خاص: قراءة- سماح عادل
يحكي الكتاب عن أحوال الشعب الهندي، وينتقل إلى الحديث عن الأنشطة الاقتصادية التي يكان يمارسها الهنود مفصلا القول عن ثراء الهند. وذلك في الحلقة الخامسة والستين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
حياة الشعب..
انتقل الكتاب الى الحكي عن حياة الشعب الهندي: “لم تتلق تربة الهند بذور المدنية عن رضى، فقد كان شطر عظيم منها تغطيه الغابات تسكنها وتذود عنها سباع ونمور وفيلة وثعابين وغيرها من الكائنات الفردية غير الاجتماعية التي تزدري المدنية على مذهب روسو؛ فقام صراع حيوي لانتزاع الأرض من هذه الأعداء، ودام الصراع متخفياً وراء ستار الحركات الاقتصادية والسياسية جميعاً؛ فقد كان “أكبر” يصيد النمور بالقرب من “مأثورة” ويمسك بالفيلة المتوحشة في أماكن كثيرة تخلو منها اليوم خلواً تاماً؛ وقد كنت تصادف الأُسْد إبان العصور الفيدية أينما سرت في الشمال الغربي من الهند أو في أجزائها الوسطى.
أما اليوم فلا يكاد يوجد في شبه الجزيرة كلها؛ لكن الثعبان وصنوف الحشرات لا تزال هناك ماضية في حربها؛ ففي سنة 1926م فتكت الحيوانات المفترسة من الهنود بما يقرب من ألفين (من بين هؤلاء 875 قتلتهم النمور الضارية في أرجاء البلاد)، أما سم الأفاعي فقد أودى بعشرين ألفاً من الهنود ذلك العام”
الزراعة..
ويواصل عن الزراعة في الهند: “ولما خلصت الأرض على مر الزمن من الكواسر، تحولت إلى حقول يزرع فيها الأرز والقطاني والذرة والخضر والفواكه؛ فلقد رضيت الكثرة الغالبة من السكان خلال الشطر الأعظم من تاريخ الهند بعيش متواضع قوامه هذه الأغذية الطبيعية، وكانوا يجففون اللحم والسمك والطيور لطائفتي المنبوذين والأغنياء، ولكي يجعلوا طعامهم أشهى- أو ربما أرادوا معونة أفروديت- زرعوا وأكلوا مقداراً غير مألوف في سائر البلاد من التوابل، مثل البهار الهندي والزنجبيل والقرنفل والقرفة؛ ولقد صادفت هذه التوابل تقديراً عظيماً عند الأوربيين حتى لقد انطلقوا في البحار سعياً وراءها فوقعوا على نصف الكرة الأرضية الذي كان مجهولاً.
مع أننا جميعاً نظن أن أمريكا قد كشفت لتكون للحب مسرحاً؛ كانت الأرض في العصور الفيدية ملكاً للشعب في الهند ومنذ أيام “تشاندرا جوبتا موريا” أصبح العرف بين المُلاَّك أن يطالبوا لأنفسهم بملكية الأرض كلها، ثم يؤجرونها للزراع مقابل أجر وضريبة يدفعان كل عام وكان الري في العادة من واجبات الحكومة، ولقد ظل أحد السدود التي شيدها “تشاندرا جوبتا” حتى سنة 150، وما نزال نشاهد آثار القنوات القديمة في شتى أرجاء الهند، كما نشاهد آثار البحيرة التي احتفرها احتفاراً “راج سنج”- راجبوت رانا في موار- لتكون خزاناً لمياه الري (1661م) وأحاطها بحائط من المرمر طوله اثنا عشر ميلاً”.
المعادن..
وعن استخراج المعادن يضيف: “والظاهر أن قد كان الهنود أول شعب استنجم الذهب فيحدثنا هيرودوت والمجسطي عن “النمل الكبير الذي يحفر الأرض طلباً للذهب، وهو أصغر قليلاً في حجمه من الكلاب، لكنه أكبر من الثعالب” وقد عاون هذا النمل عمال المناجم في إخراجهم للذهب، وذلك حين يخدش الرمل فيظهر الذهب الدفين ولقد كانت الهند مصدراً لكثير من الذهب الذي استخدم في امبراطورية فارس في القرن الخامس قبل الميلاد، كذلك استنجمت هناك الفضة والنحاس والرصاص والقصدير والزنك والحديد.
