سيناريو الحرب على الأنبار تم التخطيط له منذ فترة ليست بالقصيرة ، في دهاليز إحدى الدول الإقليمية ، بمساعدة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي ، أي ان المخطط الذي إستهدف الانبار شاركت به دول كبرى ، إضافة الى دولة مجاورة للعراق تكن له من العداء منذ قرون ، وان لم يكن هناك ( توافق دولي وإقليمي ) في الرؤى بشأنه، الا ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي لم يكونا خارج اللعبة ، وان لم يشاركا في رسم معالم هذا السيناريو ، لكنهما على علم بأهدافه وتوجهاته ، مادام لم يخرج عن الإطار العام لسياسات هذه الدول.. وأدناه أبرز ملامح هذا السيناريو ( الحرب على الانبار ) ..وكيف جرى التخطيط له ورسم معالم خطوطه وأدوات تنفيذه، ومسرح العمليات الذي أقيم على أرضه ، نستعرضها وفقا للمحاور التالية :
1. بدأ التخطيط للسيناريو في احدى دول الجوار مع بدايات التظاهرات والاعتصامات التي انطلقت من الانبار، ومن ثم اتجهت الى محافظات اخرى، فكان لابد من مواجهة تحد كهذا كان يهدف الى احراج الحكومة العراقية ، ومحاولة ارغامها على تنفيذ مطالب المتظاهرين، الا ان هذا لم يحدث، وتركت الحكومة المتظاهرين لاشهر دون ان تصطدم بهم، وما ان شعرت ان الاعتصامات قد تخرج عن الحدود المسموح بها، حتى وجد كل من الامريكان والاتحاد الاوربي ان بامكان ايران ان تمضي في مشروع السيناريو الذي اعدته لمواجهة تظاهرات الانبار والعمل على اخمادها باية طريقة، حتى وان تطلب الامر تحريض الحكومة على اقتحامها وهو ما جرى بالفعل، دون ان يحرك الامريكان والاتحاد الاوربي والأمم المتحدة ساكنا عند اخمادها ومواجهتها بالقوة، رغم تعارضها مع القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وحقوق الانسان.
2. اعقبت هذه الخطوة مباشرة تنفيذ الصفحة الثانية من السيناريو هو شن الحرب على الانبار ، مرة اتخذت من الحدود الغربية للانبار مسرحا لعملياتها ومرة انتقلت بسرعة الى قلب المحافظة لتجد ذريعة لها ان الارهاب دخل الى وسط الانبارولابد من مواجهته.
3. كانت الخطة التي تسبق العملية العسكرية تستهدف القبض على النائب احمد العلواني واختلاق المسرحية واسلوب المداهمة لارغام النائب على المواجهة وهو في بيته وتبادل اطلاق النار معه ، للادعاء بانه قاوم وحدة عسكرية ارادت القاء القبض عليه، رغم انه لاعلاقة للعلواني بموضوع ( مسرح العمليات ) ولكن كان أحد الأهداف التي خططت لها طهران لالقاء القبض على العلواني رغم ما رافق العملية من انتقادات واسعة اثارت اهل الانبار وعدوها اهانة لحقت بهم جميعا واعتداء ليس له مايبرره على الاطلاق، وربط قضية اعتقال العلواني بهذه الحرب هو لاخماد حملة الانتقادات تحت غطاء الحرب، وان اهالي الانبار سيكونون في حالة رعب من العمليات العسكرية ولن تكون المطالبة هدفا رئيسا وسينسى اهل الانبار قضية العلواني بعد ان تم فبركة ونسج مسرحيات تآمر وتصريحات قام بها فسرتها ايران عل انها تعديا عليها، لان العلواني انتقد وجود صور لزعماء دين ايرانيين في شوارع بغداد عادا هذه الخطوة بانها تدخل فاضح ينبغي وضع حد له، كونه اعتداء على السيادة العراقية.
4. لقد بدأ حشد القوات العسكرية من جميع محافظات الجنوب لزجها في معركة المواجهة مع أهل الانبار ، وجدوا في بعض المتعطشين للظهور من شيوخ الانبار ووجهائها مع اغراءات مالية يسيل لها اللعاب فرصة ان يتم شراء ذممهم، ليكونوا احد ادوات المواجهة مع اهل الانبار، لاعطاء يعض ( المشروعية ) أو لنقل ( المقبولية ) على ان اهل الانبار يشاركون الحكومة في حربها على الانبار، وكانت هذه الخطوة هي التي مهدت للحكومة لاطالة امد الأزمة في الانبار من اجل تركيع أهلها وارغامهم على النزوح من محافظتهم الى محافظات اخرى وما جرى من صور ارهاب مروعة جرت في الانبار قد وضعت له الخطط والبرامج قبل شن الحرب وجاءت هذه الفرصة بعد ان سلم بعض مسؤولي الحكومة المحلية في الانبار الراية للحكومة لتدك قلاع محافظتهم وخيم المعتصمين وتحرقها وتشتت جمعهم لتشعل نيران حرب لاتبقي ولاتذر، وكان هذا ما جرى على أرض الانبار.
