لا شكَّ أن الكوارث والأزمات الطبيعية التي خارج سيطرة وقدرة الإنسان، تنتج عنها تداعيات كبرى على البلدان أو الدول التي تضررت منها، وهذا ما عرفته الدول منذ تأسيسها وظهور مفهومها على الساحة الدولية، قد تختلف نوعية هذه الكوارث الطبيعية من بلد إلى آخر، وذلك حسب الموقع الجغرافي.
قد تكون الكوارث بسبب الزلازل أو تسونامي أو الفيضانات، هذا الواقع الصعب الذي قد يكون من أسبابه ومسبباتها هو الإنسان نفسه، وما فعله ويفعله بالأرض التي يعيش فيها، وخير مثال على ذلك ظاهرة “الاحتباس الحراري” والتداعيات الوخيمة على التغيرات في المناخ والجفاف.
كل هذا كان معروفاً داخل الساحة الدولية، ونجد أن هناك منظمات حكومية وغير حكومية ودول تعقد عشرات الندوات والمؤتمرات سنوياً للتعريف بهذه الظواهر الخطيرة على البشرية وتسعى إلى الحد منها؛ لكن مع الأسف تأتي معظم هذه الأحداث دون جدوى، إذا لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية بين الدول العظمى والتي منها “الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، واليابان، ودول الاتحاد الأوروبي” للتوافق والحد من هذا الواقع الذي أصبح يهدد المعمورة.
مع استمرار الكوارث، والتي لا توقيت ولا حدود لها، وتداعياتها المدمرة باتت مسألة التعاون الدولي للحد من الأزمات الطبيعية وإعانة الدول المتضرر تشكل هاجساً آخر داخل الساحة الدولية، إذ إن معيار التعاون بات يبتعد عما هو إنساني إلى واقع آخر تتحكم فيه السياسة والمصالح الاستراتيجية بين الدول.
نلاحظ أن واقع الأزمات والكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات، والتي يترتب عنها في آخر المطاف الدمار والنزوح والتشرذم والانكسار للسكان؛ أي إنه واقع إنساني شامل لكل الدول التي تقع فيها هذه الكوارث، لكن في المقابل معيار الدعم أو التعاون والمساعدة لم يكن من باب إنساني بل تحكمه توجهات أخرى أكثرها سياسي.
لذلك هل فعلاً تقوم الدول العظمى بدعم الدول المتضرر من الكوارث الطبيعية على أساس وبعد إنساني أم أن المعيار السياسي حاضر حتى في ما هو إنساني؟
لكن قبل ذلك يجب أن نقسم الكوارث التي تهدد الإنسان إلى فئتين؛ الأولى الكوارث الطبيعية مثل الزلازل وأمواج تسونامي وثورات البراكين، والثانية الكوارث الناجمة عن الأنشطة البشرية مثل التسريبات النفطية والحوادث النووية والنزاعات المسلحة.
ومن ناحية المدة قد تكون الكوارث مفاجئة مثل الأعاصير والزلازل، أو تدريجية بطيئة الظهور مثل الجفاف ونقص الأغذية وفقد المحاصيل.
نجد أن منظمة الصليب الأحمر، التي هي العون والمساعد الأول للكوارث والأزمات في العالم؛ حيث إن سمات هذه المعونة تظهر في المبدأين الأول والثاني من المبادئ الأساسية التي أعلنها المؤتمر الدولي العشرون للصليب الأحمر، من أن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نشأت نتاج رغبة في تقديم العون للجرحى في ميادين القتال دون تمييز بينهم، تسعى على الصعيدين الدولي والوطني إلى منع المعاناة البشرية حيثما وجدت والتخفيف منها، كما تسعى إلى حماية الحياة والصحة وضمان احترام الإنسان، وتعزيز التفاهم المتبادل والصداقة والتعاون والسلام الدائم بين جميع الشعوب، وألا تميز بين الأشخاص على أساس الجنسية أو النوع أو المعتقدات الدينية أو الطبقة الاجتماعية أو الآراء السياسية، فهي لا تسعى إلا للتخفيف من معاناة الأفراد، مع إعطاء الأولوية لأشد الحالات إلحاحاً“.
ومن هذا المنطلق يؤكد القانون الدولي ويطرح معايير يجب أن تحترم عند تقديم المساعدات للدول، حيث ينبغي احترام سيادة الدول وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية احتراماً كاملاً وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وفي هذا السياق يقول القانون، ينبغي أن توفر المساعدة الإنسانية بموافقة البلد المتضرر، ومن حيث المبدأ على أساس نداء يوجهه للبلد المتضرر.
لهذا نجد أن هناك معايير قانونية دولية يجب أن تُحترم عند تقديم المساعدات، لكن إذا كانت الدولة غير متحكمة في سيادتها أو مقسمة إلى أقسام كيف يمكن التعامل معها في هذه الحالة؟
هنا تتدخل الدول العظمى لتقديم المساعدات حسب المصالح والمعيار السياسي بعيداً تماماً عما هو إنساني، وهذا ما تجلى في الكارثة “الزلازل” الذي وقع بسوريا كيف كان الدعم محتشداً من الدول الكبرى أو مقدماً ليس على معيار القانون الدولي أو الإنساني؛ بل تحكمه حسابات سياسية بات الشعب السوري هو المتضرر الوحيد منها.
هذا يعطينا أن المجتمع الدولي، وفي ظل التنافس المتعدد الأقطاب بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، يعاني حتى في كيفية التعامل مع الجوانب الإنسانية والكوارث التي تحل بالبشرية.
تلك الحسابات السياسية والاستراتيجية بين الدول المتحكمة في اقتصادات العديد من دول العالم الثالث هي التي تحدد كيف يكون الدعم ومتى يكون ومن يحق له الدعم في حالة حدوث الكوارث الطبيعية.
إذاً في ظل ما يشهده العالم من كوارث طبيعية وأمراض عابرة للقارات، بات أمراً ملحاً أن يحدث المجتمع الدولي آلية شفافة وبعيدة كل البعد عن الحسابات السياسية بين الدول الكبرى، لإغاثة الشعوب المتضرر من الكوارث الطبيعية وألا تكون الآلية المقدمة من الدول الكبرى ذات دوافع سياسية مسبقة تعطى حسب المزاج السياسي أو الحليف الأولي.
العامل الإنساني في هذه الحالة يجب أن يبتعد عن القرارات السياسية أو الاختيارات السياسية بين الدول، هذه الحالة تحتاج إلى تعاون يعيد مفهوم الدعم الإنساني إلى الواجهة؛ لأن المسألة هنا لا تحتاج إلى مجاملة أو بطء في التعامل، فكل الدول مهما كانت إمكاناتها معرضة للكوارث يمكنها في لحظات أن ترجعها إلى القرون الوسطى.
من هذا المنطلق الواجب على المجتمع الدولي التعاون والتفاهم طبق آليات وقوانين تناسب الواقع وتساعد الإنسان بصفة عامة مهما كان الانتماء أو التفرقة بين الكوارث التي تحدث في الدول النامية أو الدول المتقدمة من أجل الحد من خسائر هذه الكوارث وتداعياتها الاجتماعية والنفسية على البشرية.