يبدو أن الغرب ” قرر حقا محاربة روسيا حتى آخر أوكراني ليس بالقول فقط بل بالأفعال” ، بهذه الكلمات ، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على النوايا البريطانية بإمداد أوكرانيا بالدبابات ، بقذائف مشبعة باليورانيوم المنضب ، خطوة واجهتها روسيا برد قوي وسريع ، من قبل الرئيس الروسي نفسه ، الذي وجه تحذيره المباشر للغرب ، من أن روسيا ستضطر للرد إذا بدأ الغرب الجماعي في استخدام أسلحة ذات مكون نووي ، وكذلك تحذير وزير الدفاع سيرغي شويغو ، من أن موسكو ستفكر بجدية بالرد على الإمدادات البريطانية الموعودة لأوكرانيا ، تلك الأسلحة التي استخدمها الناتو سابقًا في يوغوسلافيا السابقة ، وقال “سنفكر بجدية في كيفية الرد على هذا”.
البارونة البريطانية أنابيل غولدي ، نائبة وزير الدفاع في المملكة المتحدة ، أعلنت إن المملكة ستزود أوكرانيا ، إلى جانب مجموعة من دبابات القتال تشالنجر 2 ، بالذخيرة ، بما في ذلك القذائف الخارقة للدروع التي تحتوي على اليورانيوم المنضب ، وقالت في رد مكتوب على سؤال ذي صلة من عضو مجلس اللوردات ريموند جوليف: “مثل هذه المقذوفات فعالة للغاية ضد الدبابات الحديثة والعربات المدرعة“ ، خطوة ، علق عليها نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، عبر خلالها عن قلق الأمم المتحدة بشأن استخدام اليورانيوم المنضب في أي مكان ، وقال “أعربنا منذ سنوات عن قلقنا بشأن أي استخدام لليورانيوم المنضب، بالنظر إلى عواقب مثل هذا الاستخدام”.
والحديث يدور عن قذائف من عيار خارق للدبابات، وتسمى أيضًاBOPS باختصار. وهي ظاهريا، تبدو أشبه بمخل حاد مع ريش. كما يطلق عليها أحيانًا اسم ذخيرة حركية ، حيث تتمتع هذه القذائف بقدرة اختراق عالية ، فكلما كان قلب أو سبيكة هذه المقذوفة أقوى، كان اختراقها أفضل للدروع ، وأظهرت الدراسات أن سبيكة اليورانيوم المستنفد مع التيتانيوم قوية للغاية ، نعم. هي، لا تنشر إشعاعات، لكنها شديدة السمية ، والحقيقة أن الغبار الناعم منها، والذي يتشكل عندما تواجه عائقًا، يدخل الجهاز التنفسي للإنسان، وهذا ضار جدًا ، ومن حيث المبدأ، استنادا إلى مفهوم روسيا لاستخدام الأسلحة النووية في الرد، يمكن اعتبار هذا استخدامًا لأسلحة ضدها، ربما لا تكون نووية تمامًا، ولكنها تتسبب أضرارا جسيمة.
وبلغت قيمة المساعدة العسكرية البريطانية لأوكرانيا العام الماضي نحو 2.3 مليار جنيه (2.8 مليار دولار) ، وعلى وجه الخصوص ، تم إرسال أكثر من 10000 نظام صاروخي مضاد للدبابات من NLAW ، وأكثر من 200 مركبة مدرعة وأنظمة إطلاق صواريخ M270 المتعددة وصواريخ Brimstone عالية الدقة ، بالإضافة إلى ذلك ، قام المدربون البريطانيون بالفعل بتدريب أكثر من 10000 عسكري أوكراني كجزء من الدورات التدريبية ، كما تم تقديم مساعدات إنسانية واقتصادية قدرت سلطات المملكة بنحو 1.5 مليار جنيه (1.86 مليار دولار) ، هذا العام ، تعتزم لندن تخصيص 2.3 مليار دولار على الأقل للمساعدة العسكرية لأوكرانيا.