5. لقد تم اتخاذ مناطق غرب الانبار هدفا لمطاردة مسلحين يتمركزون هناك كما أشيع، ولكن الهدف لم يكن هؤلاء ، اذ تم اتخاذهم وسيلة لاستهداف الانبار، بعد تهيئة عجلات تحمل عددا من المسلحين تستعرض في شوارع الانبار، لم يكن أهل الانبار يعرفون من هي هذه الجماعات التي تستعرض وامام مركز المحافظة وعلى بعد أمتار من اجتماعات مجلس المحافظة دون ان يتم اطلاق طلقة واحدة عليها وهي تصول وتجول في شوارع المحافظة قبل القيام بشن الحرب عليها، لتكون مدخلا لذريعة مقبولة لمواجهة دخول مسلحين، الى مدينة الرمادي، وبالتالي خلق ذريعة التدخل العسكري واعلان حالة الحرب، دون ان يعرف الكثيرون ان الجماعات المسلحة تم اعدادها خلال فترة العمليات العسكرية غرب الانبار، وتهيئتهم للدخول بعد يومين أو ثلاثة من عملياتهم غرب الانبار التي تم الاعلان عن نهايتها والقضاء على المسلحين في وقتها وما رافقها من عمليات تصوير مدبلجة عن معارك سابقة للامريكان في افغانستان ومع صور جوية، تظهر مطاردة الجماعات المساحة، الذين ظهروا فيما بعد انهم رعاة اغنام وعرب وبدو رحل، لاعلاقة لهم بالجماعات المسلحة لا من قريب أو بعيد.
6. لقد تجاهل الامريكيون الحرب على الانبار رغم مرور شهر على انطلاقتها، وكانوا يظهرون انفسهم على انهم مساندون لتوجهات الحكومة العراقية وداعمين لها بحجة ( مواجهة الارهاب)، ولم تظهر الولايات المتحدة اية خطوة تفسر على انها موقف يعارض هذه الحرب او يعمل على وضع حد لها وعدوا العملية العسكرية داخلية ، بل راحوا ابعد من ذلك بتزويد الحكومة العراقية بصفقات تسليح سريعة لتسهيل مواصلة شن الحرب على الانبار، اذ كان الامريكيون راضين عن توجهات المالكي لأن تتحول الانبار الى مرتع لمقاتلة ( الارهاب ) اي ان الانبار هي المسرح المخطط له ليكون مدخلا لتوجه دولي يحارب الارهاب، وتكون ارض الانبار مسرحا لمواجهة دولية ، كما ان الاتحاد الاوربي لم يتدخل هو الاخر ان لم يظهر مساندته الكاملة للحكومة العراقية في حربها على الانبار رغم تعارض هذه الحرب مع حقوق الانسان والمواثيق الدولية وتشكل جرائم حرب تحيل مرتكبيها الى محاكم الحرب الجنائية الدولية، ولو حدثت هذه الحرب في اية دولة صغيرة اخرى لاقام الاميركيون والاوربيين الدنيا ولم يقعدوها ، فكيف يقبلون بأن يحارب الحاكم شعبه ويوجه كل اسلحة دماره عليهم ويقوم بحملات ابادة جماعية على مرأى ومسمع العالم كله تحت نظر وبصر المنظمة الدولية التي ساندت هي الأخرى الحكومة حتى ان الامين العام للامم المتحدة جاء بنفسه الى بغداد ليبارك هذه الحرب وليعطيها 0( مشروعية ) وعدت الحكومة العراقية هذه الزيارة انها اعترافا من المجتمع الدولي بمشروعية حرب الابادة ضد الانبار، وما زالت المنظمة الدولية صامتة عما جرى من جرائم حرب إبادة في الانبار لم يشهد لها التاريخ مثيلا في العصر الحديث على الاقل، كما ان الاتحاد الاوربي اصدر بيانات على استحياء تظهر انه يدعو الحكومة العراقية الى المحافظة على المدنيين، هذا بعد ان تم تهجير ملايين العراقيين من الانبار وتوجيه مختلف اشكال الدمار لدورهم واماكن عبادتهم وتحولت الانبار الى صحراء مهجورة الا من عساكر الحكومة التي تدفقت من كل محافظات الجنوب لتدك مواطني اهل الانبار وتحيل محافظتهم الى خراب ودمار طال كل شيء وهجرتها حتى الطيور.
