خاص: إعداد- سماح عادل
“مي الصايغ” شاعرة وقيادية في منظمة التحرير الفلسطينية وناشطة من غزة، فلسطين، عرفت باهتمامها بالقضايا السياسية والاجتماعية والفكرية والدفاع عن قضايا المرأة الفلسطينية والعربية.
حياتها..
ولدت “مي الصايغ” في مدينة غزة عام 1941 لملاك الأراضي موسى الصايغ أحد كبار مصدري البرتقال الفلسطيني إلى أوروبا، وحين قام الإنجليز عام 1930 بالسماح لليهود بإنشاء مستعمرة “بيار تعبيا” في منطقة المجدل (عسقلان) قام موسى الصايغ ومجموعة من أصدقائه بإحراق المستوطنة، اعتقل على أثرها وحكم عليه بالإعدام فأضربت غزة بالكامل، مما شكل ضغطا كبيرا على حكومة الانتداب البريطاني التي اضطرت إلى الحكم عليهم بالبراءة وخروجهم، لكنه ما لبث أن فارق الحياة بعد أن أصيب بجلطة قلبية توفي على إثرها عام 1950.
والدتها “هند فرح” كاتبة ومناضلة فلسطينية نشأت يتيمة إلا أنها برعت في الشعر والخطابة ومارست العمل النضالي، زرعت في قلوب أبنائها حب القضية والتضحية من أجلها.
درست الفلسفة وعلم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة القاهرة، انضمت عام 1966 لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في العاصمة الأردنية عمّان. وأصبحت عضوا في المجلس الثوري لحركة فتح، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1973.
شاركت في تأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وشغلت منصب الأمينة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ما بين عامي 1971 و1986، وأصبحت عضوا في المكتب الدائم للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي من عام 1975 وحتى عام 1982.
واصلت “مي” الانتساب إلى النقابات والاتحادات الفلسطينية فأصبحت عضوا في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ومثّلت دولة فلسطين في لجنة المرأة في الأمم المتحدة، ومثّلت المرأة الفلسطينية في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والدولية. وقادت الجهود النسائية الشعبية لدعم صمود الشعبين الفلسطيني واللبناني أثناء حصار بيروت عام 1982 من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
الكتابة..
اكتشفت موهبتها في الكتابة في المدرسة كتبت حينها إنشاء جميلا كانت تأخذه مدرسة اللغة العربية وتقرأه على الصفوف العليا، وبدأت محاولاتها الأولى في كتابة الشعر بتشجيع من والدتها ومن الأستاذ جمال عابدين أستاذ اللغة العربية، إذ قالت لها والدتها يوما: إذا كتبت فاكتبي شيئا مختلفا لا بد أن يكون في الكلام حرارة تميزه عن العادي البارد وإذا قلتي شعرا فقوليه بكل جوارحك وإذا غنيت فغني حتى ينشق الهواء. في سنتها الثانية في جامعة القاهرة ألقت شعرا أمام “يوسف السباعي” وأعجب بقصيدتها ونشرها في اليوم التالي على الصفحة الأخيرة من جريدة الجمهورية مرفقا بصورتها، ودعاها “علي هاشم رشيد” مدير إذاعة صوت فلسطين إلى قراءتها في الإذاعة ثم فتح أمامها ميكرفون الإذاعة لقراءة كل ما تكتبه فيما بعد. كتبت الشعر والرواية في آن وحظيت أعمالها باهتمام دولي كبير مثل مجلة فلسطين الثورة، والآداب لبنان، وأقلام العراق.
تنقلت بين العديد من البلدان لعدة ظروف ودخلت معترك الحياة السياسية مبكرا، انتمت لحركة فتح في عمان عام 1968. أصبحت عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني لمنظمة التحرير منذ 1973. شغلت منصب الأمينة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية 1971 ـ 1986. شاركت في أسرة تحرير (فلسطين الثورة). عضو المكتب الدائم للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي منذ 1975_1982. شاركت منذ عام 1975 في مؤتمر التنمية والمساواة والسلام في مختلف دوراته المنعقدة في برلين وباريس وهافانا ونيويورك وموسكو وبغداد.
أعمالها..