وفي الوقت الذي أثارت كلمات البارونة البريطانية البهجة بين القوميين الأوكرانيين ، إلا أن الدبلوماسية الروسية شددت من جانبها ، على أن لندن “فقدت اتجاهاتها من حيث أفعالها، وهو ما يقوض الاستقرار الاستراتيجي حول العالم”، وأشار وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى أن المملكة المتحدة مستعدة لتحمل ليس فقط المخاطر، ولكن أيضا جرائم الحرب ، وعلى أن “الناتو” ، فقد الاتصال بالواقع، والبريطانيون، بأفعالهم، يعرضون حياة الأوكرانيين العاديين للخطر، وأنه إذا تم تزويد كييف بمثل هذه القذائف الخاصة بالمعدات العسكرية الثقيلة لحلف “الناتو” واستخدامها، “ فإن موسكو سترد بشكل مناسب” ، بحسب تعبير رئيس الوفد الروسي في المحادثات بفيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلح كونستانتين غافريلوف ، في حين وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خطط لندن لنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف بـ “السيناريو اليوغوسلافي” ، وان “هذه القذائف لا تقتل فحسب، بل تصيب البيئة وتسبب الأورام، هذا يمكن أن يؤدي إلى تلوث بيئي وانتشار لأمراض السرطان“.
ولم يقتصر الامر على الأمم المتحدة وحدها ، فقد وصفت النائبة عن حزب اليسار الألماني سارة فاغنكنيخت ، خطط بريطانيا لنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا ، ووصفتها بأنها “جريمة” ، حيث أظهرت الدراسات أن استخدامه يلوث البيئة ويسبب السرطان بين السكان المدنيين والجنود ، ودعت السلطات الألمانية إلى اتخاذ موقف واضح من هذه القضية ، كما أدانت منظمة “حملة نزع السلاح النووي”، التي تأسست عام 1957، وهي منظمة بريطانية مناهضة للأسلحة النووية ، قرار لندن بنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف، مشددة على أن القرار يؤدي إلى زيادة معاناة المدنيين ، ودعت الأمينة العامة للمنظمة، كاثرين هدسونمرارا وتكرارا حكومة المملكة المتحدة إلى وقف استخدام أسلحة اليورانيوم على الفور، وتمويل الأبحاث حول آثارها الصحية والبيئية على المدى الطويل ، وقالت ” كما كان الحال في العراق، فإن نقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف على المدى الطويل لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة المدنيين المحاصرين في الصراع”.
مرة أخرى تحاول بريطانيا والولايات المتحدة ، تذكيرنا بجرائهما في الحروب ، فجريمة قصف العراق بهذه الأسلحة المشبعة باليورانيوم المنضب ، وفق استنتاجات العلماء ، أن الحربين الدوليتين بقيادة الولايات المتحدة على العراق في عامي 1991 و2003، قد تركتا إرثا وخيما على صحة المدنيين العراقيين بشكل عام، وزيادة في السرطانات والتشوهات الخلقية لدى المواليد بشكل خاص ، ولازالت آثارها مستمرة حتى اليوم ، ويوضح الدكتور كاظم المقدادي في كتابه تحت عنوان “التلوث الإشعاعي والمضاعفات الصحية لحروب الخليج” ، أنه أُطلقت على العراق ، كمية هائلة من ذخائر اليورانيوم .
لقد خلفت هذه الهجمات أكثر من 2200 طنا متريا من اليورانيوم المنضب، وهذا اليورانيوم المنضب الذي استعمل في العراق ، يساوي في ذريته ما يعادل 250 قنبلة ذرية، وهذا وفقا لما قدره البروفسور ياغازاكي Katsuma Yagasaki من الهيئة العلمية في جامعة ريوكيوس في أوكيناوا في اليابان ، وأشار المقدادي ، الى أن العقدين الأخيرين ، شهدا انتشارا للأمراض السَرطانيّة في المجتمع العراقي على نحو كارثي، وبلغت الإصابات السَرطانيّة أكثر من مليون إصابة مُسجّلة رسميا، وما زال العدد يرتفع باستمرار ، ويموت من هذه الإصابات سنويا ما يتراوح بين 10 آلاف و12 ألف شخص، وهناك عشرات آلاف الإصابات والوفيات سنويا غير المسجلة.
