تقاليد الثياب المتوارثة لدى المجتمع العراقي وخاصة الجنوبي، ليس تركة الأجداد للآباء كي يرثها الأبناء، بل هي بصمات الصالحين لأكثر من ألف عام.
لكل حاضرة بشرية او تجمع سكاني ان كان مدني او ريفي او بدوي، زي ولباس خاص به يمزه عن باقي المشتركات، السكانية، ويعتبر هوية التعريف يفاخر به الآخرين، وهذا ما دأبت عليه البرية منذ الخليقة الأولى، وقد تطور اللباس مع نضوج البشر وحسب الوجود المناخي والجغرافي، فطرأت متغيرات عديدة على لون العباءة والسروال وطال القميص وأحيانا قصر، ودخلت خياطات والبسة متعددة، وانشغل الإنسان بأفضلها موثقا للتاريخ.
رغم الحوادث والتعديلات الكثيرة التي قلبت العديد من شكليات الرداء والبزة، ألا ان هناك كساء بقت ثابته ولم تتغير، فمثلا غطاء الرأس تغير لأكثر من مرة في بعض الدول العربية، من قبعة دائرية وإلى نصف دائرية وإلى مستطيلة عمودية (الطربوش) ومنها الى طاقية, ولم تستقر في بعضها إلى الآن، وبقي هذا الغطاء يتغير شكله مع تقلبات بيئة ذلك العالم السياسي والاقتصادي، إلا غطاء الرأس في المناطق العراق ما يزال ثابت منذ اكثر من الف عام، ولم يتغير مع تنوع الحكومات.
حيث يعتبر العقال والشماغ مثالا للقواعد القيمية، وليس لثوابت غطاء الرأس، بيد انه اقترن وجود العقال والشماغ الأبيض المرصع بالسواد، ايقونة الحكمة والشرف والكرم والغيرة والجهاد، وهي أصول العشائر العراقية الكريمة، وخير ذكر لذلك كانت ثورة العشرين، التي ما ان ذكرت إلا وجاء في نجاحها سجل تاريخ العشائر الجنوبية، التي أسقطت سلاح العصر في حينه المدفع والدبابة، واستمرت صولات العقال والشماغ في مقاومة وإسقاط الانظمة المخالفة، على مدار مئة عام، واخرها كان في ردع عصابات داعش عام 2014، اذ انبرت العشائر بخوذ الشماغ والعقال بالقضاء عليه واستئصاله من أرض العراق، وللشماغ والعقال جانب آخر في حل مشاكل وخلافات المجتمع، والتي توازي بهذا الدور القضاء العراقي, حينما تعود اليها كثير من المشاكل التي تعجز الحكومة في حلها.
نتيجة لما ورد أعلاه من مزايا خاصة بالشماغ الجنوبي وعقاله، وتماشيا مع سياسة الحرب الناعمة, وفي محاولة فاشلة من الإعلام الوهابي المخالف لأهل الجنوب، و بتوجيه من الشيطان الأكبر، عمدت فضائيات واقلام الدول والطوائف المتضررة من لمعان نجم الجنوب, الى العمل جاهدة على سلخ ثقافة الجنوب، وذلك بأعمال درامية وبرامج ساخرة تلفزيونية، تحوي صور كاذبة عن البخل او الجهل او الإجرام في اوساط العشيرة، محاولة منها ترك انطباعات سيئة في اذهان الشباب, حتى تساهم في نفور المجتمع من هويته الاصيلة, والبحث عن هوية معادية لواقعه الموروث.
إن الشماغ والعقال مهما حاولت شياطين الإنس تسخيفه، يبقى رمز الجهاد والشرف ليس للجنوب العراقي فقط، بل لمحور المقاومة الإسلامية, والكوفية مذكرة الأعداء دائماً بهزائمهم في غرب اسيا وأفغانستان واليمن وفلسطين.