاقاتها الخارجية وقواتها الأمنية وجيشها، المعروفين باسم: (البيشمركة). ويجري التعامل مع جميع شؤون الحكم تقريبًا من قبل مؤسسات حكومة “إقليم كُردستان”، وليس تلك الموجودة في “بغداد”، تقول (فورين بوليسي).

إدارة مزدوجة تُمزق “كُردستان العراق”..

لكن في الواقع؛ تقع السلطة على عاتق الحزبين الحاكمين في المنطقة: الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني). ويُسيّطر الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) على محافظتي: “دهوك وأربيل” – والأخيرة هي عاصمة “كُردستان العراق” – ويُهيّمن (الاتحاد الوطني الكُردستاني) على “السليمانية”.

وفي كل منطقة؛ يكون مسؤولو الحزب مسؤولين عن وضع السياسة، يُنظر إلى الاتصالات الحزبية على أنها مفتاح للحصول على وظيفة وبدء عمل تجاري وكسّب نزاعات قانونية، و(البيشمركة) وقوات الأمن في كل منطقة لها انتماءات حزبية أيضًا.

قالت “نياز عبدالله”، الصحافية من “أربيل”، إنه وفقًا لقانون حكومة “إقليم كُردستان”: “لا ينبغي أن يكون للأحزاب السياسية قوات مسّلحة”، لكن هذا الحظر يتم تجاهله بشكلٍ صارخ في الممارسّة العملية، وأضافت: “عندما ينشأ أي نزاع بين الأحزاب السياسية، هناك خطر مباشر لحدوث نزاع مسّلح”.

لطالما كانت الشراكة بين الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني) معقدة. نشأ (الاتحاد الوطني الكُردستاني) كفصيل منشّق عن الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)؛ في السبعينيات – وهو انقسام نتج عن مزيج من العوامل الشخصية والسياسية – وخاض حربًا أهلية وأدار دويلات منفصلة خلال التسعينيات. خلال هذا الوقت، عّانى الأكراد العراقيون مما يُسّمى: بـ”الحظر المزدوج”، حيث قام المجتمع الدولي بتقيّيد التجارة مع نظام “صدام”، ما منع المسّاعدات والاستثمار لـ”كُردستان العراق”.

صراع وتنافسّ قديم جديد..

اتفق الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني) ظاهريًا على تنحية التنافسّ الذي دام عقودًا بعد رحيل نظام “صدام”، من أجل التوحّد في ظل حكومة “إقليم كُردستان” الجديدة.

ولعبت “الولايات المتحدة” دورًا رئيسًا في التوسط في إنهاء هذه الحرب الأهلية، وتشجيع الوحدة الكُردية في “عراق ما بعد البعث”، لكن زواج الضرورة هذا أسفر دائمًا عن نتائج متباينة، أصبحت علاقة العمل بين الحزبين مختلة بشكلٍ متزايد منذ الانتخابات الإقليمية الأخيرة في 2018، والتي شهدت ظهور جيل جديد من القادة أقل اهتمامًا بالبراغماتية، وأكثر اهتمامًا بالمصالح الذاتية الفئوية.

قال “فرهاد ممشاي”؛ الذي نشأ في “جمجمال”، وهو الآن مرشح لدرجة الدكتوراه في التخطيط والحوكمة والعولمة في جامعة “فيرجينيا” الأميركية للتقنية، لمجلة (Foreign Policy) الأميركية، إنه بينما اعتاد الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني) على تقسّيم السلطة والمواقف بالتسّاوي على المسّتوى الإقليمي، فإن الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)؛ منذ عام 2018، سّعى ليُصبح قوةً لا منازع لها في “كُردستان العراق”.

وبحسّب “ممشاي”؛ اختلف الطرفان مؤخرًا في عدة خلافات كبيرة، بما في ذلك كيفية تقاسّم الإيرادات الداخلية من المعابر الحدودية والضرائب، وكيفية إدارة صناعة النفط والغاز، والعلاقات مع “بغداد”. أدت هذه الانقسّامات أيضًا إلى تعطيل عملية إصلاح (البيشمركة) لجعلها قوة قتالية موحدة وغير سياسية وحديثة.

عجز الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني) عن التوصل إلى اتفاق بشأن قانون انتخابي جديد، ما أدى إلى تأجيل الانتخابات الإقليمية التي كان من المُقّرر إجراؤها، في تشرين أول/أكتوبر 2022، ومدّدا فترة ولاية “برلمان كُردستان” بشكلٍ مُثيّر للجدل، حتى كتابة هذه السطور لم يتبنّ “برلمان كُردستان” مشروع قانون انتخابي جديد.