وطرأت تغيرات كبيرة على وبائية الأمراض السرطانية في المناطق التي استخدمت فيها أسلحة اليورانيوم، ولاحظ الأطباء عقب حرب الخليج 1991 الكثير من الحالات الغريبة لدى أبناء وبنات المناطق التي تعرضت للقصف، خصوصا في محافظات البصرة وميسان والناصرية، ومنها ، كثرة حالات الإجهاض المتكرر والولادات الميتة ، وظهور حالات من التشوهات الولادية الرهيبة وغير المعروفة من قبل ، وانتشار العقم لدى رجال ونسا ، وانتشار الحالات السرطانية وسط عوائل لم يصب أحد منها من قبل، وأحيانا أكثر من فرد في العائلة الواحدة ، وإصابة المريض الواحد بأكثر من حالة سرطانية (2 و3 وحتى 4 حالات) في آن واحد ، بالإضافة الى انتشار أمراض سرطانية وسط أعمار غير الأعمار المعروفة طبيا، مثل سرطان الثدي لدى فتيات بعمر 10 و12 سنة، وسرطانات أخرى نادرا ما تصيب شريحة الأطفال ، وارتفاع الإصابات السرطانية والوفيات بالسرطان بنسب عالية جدا، بلغت أضعاف ما كانت عليه قبل عام 1989.
وفي يوغوسلافيا السابقة ، تسببت الأخبار في الغضب والحيرة ، فقد أدى استخدام قذائف اليورانيوم المنضب خلال عدوان الناتو إلى مقتل مدنيين وقتل جنود الناتو المشاركين في العملية ، وخلال هجوم 1999 على صربيا ، تم إلقاء 15 طناً من اليورانيوم المنضب في قذائف ، بعد ذلك ، احتلت البلاد المركز الأول في عدد أمراض الأورام في أوروبا ، في السنوات العشر الأولى بعد القصف ، أصيب حوالي 30 ألف شخص بالسرطان في الجمهورية ، توفي منهم 10 إلى 18 ألفًا ، وقد أثبتت الحرب في يوغوسلافيا بالفعل أن مثل هذه القذائف تشكل خطورة على أولئك الذين يستخدمونها ، وليس فقط على أولئك الذين يتم استخدامها ضدهم ، كما يقول الرئيس السابق لقسم المعاهدات الدولية بوزارة الدفاع الروسية ، الفريق الاحتياطي يفغيني. بوزينسكي ، “لا يزال التلوث الإشعاعي في المنطقة يحدث ، وإن كان صغيرًا”.
والغريب والحالة هذه ، هو ذلك ” الصلف ” البريطاني ، و ” استخفافه ” بالرأي العام العالمي ، ومحاولة لندن تبرير ” جريمتها ” ، واعتبار وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، أن تزويد أوكرانيا بقذائف تحتوي على اليورانيوم المنضب “ليس تصعيدا نوويا للصراع” ، وقوله “لا يوجد تصعيد نووي. الدولة الوحيدة التي تتحدث عن الجوانب النووية هي روسيا”، مضيفا أن لا يوجد تهديد، و”الأمر يتعلق فقط بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها” ، وهو ما يشكل تحول خطير في التصعيد الغربي ضد روسيا .
على أي حال ، في الرأي العام – ليس فقط في روسيا ، ولكن أيضًا في الغرب – يعتبر الارتباط بهذه الأسلحة أمرًا سلبيًا ، وعبر الكثير من دعاة حماية البيئة عن غضبهم بشكل خاص ، ويرى الخبراء العسكريون من جانبهم ، ان الخطوة البريطانية ، يمكن ان تكون بسبب نفاذ القذائف العادية ، وأصبحت المستودعات فارغة ، لذلك قرر البريطانيون إرسالها – بسبب نقص القذائف ، لذا فإن توريد ذخيرة اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا سينتهي بشكل سيئ بالنسبة للندن وحدها ، وبرأي وزير الخارجية سيرغي لافروف ، فإن لندن من خلال القيام بذلك تظهر استعدادها لتحمل “ليس فقط المخاطر ، ولكن انتهاكات القانون الإنساني الدولي” ، ويعني قرار لندن بالنسبة للكثيرين ، أن العالم قد اقترب خطوة واحدة من تصادم نووي – وما زالت أمامه “خطوات أقل وأقل” ، وهكذا قال وزير الدفاع سيرغي شويغو ، “هذا يدفعنا إلى التفكير بجدية في المسار الإضافي للأحداث ، والذي يمكننا الرد به“.