مجموعاتها الشعرية:
- إكليل الشوك، دار الطليقة، بيروت، 1969.
- قصائد منقوشة على مسلة الأشرفية، منشورات فتح، عمان، 1971 (بالاشتراك).
- قصائد حب لاسم مطارد، دار العودة، بيروت، 1974.
- عن الدموع والفرح الآتي، المؤسسة العربية للنشر، وزارة الإعلام، بغداد، 1975.
الروائية والسيرة:
- الحصار (سيرة ذاتية)، المؤسسة العربية للنشر، بيروت، 1988.
- بانتظار القمر، المؤسسة العربية للنشر، عمان، 2001.
- قضايا المرأة
- دراسات حول المرأة، الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، بيروت، 1981.
- كتاب المرأة العربية والفلسطينية، الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، بيروت، 1981.
الأوسمة والجوائز..
- وسام البطلة الكوبية (أنا بيتا نكور) من الرئيس الكوبي فيدل كاسترو.
- جائزة القدس للثقافة والإبداع تشرين الأول 2013.
- جائزة اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية.
- وسام نجمة القدس من رئيس دولة فلسطين محمود عباس بتاريخ 2009/05/21 تقديرا لجهودها المخلصة من أجل إبراز قضية شعبها.
- وسام من لعمان – وكالة سند للأنباء.
ليت هندا لم تعد..
في مقالة كتبها عنها “جورج جحا” يقول: “الشاعرة الفلسطينية مي الصايغ في مجموعتها الأخيرة (ليت هندا لم تعد) تكتب بشغف وبشعر موح مركزة على وطن يسكنها كما يسكن فلسطينيين أبعدوا عنه وآخرين يقيمون في قسم منه ويكادون لا يسكنونه فعلا.
هند كما يظهر لنا هو اسم والدة الشاعرة التي ربتها على محبة هذا الوطن وعلى الأمل الذي يجب ألا ينقطع بالنسبة اليه. والشاعرة هنا استعارت بعض عنوان مجموعتها من اسم امها والبعض الآخر من قول لشاعر عربي شهير يتحدث فيه عن الوعود التي لا تتحقق”. ويضيف: “تكتب الصايغ شعرا حديثا لا يتخلى عن الأوزان والقوافي المتعددة ولا عن الإيقاع الموحي والصور الحافلة بالواقع وبالحلم أيضا. في قراءة شعرها الموزع بين هند الأم وبين الوطن قد نتذكر لوحة فنية لجبران خليل جبران لوجه سيدة هي أمه أسماها “وجه أمي وجه أمتي””.
شعر المقاومة..
في ندوة شعرية قالت “مي الصايغ” تناولت فترة السبعينيات من القرن الماضي وأدب المقاومة وإن اختلفت طبيعة النقاشات بين المرحلتين وفي طبيعة المقاومة. وقرأت العديد من قصائدها ومنها “الدخول إلى غزة” و”ولا تذكريني”، وبعدها تحول النقاش والأسئلة الموجهة لها نوعا من الدردشات ومحاولة من الجمهور لسبر أسرارها. حيث طالبت بإعادة الثقة إلى أدب المقاومة، معتبرة بعض التهويمات في الشعر والأدب هروب من المعركة، وأن هناك حاجة حقيقية لخلق واقع جديد”.
وقالت: “في بداية الثورة كتبوا عن شعر المقاومة، عن شعر منظمة التحرير للانتقاص من قيمته، ولكن كتابه غيروا من هذه النظرة، مطالبة بشعر يؤكد قيم المقاومة وإن تغيرت أدواته، وهناك الكثير من إبداعات شعر النثر في هذا المجال:.
وأكدت على الحاجة لهذا النوع من الشعر لأن الجيل الجديد في الخارج غير معني بكل ما يحصل هنا، حتى أنه لا يريد أن يسمع، متسائلة عن دور اتحاد الكتاب في ذلك، متسائلة أين هو الاتحاد؟
وأضافت: “ما زالت صورة فلسطين في الخارج صورة وردة في كتاب شعر، لكنها في الواقع مثخنة بالجراح والقتل والحواجز. غسان كنفاني في “عائد إلى حيفا” كتب عن عودة نظرية، كتب بصورة شاعرية، ولكن نحن حين نكتب عن العودة نكتب عن فرح ناقص، نعبر فيه عن الواقع وأي كاتب مهمته تربية الأمل كما قال درويش.