وكان استنجام الحديد في وقت باكر من التاريخ إذ كان في سنة 1500 ق.م؛ وارتقت صناعة طرق الحديد وصبه في الهند قبل ظهورها المعروف لنا في أوربا بزمن طويل، فمثلاً أقام “فكرامادتيا” (حوالي سنة 380م) في دلهي عموداً من حديد ما يزال محتفظاً ببريقه حتى اليوم، بعد أن انقضى عليه خمسة عشر قرناً؛ ولا يزال سر احتفاظه ببريقه من عوامل الصدأ والتآكل، الذي يرجع إلى نوع المعدن ذاته أو إلى طريقة طرقه وصبه، ما يزال سر ذلك لغزاً يحير علم المعادن الحديث؛ وقد كان صهر الحديد في أفران صغيرة توقد بالفحم من كبرى صناعات الهند قبل الغزو الأوربي لتلك البلاد لكن هذه الصناعة الهندية لم تصمد لمقاومة مثيلتها في أوربا، لأن الثورة الصناعية في أوربا علمتها كيف تؤدي هذه الصناعة بنفقات قليلة وعلى نطاق واسع؛ ولم يعد الناس من جديد إلى استغلال الموارد المعدنية الغنية في الهند واستكشافها إلا في يومنا هذا”.
زراعة القطن..
ويفصل الكتاب عن زراعة القطن: “وظهرت زراعة القطن في الهند في عصر سابق لظهوره في أي بلد آخر، والأرجح أنه كان ينسج قماشا في “موهنجو دارو” يقول هيرودوت في نص هو أقدم ما بين أيدينا من مراجع عن القطن، يقول في جهل ممتع: “وهناك أشجار حوشية تثمر الصوف بدل الفاكهة، وصوفها يفوق صوف الأغنام جودة وجمالاً؛ ويصنع الهنود ثيابهم من هذه الأشجار”؛ فلما شن الرومان حروبهم في الشرق الأدنى، عرفوا هذا “الصوف” الذي تثمره الأشجار؛ وروى لنا الرحالة العرب الذين زاروا الهند في القرن التاسع بأنه “في هذه البلاد يصنع الناس أثواباً يبلغون بها درجة من الكمال لا تصادف لها مثيلاً في أي مكان آخر. فهي من الحياكة والغزل على درجة من الرقة تسمح لك أن تنفذ الثوب من خاتم متوسط الحجم”.
ونقل العرب في العصر الوسيط هذا الفن عن الهند، ومن الكلمة العربية “قطن” أخذنا نحن كلمتنا الانجليزية وكلمة “موسلين” أطلقت بادئ ذي بدء على الغزل الرقيق الذي كان يصنع في الموصل على غرار النماذج الهندية؛ وكذلك كلمة “كالكو” (أي البفتة) أطلقت على مسماهما لأن هذا الصنف من القماش جاءنا لأول مرة (1631م) من مدينة كلكتا الواقعة على الشواطئ الجنوبية الغربية.
ويحدثنا “ماركوبولو” عن “جوجارات” في سنة 1293م فيقول: “إنهم هنا يطرزون بالوشي على نحو من الدقة لا يبلغه أي بلد من بلاد العالم”، وما تزال “شيلان” كشمير، و”سجاجيد” الهند شاهدة حتى اليوم على براعة النسج الهندي من حيث حبك الديباجة وتصميم الزخارف، على أن النسج لا يعدو أن يكون واحداً من صناعات يدوية كثيرة في الهند، والنساجون إن هم إلا فئة واحدة من فئات الصناعة والتجارة التي أشرفت على تنظيم الصناعة في الهند وإخضاعها لقواعد وأصول.
الصناعة..
ويكمل عن الصناعة في الهند: “ونظرت أوربا إلى الهنود نظرتها إلى الخبراء في كل ضروب الصناعة اليدوية تقريباً، صناعة الخشب وصناعة العاج وصناعة المعادن وتبييض القماش والصباغة والدبغ وصناعة الصابون ونفخ الزجاج والبارود والصواريخ النارية والإسمنت وغيرها، واستوردت الصين من الهند مناظير سنة 1260م؛ ويصف لنا “برتييه” الرحالة الذي جاب الهند في القرن السابع عشر يصف لنا الهند بأنها تطنّ بأصوات الصناعة طنيناً؛ وكذلك رأى “فتشي” سنة 1585م أسطولاً من مائة وثمانين مركباً تحمل متنوعات شتى من السلع على نهر جمنة.
