في مثلث برمودا حيث الانحدار الى المجهول، لم يكتشف علماء البحار ودهاقنة المخابرات كلهم ما بعد الانحدار الى أعماق العتمة والنهاية الأبدية من ذلك الثقب الشيطاني المرعب بأضلاعه الثلاثة التي تشمل أضلاع المثلث؛ فلوريدا (بالولايات المتحدة الأمريكية) وجزر برمودا (تابعة لبريطانيا) وجزر البهاما، وبصرف النظر عن صحة ودقة الاخبار المتداولة عن اختفاء السفن والأفراد في هذا المثلث، إلا أنه أصبح كمصطلح متداول يعبر عن خفايا مرعبة أكثر إثارة من ثقب الأوزون الذي لا يعرف حقيقته مليارات البشر، بينما يتحسس علماء البيئة شكل الكوارث التي ستصيب البشرية مستقبلاً نتيجة هذا الثقب الذي يسمح لنفوذ أنواع وكميات من الأشعة الكفيلة بتحويل السرطان الى كورونا سريع الانتشار والدمار.
وما بين ذلك المثلث المفترض وبين ثقب الأوزون تظهر بين حقبة وأخرى ثقوب التاريخ المظلمة التي تفعل فعلتها في الانحدار والجذب المرعب للأفراد والمجتمعات، وتساعد في انتشار رهيب لأشعة الكراهية والأحقاد التي تُسرّعُ في نشوب حروب ومآسي وكوارث أكثر إيلاماً من صيحات وفواجع ضحايا برمودا أو ثقب الأوزون أو اختناقات كورونا، فقد أثبتت الأحداث بأن تلك الثقوب تظهر في بيئة الحاضر المتخلف وانعدام وضوح رؤية المستقبل مع تكلس ظواهر الفقر والبطالة وانعدام العدالة، حيث تنهمك تلك المجتمعات ونخبها في عمليات النبش بين طبقات التاريخ وصفحاته التي كتبت قبل مئات والاف السنين بعقلية ومزاج وثقافة تلك الحقب، بل وكثيرا ما يتحكم في تصوير ووصف أحداثها مشاعر ذلك الشاهد أو المدون سلباً وايجاباً معاً أو ضد.
إن الإيغال في تفاصيل التاريخ ووقائعه وخاصة تلك التي تتعلق بالصراعات العقائدية أو العرقية أو الجغرافية يقود في كثير من الأحيان إلى الانجذاب عبر تلك الثقوب والانحدار من خلالها الى مستنقع تدوير الصراعات القديمة وتفعيلها وإشاعة الكراهية والأحقاد التي تؤدي الى ما يفعله ثقب الأوزون ومثلث برمودا، بدلاً من التعامل مع معطيات العصر الحديث ومخرجاته العلمية والثقافية والتربوية، والعِبر والدروس المأخوذة من التاريخ بقراءة نقدية دقيقة لتطوير الحاضر وبناء أسس المستقبل، خاصة مع إدراكنا لحقيقة مهمة جدا، وهي أن مدوني التاريخ من المؤرخين أو الشهود هم بشر مثلنا تتحكم فيهم غرائزهم وعواطفهم ونزعاتهم ومدى نزاهتهم.
إن العبر أو الدروس التي يؤخذ بها يجب أن تخضع للمساءلة والتمحيص، خاصة تلك التي تدور حول ما يكتبونه، هل هو مجرد نقل ووصف لوقائع منقولة لهم ام كانوا مجرد شهداء عليها وعلى تفاصيلها، ثم هل هي آراء ووجهات نظر ومواقف المدونين من الأحداث والصراعات بكل أشكالها ومواصفاتها، أم انها كتبت بحرفية ومهنية دقيقة، ومن هنا نستطيع الى حد ما أن نوظف تلك العبر والدروس المستخلصة للعبور الى المستقبل.
لقد أكدت الأحداث والصراعات إن ثقوب التاريخ والانغماس فيها، أقوى جذباً وانحداراً من مثلث برمودا، ونتائجها أكثر كارثية من تأثير تلك الأشعة التي تمر عبر ثقب الأوزون، وقد شهدت البشرية في تاريخنا المعاصر الكثير من تلك الكوارث التي وقعت نتيجة المرور من تلك الثقوب المرعبة، وما خلفته لحد اليوم من تناحر مذهبي وعرقي وجغرافي بين الشعوب.
لا تنبشوا دهاليز التاريخ ففي بعض طياتها ما يكفي شعوبنا قرونا اخرى من التناحر والكراهية والاحقاد!