إن العمل النسوي والشعر في مسيرتها هما عمل متكامل، يكمل كل منهما الآخر، وإن جاء أحدهما على حساب الآخر في بعض المراحل، مذكرة أن العمل في الاتحاد العام للمرأة جاء على حساب الشعر في بيروت.
إن العمل في الاتحاد شكل أساسا حقيقيا لمفاهيم ورؤى في نضال وتحرر المرأة من خلال مشاركتها في النضال، وإن تغيرت المرحلة، أملة أن يعود زخم العمل في الاتحاد إلى سابق عهده بعد هذا المؤتمر الخامس.
وفاتها..
توفيت “مي الصايغ” عن عمر يناهز (82 عامًا) في العاصمة الأردنية عمّان.
قصيدة “للنشيد الطويل”
مي الصايغ
للنشيد الطويل الذي يفرغ الآن،
رجع كما النزف….لحناً فلحناً
ولكن وجه المدينة أصفر
والغيم يبرأ من لعنة الأرض.
…مر الزمان سريعاً…
وعما قليل سأنفضُ عني غبار الطريق
وأنزعُ مني رماد الكلام.
أسوي فساتين أمي التي علقتها
قُبيل الرحيل
فلا من معادٍ
أسوي الأسرة
أجمع عنها سهاد الليالي
وأحلامنا في حشايا الوسائد.
أحرقُ وجداً،
أمرق وعداً قديماً،
قُبيل انتشار الجيوش التي
سوف تغتال أسرارنا في الأزقة
إذ تحفظ الأمن للفاتحين..
***
أخبئ كيسا من الذكريات الحبيبة
كنا نزين فيها هواء البيوت
أهرب موجاً صغيراً
يحب المسافة بين المياه وبين الشطوط،
ولحنا قديماً
“بلاد الجدود عليك السلام”
لعل الذي كان يوماً لنا
لن يكون.
أهرب صورة (موسى) أبي عن جدار (اللوانٍ)
فما خدش الوقت لون الجسارة في بؤبؤ العين،
خلف حياد الزجاج
وما احتواها الزمان
وما اعترتها السنين
****
أصدق أن الزمان تفتت
أن الجدار الذي أسند الروح لا يعبأ الآن،
ان المواقد لا تتذكر خبز الصباح
إذا يعتليها الغياب
ولا تتذكر إنشاد أمي (هند)
لتشعل وجه النهار
ويصعد لحن النشيد دفيئاً إلى الله
في نكهة الشاي
أن المعاني تُغادرُ
أن راياتنا تخفقُ الآن للغاصبين
***
وعما قليل سيأتي زمانٌ
يُعري عن الحلم أشواقنا، زهرةً، زهرةً.
ويمنعُ شمس النهار بأن تستحم مساءً
على صفحة البحر
يمنعُ بدر السماء بأن يتسلل من فتحة الباب
يكسر فيناً غداً لا يجيء
***
وعما قليل يجف الكلام
وتيبسُ في قلبنا الذكريات
لننسى بأن (اتفاق السلام)
الوادع الأخير لتاريخنا نجمة نجمة
في مدار العصور.
وننسى بأنا نُغادر فردوسنا
منزلاً منزلاً
في احتفال المغنين بالرقص فوق القبور
وفق اليقين
****
أما كان حلوا بأن يسكن البحرُ فينا
ونفتح أبوابنا للرياح
ونأتي كما الغيم نحملُ فينا
وعوداً من الخير للقادمين؟؟
***
ولم يبق هذا السلامُ سلاحاً لنا،
كي نموت على جذعه واقفين.
فداء شعاع شفيف على شاطئ البحر
عن طلنا،
عن بنفسج صبح المدينة في آخر الصيف،
ذعر الهواء البليل
ارتعاش الزنابق تحت الرصاص،
نجوم تظلل أرواحنا في الهجوم
فهاذ انتحارُ الحضارة منذ ابن ماء السماء
آخر زهرة فل تُفتحُ عبر القرون.