وازدهرت التجارة الداخلية، حتى لقد كانت جوانب الطرقات، وما تزال، أسواقا للبيع والشراء؛ وأما تجارة الهند الخارجية فهي من القدم مثل تاريخها فهناك آثار وجدناها في سومر وفي مصر تدل على تبادل تجاري بين هذين القطرين والهند، وفي عهد ليس أحدث تاريخاً من سنة 3000 ق.م، وازدهرت التجارة بين بابل والهند عن طريق الخليج الفارسي بين عامي 700 و 480 ق.م؛ ومن يدري فلعل “العاج والقردة والطواويس” التي جاء بها سليمان، إنما جاءت من المورد نفسه وعن نفس الطريق”.
التجارة..
ويحكى عن التجارة: “وأخذت سفن الهند تشق البحار إلى بورما والصين في عهد “تشاندرا جوبتا”؛ وازدحمت أسواق الهند “الدرافيدية” بالتجار اليونان الذين أطلق عليهم الهنود اسم “يافنا” (الآيونيين)، وكان ذلك في القرون التي سبقت والتي لحقت مولد المسيح؛ وكذلك اعتمدت روما في أيام ترفها المادي، على الهند في استيراد التوابل والعطور والدهون، ودفعت أثماناً عالية فيما ابتاعته من الهند من حرير ووشي وموصلي وأثواب الذهب، حتى لقد اتهم “بلني” روما بالإسراف لأنها كانت تنفق كل عام خمسة ملايين دولار على ما تستورده من الهند من أسباب الترف.
وكانت روما تستعين كذلك بالفهود والنمور والفيلة التي تأتي بها من الهند، على إقامة ألعابها في المصارعة، وتأدية طقوس القرابين عند الكولوسيوم؛ وما حاربت روما الحروب البارئية إلا ليظل لها طريق التجارة إلى الهند مفتوحاً؛ ثم حدث في القرن السابع أن استولى العرب على فارس ومصر، ومنذ ذلك الحين، أخذت التجارة بين أوربا وآسيا تمر خلال أيدي المسلمين، ومن ثم قامت الحروب الصليبية، وظهر كولمبس؛ وانتعشت التجارة الخارجية من جديد في ظل المغول؛ ولهذا ازدهرت بالغنى مدينة البندقية ومدينة جنوا وغيرهما من المدن الإيطالية، بسبب قيامها بما تقوم به الموانئ للتجارة الأوربية مع الهند والشرق؛ وإن النهضة الأوربية لتدين للثروة التي جاءت بها هذه التجارة، أكثر مما تدين للمخطوطات التي جاء بها اليونان إلى إيطاليا”.
التجارة في البحر..
ويتابع الكتاب: “وكان “لأكبر” إدارة بحرية تشرف على بناء السفن وتنظم حركة الملاحة في المحيطات، فاشتهرت موانئ البنغال والسند ببناء السفن، وبلغت تلك الموانئ بهذه الصناعة حدا من الاتقان حدا بسلطان القسطنطينية أن يصنع سفنه هناك بدل صناعتها في الإسكندرية، لقلة النفقات هناك؛ بل إن “شركة الهند الشرقية” ذاتها بنت كثيراً من سفنها في موانئ البنغال.
واستغرق تطور النقد الضروري لتيسير هذه التجارة عدة قرون؛ ففي أيام بوذا كانت قطع النقد مستطيلة الشكل غليظة الصنعة، وكانت تصدرها سلطات اقتصادية وسياسية مختلفة، ولم تصل الهند إلى مرحلة النقد الذي تضمن الحكومة قيمته إلا في القرن الرابع قبل الميلاد، بتأثير فارس واليونان؛ فأصدر “شرشاه” قطعاً نقدية جميلة الشكل من النحاس والفضة والذهب، وجعل الروبية العملة الأساسية في أرجاء المملكة”.
النقود..