عواقب خطيرة تُهدد مستقبل “كُردستان العراق”..

هذه الخلافات على مسّتوى النخبة لها عواقب حقيقية، لا سيما أن “كُردستان العراق” تُعاني من أزمة مالية طويلة. منذ عام 2014، تحملت المنطقة وطأة التقلبات الشدّيدة في أسعار النفط، ونزاعات الميزانية مع الحكومة الفيدرالية العراقية، والحرب ضد تنظيم (داعش)؛ وجائحة (كوفيد).

في العام الماضي؛ واجهت السلطات في “السليمانية” صعوبة في دفع رواتب موظفي القطاع العام، ما تسّبب في اصطفاف موظفي الحكومة الغاضبين خارج مراكز التوزيع للحصول على المال. تُوفِّيَ العديد من المتقاعدين وهم ينتظرون في الطابور لتحصيل مدفوعات الإعانات.

تعتبر حكومة “إقليم كُردستان” والمؤسسات الحكومية الأخرى؛ إلى حدٍ بعيد، أهم أرباب العمل في المنطقة، والجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد تسّير ببطء. قدر تقرير صُدر عام 2018؛ عن المنظمة الدولية للهجرة، أن: 47% من الأسر في “كُردستان العراق” تضم على الأقل شخصًا واحدًا يعمل في القطاع العام. ثلاثة أرباع النساء العاملات موظفات في الحكومة.

ووفقًا لـ”منظمة العمل الدولية”، يبلغ متوسط البطالة في “كُردستان العراق” حوالي: 16%. لكن النسّبة أعلى بكثير بين الشباب، إذ إن حوالي ثُلث الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين: (15) و(24 عامًا) ليسوا في التعليم أو العمل أو التدريب. النساء أكثر عرضة للبطالة من الرجال في جميع الفئات العمرية.

الأكراد العراقيون محدودون في كيفية الرد على الاحتكار الثنائي المختل بين الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني). أحزاب المعارضة في “كُردستان العراق” منقسّمة وضعيفة للغاية. تدعو حركة (التغيير)، المعروفة باسمها الكُردي: (كوران)، إلى برلمان أكثر قوة، وإلى تفكيك الاحتكار الثنائي الحاكم، وكانت قد هددت بإزاحة (الاتحاد الوطني الكُردستاني)؛ في “السليمانية”، قبل عقد من الزمن.

يُقيّد كل من الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) و(الاتحاد الوطني الكُردستاني) حرية التعبير داخل مناطق سّيطرتهما، ويمنعان بالقوة الاحتجاجات من الحدوث. يتعرض الصحافيون الأكراد العراقيون للاعتقال بشكلٍ منتظم أو يُمنَعون من تغطية الأخبار، وقد قامت هيئة رقابية محلية بارتكاب: 431 انتهاكًا على الأقل العام الماضي.

الهجرة أصبحت خيار كثيرين في “كُردستان العراق”..

في مواجهة الحريات السياسية المقيَّدة وانعدام الفرص الاقتصادية، يشعر العديد من الأكراد العراقيين بأن أفضل خيار لهم هو الهجرة. ووفقًا لمؤسسة (القمة)، وهي منظمة غير حكومية مقرها “السليمانية”، يُغادر عشرات الآلاف من الأشخاص “كُردستان العراق” كل عام، ويتجه العديد منهم إلى “أوروبا”. والمأساوي أن العديد من المهاجرين من “كُردستان العراق” علقوا على الحدود بين: “روسيا البيضاء” و”بولندا”، أو غرقوا في “القناة الإنكليزية”.

في شباط/فبراير، حذر القنصل العام لـ”الولايات المتحدة”؛ في “أربيل”، من: “التراجع في مجالات حقوق الإنسان، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وسيّادة القانون، والمعاملة المتّساوية للنساء، وتكافؤ الفرص لأعضاء مجتمع الأقليات في كُردستان”. والنتيجة هي خيبة أمل سياسية عميقة بين أكراد “العراق”.

إن العجز الديمقراطي والخلل الاقتصادي في “كُردستان العراق”؛ هما نتاج لأعمال قيادتها السياسية القائمة على المصلحة الذاتية. يجري تمكيّن هؤلاء القادة من قبل المسؤولين الغربيين، الذين يُشيّدون بشكلٍ روتيني بعلاقتهم: “الخاصة والقوية” مع “أربيل”، ولكن نادرًا ما يوبخون علنًا انتهاكات شركائهم وسوء الإدارة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة