تصدر اسم الكاتبة الفرنسية ” آني ايرنو” الحائزة على جائزة نوبل للآداب لهذا العام تواقيع “مبادرة المواطنة الاوربية ” #StopColonies لوقف الاستيطان وبناء المستوطنات في فلسطين والتجارة الاوربية مع المستوطنات، وهذه المبادرة المعتمدة رسميا من المفوضية الاوربية هدفها ان تضع اوربا حدا لكل تجارة مع المستوطنات التي شيدتها قوة محتلة وفي أراض محتلة أيا كانت. استهل نص هذه المبادرة الموقعة من كتاب وجامعيين وفنانين ومبدعين في مختلف الاختصاصات بالقول ان المساواة بين الناس واحترام الآخر هي قيم أساسية نتمسك بها بقوة وان الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وتهجير السكان والاستيطان هي كل ما يتعارض تماما مع هذه القيم. ان الأيدلوجية المتعالية والعنصرية التي ترافقها بمثابة سم يجب ان نحاربه أينما ضرب. ان احتلال فلسطين من قبل دولة إسرائيل لم يتوقف منذ عقود وهو سيتزايد مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي أعطت مكانا واسعا وسلطات خطيرة لأحزاب وشخصيات معروفة بعنصريتها تضع مشروع الإسراع بالاستيطان في مزيد من الأراضي الفلسطينية. ان السكان الفلسطينيون المهددون بوجودهم يعانون من العنف المركب من جيش الاحتلال ومن المستوطنين. اليوم، كتب الموقعون للمبادرة، وفي هذه الأوضاع المأساوية أكثر وأكثر، نطالب السلطات الفرنسية والاوربية للتحرك بشدة ضد الاستيطان والاحتلال العسكري الذي لا نهاية له، المرافق له وكذلك نطالب بحماية الشعب الفلسطيني. أن الاتحاد الأوربي يستمر بعلاقاته التجارية مع المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، بينما يشكل إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة جريمة حرب.
تأتي هذه المبادرة الموقعة من نوبل الآداب “آني ايرنو” عقب سنوات من حكم الرئيس فرانسوا هولاند الذي تبنى مواقف معادية لحقوق الشعب الفلسطيني وللقرارات الدولية وبالضد من كل المواقف الرسمية الفرنسية قبله بضمنها مواقف الحزب الاشتراكي نفسه وآخرها قرار حكومة رئيس الوزراء جان مارك ايرلوت في عهده الذي كتب خطابا للرئيس كان سيوجه للعالم يتم فيه الاعتراف بدولة فلسطين لكنه رفض ذلك بضغط من الاوساط الصهيونية المحيطة به وبالحزب. بل ان عهده تميز بحرب إعلامية مكثفة وواسعة على الفرنسيين من أصول عربية وعلى مؤسساتهم المدنية والدينية والتعليمية وتجريم شبابهم في “حملة استباقية ” واتهامهم بالإرهاب وتأليب الشعب الفرنسي عليهم لتصبح حقبة الرئيس هولاند أسوأ حقبة عاشها الفرنسيون من أصول عربية ومسلمة منذ حرب تحرير الجزائر، وذلك بسبب الدعم الواسع للجالية المغاربية للحقوق الفلسطينية. وقد استمرت هذه السياسة مع ساكن الإليزيه الجديد الذي افتتح حملته الانتخابية بتجريم معاداة الصهيونية واعتبارها نوع من معاداة السامية وذلك بطلب نفس الأوساط الليكودية في فرنسا، والتي ولحسن الحظ لم تنطلي على الشعب الفرنسي ولا نخبه الرصينة بضمنها نخب من أصول يهودية ، وعندما تيقن من عدم جدواها لدى الفرنسيين عمد الى تطبيق تسمية وتعريف معنى معاداة السامية المعتمدة من البرلمان الأوربي والمقتبسة من “التحالف الدولي من اجل ذاكرة الهولوكوست” الذي يجعل من معاداة الصهيونية معاداة للسامية ضمنا ، وهو ما رفضته أيضا جمعيات المجتمع المدني الداعمة للحقوق الفلسطينية التي صرحت بأن معاداة الصهيونية هو رأي وليس جريمة. وفيما خضع الرئيس السابق فرانسوا هولاند للضغوط كي لا يتم اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، فأن الرئيس ماكرون يبدو متحمسا لأكثر من ذلك الا وهو مزيد من الاستيطان والتوسع في احتلال مزيد من الأراضي الفلسطينية مثله مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي استقبل في الإليزيه بالأحضان في واقعة لم تحدث اطلاقا مع أي رئيس دولة غربي لا اوربي ولا امريكي لرئيس الوزراء الليكودي المطلوب للعدالة في بلاده وغير المرحب به في عواصم كثيرة أولها غربية.
وليس غريبا على الكاتبة المحبوبة في الأوساط الشعبية الفرنسية المتوجة كتاباتها بنوبل للأداب والتي نص في ديباجة الاكاديمية السويدية لمنحها الجائزة على الإشادة بما تعكسه مؤلفاتها لحياة المجتمع الفرنسي ولطبقاته المسحوقة ولوضع المرأة عبر عشرات الروايات منذ أربعة عقود، بقيت خلالها وفية لأصولها المتواضعة ، لم تقطع الحبل السري مع وسطها ووسط والديها العاملان البسيطان اللذين كانا يمتلكان مقهى صغير في منطقة ريفية في منطقة النورماندي، رغم انها تألقت وتفوقت في دراستها منذ الصغر وأصبحت تدريسية وحازت على اعجاب زميلاتها من الطبقة البرجوازية ورغم شعورها بالعار من وضع عائلتها الاقتصادي الا انها صممت على “الانتقام للعٍرق” بالكتابة. هذه اول الجمل الكبيرة التي لا تنسى من القراء والتي بقيت ملتصقة بها عن حق لأنها ما تزال وهي تكتب ملتزمة بالدفاع عن القيم وعن كينونة الطبقات المسحوقة والمهيمن عليها من البرجوازية المتعالية التي تزدريها وتنظر لها باحتقار. لهذه الأفكار ولهذه المواقف أنبرت الأوساط الصهيونية من مثقفين وفلاسفة وأطباء وأصحاب مكتبات على شن حرب جديدة على الكاتبة مع حصولها على جائزة نوبل وتوقيعها لهذه المبادرة من اجل فلسطين ومعها مجموعة من الأسماء اللامعة في المشهد الثقافي والفني والإعلامي الفرنسي في محاولة يائسة لنزع المصداقية عن افكارها وعن مواقفها الداعمة لطبقة معينة وللقضايا العادلة وبالأخص القضية الفلسطينية وقضايا المهاجرين والعرب والمسلمين في فرنسا . فقد قام صاحب مكتبة من اتباع رئيس الوزراء بنيامين نتاياهو بوضع تحذير للمشترين على واجهة مكتبته يشير فيها انه لا يبيع كتب المتعاونين والمعادين للسامية. وقد فتحت له احدى اشهر قنوات الراديو المسموعة بشكل واسع للكلام “بطريقة عادية ” لاتهام الكاتبة بسبب دعمها للحق الفلسطيني، اما الفيلسوف والاكاديمي والأستاذ في مدرسة البوليتكنيك “الآن فنكيلكراوت ” الذي يدعي ان لا شرعية لإعطاء الجائزة لهذه الكاتبة التي تحمل ايدلوجية طبقية وكأنه لا يحمل أيدلوجية وليس صهيونيا ولا يدافع عن الليكود هو نفسه ناعتا إياها عبر راديو “اوربا واحد ” بأن “هاجسها” الدائم هو “إسرائيل ” وانها تصر على موقفها ضد الصهيونية والصهاينة وتدافع عن “حورية بوتجلة”، الناشطة والكاتبة الجزائرية المعروفة بمواقفها القوية والصريحة ضد الاستعمار واتباع الاحتلال والاستيطان الصهيوني في الساحة الفرنسية ،واستنكر على الكاتبة اعتبارها الكاتب البير كامو الحائز على نوبل للآداب مثلا لها! اما الطبيب النفسي المعروف هنا في باريس “دانييل سيبون” فقد تهجم على الكاتبة بشكل عنيف في فديو بث على اليوتيوب ليقول بان “آني أيرنو” من وسط فقير لما بعد الحرب العالمية الثانية حيث الايدلوجية السائدة في المجتمع الفرنسي هي الايدلوجية “البوجاداسية : بوجاداس” الشخصية السياسية في سنوات الخمسينيات الموصوفة بالشعبوية ومعاداة السامية وان مواقفها تنم عن الجهل وبالأخص الجهل بالعرب والمسلمين “الإرهابيين” الذين تدافع عنهم والذين “تطلب منهم ديانتهم ذبح الآخر “والحقد الشخصي والطبقي.
في مقابلاتها التلفزيونية وفي امسيات النقاشات حول كتبها ، نجد “آني أيرنو” دائما وحتى بعد أربعين عاما على نشر اول رواياتها التي كتبت فيها جملة : اكتب “لانتقم لعرقي” ، تتكلم وكأنها ما تزال طفلة في احاسيسها ومشاعرها الصادقة العفوية المشوبة بالبراءة لأنها كما تقول لم تكن تعرف تعابير الصراع الطبقي ولم تتعرف بعد على ماركس او بورديو عالم الاجتماع الفرنسي ، وتفسر تعبير “انتقم لعرقٍي بالكتابة” بمعنى التضامن مع والديها العاملين ومع اصدقائهم وكل من حولهم ممن يعيشون نفس الأوضاع الطبقية والإنسانية ، انها تتكلم عن الوضع الإنساني على طريقتها كامرأة وانسانة من طبقة مهيمن عليها ، وجودها يرتبط بعمل شاق يومي ولا يسمح مدخولها للصعود في السلم الاجتماعي صعب التسلق في المجتمع الفرنسي.
لم تترك آني ايرنو رغم تغير وضعها الاقتصادي والاجتماعي سكنها في الضواحي الباريسية وبين المهاجرين البسطاء والطيبين الذين تدافع عنهم بصدق ومواطنيهم الفرنسيون من نفس الطبقة الاجتماعية والوضع الاقتصادي. لهم وجهت كلمتها لشكر الاكاديمية السويدية، اذ قالت اشكركم لمنحي فرصة الالتحاق بألبير كامو وغيره من الكتاب، اشكركم لأنكم منحتم لي الجائزة للكتابة عن الناس الذين رأى بعضهم ان رواياتي قد جعلتهم يفخرون بوجودهم وبكدحهم اليومي مما حفزهم للاستمرار بالحياة وبالعمل.
مع هذه المبادرة وتوقيع نوبل للآداب لها، تعود قضية الحقوق الفلسطينية التي أراد اللوبي خنقها ونزع الشرعية عنها بمختلف الوسائل، للواجهة، ليوقعها عدد كبير من الفرنسين لأنها قضية عادلة.