وعن سك النقود المعدنية يشرح: “وفي عهد “أكبر” و “جهان كير” كانت قطع النقود في الهند أرقى من مثيلاتها في أية دولة أوربية حديثة من حيث تصميم شكلها من الوجهة الفنية، وصفاء معدنها، وكما كانت الحال في أوربا في العصور الوسطى، كذلك كانت في الهند في تلك العصور، مع أن نمو الصناعة والتجارة قد عاقته هنا وهناك كراهة دينية للربا.
يقول المجسطي: “إن الهنود لا يقرضون مالهم بالربا ولاهم يعرفون كيف يقترضون؛ وإنه لمما يجافي الأوضاع المقررة عند الهندي أن يقترف الخطأ في حق غيره أو أن يحتمل الإيذاء من غيره، ولهذا تراهم لا يبرمون عقوداً ولا يطلبون الضمانات”.
فإذا ما عجز الهندي عن استغلال ما ادخره في مشروعاته التي يقوم بها بنفسه آثر أن يخفيه أو أن يشتري به جواهر لكونها ثروة يسهل إخفاؤها، ولعل عجزهم هذا عن اصطناع نظام ييسر القروض كان مما عاون “الثورة الصناعية” أن تمهد سبيل السيطرة الأوربية على آسيا؛ ومع ذلك فعلى الرغم من كراهة البراهمة للاقتراض، أخذت عمليات الاقتراض تزداد شيئاً فشيئاً، وكانت نسبة الربح تختلف باختلاف الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها المقترض، من اثني عشرة إلى ستين في المائة، وكان المتوسط في جملته عشرين في المائة، ولم يكن الإفلاس يتخذ وسيلة لتصفية الديون، وإذا مات مدين عن دين، كان على أبنائه وأبناء أبنائه إلى الجيل السادس أن ينوبوا في الوفاء بذلك الدين”.
الضرائب..
وعن الضرائب يواصل: “وفرضت ضرائب باهظة على الزراعة والتجارة تدعيماً لأركان الحكومة، وكان على الفلاح أن يتنازل من محصوله عن مقدار يتراوح بين سدسه ونصفه، وكذلك فرضت ضرائب كثيرة على تبادل السلع وإنتاجها كما كانت الحال في أوربا في عصورها الوسطى، وفي أوربا في عصرنا القائم؛ جاء “أكبر” فرفع ضريبة الأراضي إلى ثلث المحصول، لكنه لقاء ذلك ألغى كل صنوف الضرائب الأخرى؛ ولئن كانت هذه الضريبة على الأرض باهظة، إلا أن من حسناتها أنها كانت ترتفع مع ازدهار المحصول وتهبط مع الأزمات؛ وإذا ما أصيبت البلاد بمجاعة، فقد كان الفقراء على الأقل يموتون دون أن تفرض عليهم الضرائب؛ ولم تخل البلاد من سني المجاعة حتى في أيام “أكبر” ذات الرخاء (1595- 1608)، والظاهر أن مجاعة سنة 1556م أدت بالناس إلى أكل اللحوم البشرية وإلى الخراب الشامل؛ إذ كانت الطرق رديئة والمواصلات بطيئة الحركة، فلم يكن يسيراً على فائض منطقة من المناطق أن يطعم أخرى مما أصيب بالقحط”.
التفاوت الطبقي..
وينتقل الى التفاوت الطبقي في المجتمع الهندي: “وكما هي الحال في كل أرجاء العالم، كان في الهند إذ ذاك تفاوت واسع بين الفقر والغنى، ولكنه لم يبلغ اليوم في الهند أو أمريكا؛ ففي أسفل السُّلَّم كانت هناك أقلية صغيرة من العبيد، ويتلوهم صعوداً فئة “الشودرا” الذين لم يكونوا عبيداً بقدر ما كانوا مأجورين على عملهم، ولو أن منزلتهم الاجتماعية كإجراء كانت تُوَرَّث، كما هو الحال في سائر المنازل الاجتماعية بين الهنود؛ وكان الفقر الذي وصفه “الأب دِبْوَا” (1820م) نتيجة الخمسين عاماً من الفوضى السياسية، ولو أن حالة الشعب في ظل المغول كانت مزدهرة نسبياً، فلئن كانت الأجور متواضعة تتراوح بين ما يساوي ثلاث سنتات (السنت عملة أمريكية تساوي مليمين) وتسعاً كل يوم في عهد “أكبر” إلا أن الأثمان كانت بخسة بما يقابل تلك الأجور القليلة؛ ففي سنة 1600م كانت الروبية (وهي تساوي في المتوسط 5ر32 سنت) تشتري 194 رطلاً من القمح أو 287 رطلاً من الشعير؛ وأما في سنة 1901م فلم تكن الروبية تشتري إلا 29 رطلاً من القمح أو 44 رطلاً من الشعير.