7. ان الانبار بكل الذي جرى لها من خراب بيوت وتدمير الأنفس والاف الضحايا والمتضررين والمنكوبين سيبقون يعيشون أزمة انسانية خانقة حتى وان عادوا الى بيوتهم، لأن معالم الدمار والخرب يطول اعادة اعمارها وتصليح أضرارها الفادحة، كما ان خراب النفوس وهو الأهم ، سيطول مداه ويدخل اهل الانبار في مواجهة فيما بينهم ليتبادلوا الاتهامات وتندلع اعمال العنف والاقتتال بين من هو كان مساندا للحكومة في حربها ضدهم وبين من وقف مع أهله ودياره وحمى مدنهم وقراهم ، من خلال وقفة الكثيرين البطولية، ما يعكس حدوث مواجهات دموية بين طرفين متناقضين سيضطران لمواجهة مختلفة الاشكال والذرائع ما ينجم عنها خسائر قد تفوق خسائر حرب الحكومة ضدهم، أي ان أبناء الانبار وهذا هو هدف الحرب سيقتتلون فيما بينهم، بين من كان محسوبا مع الحكومة ومع الصحوات وبين الرافضين لانضمام هؤلاء الى معسكر الحكومة والمتمسكين بالدفاع عن أحيائهم وناسهم ، وحفضوا بقية بيوت اهلهم وذويهم ومعارفهم من ان تطولها عمليات النهب والسلب من قبل العساكر والدمار الناجم عن القصف اليومي لاحياء مدنهم وقراهم.
8. كان المالكي يهدف من وراء هذه الحرب الى ضمان الحصول على ولاية ثالثة بأنه أكد لمن وضع له هذا السيناريو انه حقق لهم الكثير من صفحاته، لهذا فهو يستحق مكافأة طهران والغرب ان يمضي في الولاية الثالثة، رغم معارضة الكثير ممن يتركون في السلطة من تحالف المالكي لتوليه المنصب للمرة الثالثة، يرونه انه أدخلهم في متاهات مع مكون مهم ، لم يرتضوا ان يدخلوا في مواجهة معه بهذه الطريقة، حتى ان المالكي رفض مبادرة مهمة للحكيم عدها استلابا لدوره، وضياعا لفرصة ان يحصل على الولاية الثالثة، ولهذا جرى تسويفها لكي لاتبلغ اهدافها ويحصل الحكيم على مكاسب سياسية على حساب المالكي، ويؤكد الكثيرين ممن كانوا مناصرين للمالكي في السابق ان الحرب على الانبار ربما تضع حدا لنهاية المالكي لكي لايتربع على عرش السلطة مرة أخرى، ويخلو لهم الجو في ان يضمنوا لهم فرصة تولي منصبا كهذا يقوي من دورهم، لكن المالكي لن يترك لهم التنازل عن هذا المنصب حتى لو قاتلهم الواحد تلو الاخر، من اجل ان يظفر بمنصب، قال بنفسه انه لن يعطيه لأحد، مهما كانت التضحيات بالغة والخسائر جسيمة.
هذه بعض معالم هذا السيناريو وكيف تم التخطيط لحرب الانبار، لكن هدف ارغام أهل الانبار للانصياع لرغبة المخططين وافشالهم هذا المخطط بصمودهم ووقفتهم، هو من اوقف الأهداف الخطيرة والكارثية الناجمة عنه، وبقي أهل الانبار مرفوعي الرأس، تتحدث الدنيا عن بطولاتهم، من انهم كانوا مفخرتها ومحل إشادة وتقدير كل اخيار العراق، وسيذكرها التاريخ على انها الصفحة الأكثر ظلامية ودموية ، لكنها في المقابل أكدت ان أبطال الانبار الميامين كتبوا إسطورة ملاحم بطولية قل نظيرها في التاريخ الحديث، في وقت بان للكثيرين أن من أدعوا انفسهم شيوخا ووجوها اجتماعية، أظهرت هذه الحرب انهم خلاف ذلك تماما، بل ان البعض منهم أسودت صفحته الى الحد الذي لم يكون بمقدوره أن يمشي على شوارع الانبار بعد كل هذا العار الذي لحق به، واللعنات التي انصبت عليه من كل حدب وصوب، وبقي الاخيار مرفوعي الرأس، هيابين، يحكون للدنيا قصة مدينة أبت الا ان تعانق الشمس والكبرياء العربي في أبهى صور التاريخ المليئة بما يسر الخواطر ويعلي شأن النفوس الخيرة أصالة وإباء وكرما، ومنازل رفيعة، وهكذا يستحق أهل الانبار مكانتهم بين أهل الأرض، على انهم رجالها الصيد الميامين، فطوبى لأهل الانبار، إشراقة شمس التاريخ ، ومن تتفاخر بهم الدنيا بين أمم الارض.