لقد اصاب عالم الاجتماع المصري الاستاذ سعد الدين إبراهيم كبد الحقيقة عندما كتب بأن “الغرب شجع جميع الحركات الإسلامية المتعصبة والتي عارضت كل مجالات التقدم والتغيير … لآن هذا النوع من الإسلام لا يشكل أي خطر على الغرب ، بل على العكس من ذلك، عزز مصالحه وأهدافه”. وربما يتهيء للبعض بأن هنالك مواجهة بين الغرب من جهة و الحركات ألآسلامية الراديكالية من جهة أخرى, لكن الواقع هو أن الحركات ألآسلامية هذه تتحرك دائمأ كرد فعل ضمن أطار الفعل الغربي ومناوراته. والطامة الكبرى هي أن هذه الحركات بدأت تجسد وتفسروتعيد تركيب الدين ألآسلامي الحنيف ليخدم أغراضها في “الكفاح ضد قوى الشر والكفر” كما تعتقد وهي في حقيقة ألآمر أسيرة هذه القوى وأداتها الطيعة لعكس أسوء ما يمكن تصوره عن العرب و ألآسلام والمسلمين بل وأخذوا يحاربون شعوبهم ويدمروا بلدانهم نيابة عن الغرب. وبذا خدموا الصهيونية والقوى العنصرية اليمينية الغربية بشكل لم تكن تحلم به على ألآطلاق. لهذا لايمكن فهم هذه الحركات ألا من خلال فهم ألآخر (أي القوى الغربية والصهيونية العالمية) ودراسة أهدافه وطرق تفكيره.
لقد درس عالم النفس ألآجتماعي الدكتور جاك شاهين ألامريكي الجنسية و اللبناني ألآصل أكثر من ألف فلمأ أنتجتها “هولى وود” خلال طيلة القرن الماضي والتى أستهدفت المسلمين والعرب منهم بشكل خاص من خلال طرحها العنصري الذي حاول (وقد نجحوا بشكل بعيد) لخلق صورة نمطية سيئة للآنسان العربي في العالم أجمع. اما الحركات الراديكالية ألآسلامية فقد نجحت وبتفوق مدهش وخلآل عشرين سنة فقط في مسخ وبأمتياز صورة العربي والمسلم.
أود التنويه بدور الدين في العالم العربي وبشكل خاص في المغرب العربي لمقارعة ألآستعمار في عهد ماقبل ألآستقلال و لنأخذ فقط حرب التحرير الوطنية الجزائرية باعتبارها حالة نموذجية من المقاومة المناهضة للاستعمار حيث تزايد عدد المساجد وأزداد تمسك المرأة بالحجاب كرمز و تأكيد على الهوية الوطنية و رفض التغلغل الاستعماري. والمعادلة كانت بسيطة: هل يجوز للمسلم السكوت على غير المسلم الذي يحتل دار ألآسلام. ألاجابة كانت جلية و صارخة وهي أن فعل المسلم ذلك فأسلامه ناقص. في المشرق العربي كانت الصورة اكثر تعقيدأ بحكم وجود الدولة العثمانية الذي جعل النضال من أجل ألآستقلآل يأخذ منحأ أخر وهو تصاعد الشعور القومي العربي و ألآيمان بالوحدة العربية خاصة بعد تقسيم القوى الاستعمارية المشرق العربي فيما بينها قبل وبعد الحرب العالمية الاولى. ألارث العثماني جعل جميع النخب السياسية والعسكرية والثقافية في مصر وسوريا والعراق تنظر بعين الشك للمشروع الديني الذي كان مهمشأ بشكل كبير. بدلآ من ذلك كانت ألآمال كلها متجهة لتحقيق ألآستقلال والتقدم والسير في طريق الحداثة والتنمية الاقتصادية والديمقراطية وتحقيق العدالة ألآجتماعية ودولة الرفاه … و وعود وأمال كبيرة ومشروعة, وتوقعات الجماهير العربية وأحلامها كانت طبعأ في وقتها أكبر! لقد كانت مرحلة أمل وتفائل وتطلع لامثيل له ولذا كانت الرياح تجري بما لاتشتهي مراكب الاتجاهات الدينية.
ولقد تحققت بعضأ من تلك الاهداف ومن أولها الاستقلال ولكنه ولاسباب لاتتسع هذه السطور لشرحه لم يكن كاملآ لاسباب بنيوية في العلاقات الدولية في غاية التعقيد. وتم تأميم قناة السويس وبناء السد العالى وجائت ثورات سوريا والعراق في الخمسينات من القرن الماضي فتحققت نقلات جدية باتجاه التنمية والتصنيع وألآصلاح الزراعي والتعليم والصحة وبعضا من فصول العدالة الاجتماعية. لكن التحديات كانت عظيمة وألآمكانات متواضعة, فألقوى ألآستعمارية لم تستسلم فأوراقها كانت كثيرة و كررت هجماتها الشرسة الواحدة تلو الاخرى فضاعت فلسطين التي كانت تستغل لاضفاء الشرعية للانظمة الحاكمة و أنهارت التجربة الوحدوية ألآولى في العالم العربي بين مصر وسوريا ثم جائت هزيمة حزيران 1967 وبدأ تراجع الخطط التنموية ولم تتحقق الديمقراطية وكبتت الحريات العامة وسادت موجة الحزب الواحد والقائد ألاوحد … وتحول ألآمل الى خيبة وألم. ردة الفعل العنيفة من قبل المجتمعات العربية طالت ايضأ ألآيديولوجيات و ألآفكار السياسية الحديثة وكأن الخلل يكمن في هذه ألآيديولوجيات و ألآفكار لا في طريقة تطبيقها. وأستغلت القوى الرجعية و المحافظة دينية وسياسية تلكؤ المشروع القومي العربي وأهدافه (التي كانت هذه القوى بالذات احد العوامل المعرقلة له) للهجوم على تلك المرحلة التاريخية بدون تمييز بكل ما لها وعليها من سيئات وحسنات. وبرزت الحركات وألآحزاب الدينية لتقدم نفسها كبديل لما سبقها وهي تفتقر لآي فكر ومنظور سياسي عصري و مستنير ولاتحترم التعددية و حقوق الانسان وحرية الفرد وبزوغها هو عامل تفرقة لاتوحيد بحكم المنطق الذي يحكمها وبحكم منطلقاتها الطائفية الضيقة. وقد ساعدتها عوامل عدة (عدا ماسبق ذكره أعلاه) منها على سبيل المثل لاالحصر العولمة وغزوا ألآتحاد السوفيتي (سابقأ) أفغانستان وضعف الدولة العربية القطرية والجهل والتخلف. الصورة هذه هي صورة مبسطة بطبيعة الحال لضيق المجال ولكنها تعرض الاتجاه العام لمسار التطورالتأريخي المعني.