ولقد وصف الحالة إنجليزي سكن الهند في سنة 1616م فوصف “وفرة المواد كلها “بأنها” وفرة عظيمة جداً في طول البلاد وعرضها”. ثم أضاف إلى ذلك قوله: “إن كان إنسان هناك في مستطاعه أن يجد زاده من الخبز في وفرة لا تعرف قحطاً”. وقال إنجليزي آخر طاف بالهند في القرن السابع عشر: “إن نفقاته كانت تبلغ في المتوسط أربع سنتات كل يوم””.
ثروة الهند..
وعن الثراء والثروات يضيف: “بلغت ثروة البلاد ذروتها في عهد “تشاندرا جوبتا موريا” و”شاه جهان” فقد ضربت الأمثال في أرجاء العالم كله بثروة الهند في ظل ملوك “جوبتا”؛ وصور “يوان شوانج” مدينة هندية بقوله إنها جميلة تزينها الحدائق وأحواض الماء، ومعاهد الآداب والفنون، “وسكانها من ذوي اليسار وبينهم أسر على ثراء عظيم؛ وتكثر بالمدينة الفاكهة والأزهار. وللناس مظهر رقيق يلبسون أردية الحرير اللامعة؛ وحديثهم واضح يوحي بالمعاني، وهم منقسمون نصفين متعادلين، نصف يتبع الأرثوذكسية في الدين، ونصف آخر يمقت هذه الرجعية الدينية”، ويقول “إلْفِنْستون”: “إن الممالك الهندية التي ثل المسلمون عروشها كانت من الثراء بحيث كَلَّ المؤرخون عن ذكر ما غنمه الغزاة هناك من جواهر هائلة المقدار ونقود كثيرة”.
ووصف “نِكُولو كونتي” ضفاف الكنج (حوالي سنة 1420م) فقال إنها تمتلئ بصف من المدن الزاهرة واحدة في إثر أخرى، وكلها حسن التخطيط غني بالحدائق والبساتين والفضة والذهب والتجارة والصناعة؛ وكانت خزينة “شاه جهان” مفعمة بما فيها حتى لقد احتفر تحت الأرض غرفتين قويتين، سعة كل منهما 000ر150 قدماً مكعبة، وتكاد تمتلئ بالفضة والذهب ويقول “فنسنت سمث”: “إن الشواهد المعاصرة لذلك الزمن لتقطع باليقين الذي لا يعرف الشك أن سكان الحضر الذين كانوا يسكنون أهم المدن، كانوا من ذوي اليسار”، ووصف الرحالة مدينتي “أجرا” و”فتحبور سكرى” بأن كلاً منهما أعظم من لندن وأعرض منها ثراء؛ ولقد ألفى “أنكتيل دوبرون” نفسه حين طاف بأقاليم “الماهاراتا” سنة 1760م “وسط العصر الذهبي ببساطته وسعادته.. فقد كان الناس باسمين أقوياء وفي صحة جيدة”.
وزار “كلايف” مرشد أباد سنة 1759م فقال إن تلك العاصمة القديمة للبنغال تساوي لندن التي عرفها في عصره مساحة وعدد سكان وثراء، وفيها من القصور ما لا تقاس إليه قصور أوربا، ومن الأغنياء رجال لا يدنو منهم غنيٌّ في لندن، ويقول “كلايف”: “كانت الهند قطراً لا ينفد ثراؤه”، ولقد حاكمه مجلس النواب على الإسراف في الأموال التي اغتصبها لنفسه، فدافع كلايف عن نفسه في براعة، إذ جعل يصف الغنى الذي وجد نفسه محاطاً به في الهند- فمدنٌ غنية تعرض عليه أي مبلغ أراد ليجنيها من فوضى النهب، وأغنياء يفتحون له أسراباً تكدس فيها الذهب والجواهر أكداساً أكداساً ليأخذ منها ما أراد، ثم ختم دفاعه قائلاً: “إنني في هذه اللحظة أقف هاهنا دهشاً كيف قنعت بالقليل الذي أخذت”.