يعيش العراق منذ عام 2003, في فوضى سياسية بالرغم من, سن دستور دائم, إضافة لحالة أمنية متردية, وتدخلات إقليمية ودولية, تقف ضد تقديم ما يمكن توفيره, للمواطن العراقي الذي يطمح للعيش بكرامة, في بلدٍ آمن يمتلك من المقومات, التي قل ما نجدها, في دول العالم الثالث.
صراعاتٌ سياسية تسود العراق, بعد كل انتخابات برلمانية, لعدم التزام أغلب المتصدين للحكم, وعودٌ يقطعها المرشحون على أنفسهم, سرعان ما تتبخر في صحراء الوفاء, فلا اتفاق حقيقي بين الشركاء, واقعٌ أمر من سابقه, فمن كان يأمل بالحصول على حريته, وكرامته وحقوقه الطبيعية كمواطن, أصبح يستجدي ما كان يحلم به, فلا حريةٌ حقيقية, بل انفلاتٌ بكل ما للكلمة من معنى.
بعد تفاقم الأزمات في ظل طوفان الفساد؛ الذي اجتاح العراق, بكل مفاصل الحكومات المتعاقبة, ظهرت الحاجة للتغيير, وترميم التصدعات السياسية, التي لم يبقى منها حسب الظاهر, مجرد هيكل آيل للسقوط, لقد نخرته دودة غريبة, متطفلون على السياسة هَمُهُم الإثراء, على حساب المواطن وخدمته, فلا رقيب ولا حسيب, وإن وجِد الرقيب, فسرعان ما يصيبه داء الفساد, أو الركون للصمت, خلافاتٌ جانبية كان من الممكن تلافيها, ولكن عدم المبالات, والانشغال بما حصل عليه المُتصدون, من امتيازات خاصة, جعلهم يغضون الطرف عن نتائج أعمالهم.
عاش العراق خلال عشرون عاماً, ما بين الفقر والبطالة, وفقدان التخطيط والإدارة, حتى ساد جواب العراقي عندما يُسأل” كيف حالك وكيف لم تمت” يكون الجواب سريعاً “هل أنا حي؟ لقد أصبح الشعب لا يشعر بالحياة, فهو ميتٌ بصورة حي, فقد الأمل لعودة الحياة لبلده, صورة قاتمة ونفق حالك الظلام, فقد تبددت كل الأحلام, الاستقرار السياسي مفقود, المال سائب فهو يُصرف دون ضوابط, والنزاهة ما مكبلة بقيود الفساد, ودولة تُحكم حسب الاجتهاد, والفاسد يصطاد والمواطن, لا يحصل على حبةٍ من الحصاد.
الشعب يكابد والفساد لا يرتد, صراعٌ ليس لَهُ إلا الواحد الأحد, وجناة سائبون لا رادع لهم, إلا الفرد الصمد, وكلما حاول الشرفاء, من الساسة إيقاف العَمَد, بمقترحٍ أو مشروعٍ سرعان يتبدد, فالأرض بور تحتاج لإصلاح, ريح الفساد قد ساد وفاح, ولا منفذ لتغيير الرياح, ليصبح حال الشعب, كسجين لا يحلم بإطلاق السراح, فهو بين فكي الفساد والفشل, ليس له غير البكاء النياح, يعيش في ظلام دامس ينتظر الصباح, بعد جهدٍ جهيد تشكلت حكومةٌ, ولكن بحر الفساد يحتاج لسَباح, صارم بالتصدي والاجتياح ولا يهاب الرياح.
وأخيراً بدى بصيص النور الذي, كان مخفياً في الصدور, فالحرب على الفساد قد لاح, وبدأ تسطير السطور, وضرب الفساد بالساطور, الذي أدخل المتصيدين في الجحور, وتوالت الأخبار لتعيد أمل الازدهار, فقد انكشفت بعض الأستار, ليتهاوى بعض الفاسدين كالأحجار, وأعطى الرئيس للمحافظين الإنذار, شهر واحد للتقييم, وتنبيه للسادة الوزراء, وعلى صعيد البرلمان, نرى الصراع على أشده, فانشطار في جانب, ونقاش حاد بين جهات أخرى, وموازنة معطلة وتأجيلٌ مستمر.
الخدمات الموعودة لم ترقى, إلى مستوى الطموح, وقد انتهى ربع العام, قوانين معطلة مكدسة في أدراج البرلمان, عدم سيطرة على أسعار السوق, فالمتلاعبين من المضاربين والمهربين, لا يزالوا يعملون, والمواطنون حائرون, ما بين الأمل وفقدانه شعرة, فالتظاهرات قد تنشد في أي لحظة, فهل للفاسدين من توبه؟
الإعلام الرسمي يعرض صباح كل يوم, الغريب فيه مالم يعتد عليه الشعب, يطرح المواطنون قضاياهم, ليتم الاتصال بالمسؤول المختص, أو رئيس مجلس الوزراء, ليتم تنفيذ الطلبات هاتفيا بالمباشر, أو بإعطاء موعد, إن كان الأمر يحتاج حضور المواطن, ومع أن ذلك ليس هو الحل الناجع؛ لكنه يزيد من الأمل, في تصحيح مسار الإصلاح وخدمة المواطن.
فهل سنرى قانوناً جديداً لمجالس المحافظات؟ أم أن دربكة ستحصل, في ظل مشاورات الصلح, التي تجري بحذر مع الساسة المخاصمين؟ وإن تنجح المساعي, فهل سيتكلم المتصيدون بالماء العكر, باسم الشعب ليغشوه كعادتهم, أن لا أمل في التغيير؟