وين اللي يميز الكول يزنه
عكب الزين تالي الشين يزنه
السله نريد ومن العنب يزنه
يصير اثنينهن يرحن عليه
يروى أن شابا فقيرا اشتد به الجوع مر على بستان، فاقتطف منه تفاحة واحدة وأكلها حتى ذهب جوعه، ولما رجع إلى بيته بدأت نفسه تلومه لإقدامه على عمله هذا من دون استئذان صاحب البستان. فعاد في اليوم التالي يبحث عن صاحب البستان حتى لقيه، فقال له: بالأمس بلغ بي الجوع مبلغا عظيما وأكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وهاأنذا اليوم أستأذنك فيها. فقال له صاحب البستان: والله لا أسامحك، بل أنا خصيمك يوم القيامة عند الله!
فتوسل أن يسامحه إلا أن الرجل ازداد إصرارا وتمسكا بموقفه، وذهب وترك الشاب في حسرة وحيرة من أمره، إلا أنه لم يصبر فلحق صاحب البستان حتى دخل بيته، وبقي الشاب عند الباب ينتظر خروجه إلى صلاة العصر. فلما خرج بادره الشاب قائلا: يا عم إنني مستعد للعمل فلاحا عندك من دون أجر راجيا منك السماح! قال له: أسامحك لكن بشرط! أن تتزوج أبنتي، وترضى بها فهي عمياء وصماء وبكماء ومقعدة لاتقوى على المشي، فإن وافقت سامحتك. قال الشاب: قبلت ابنتك! قال له الرجل: إذن، هيئ نفسك، بعد أيام أعلن زواجكما.
فلما حان الموعد جاء الشاب متثاقل الخطى، مكتئبا مهموما، طرق الباب ودخل قال له الرجل: تفضل بالدخول على زوجتك، فإذا بها فتاة أجمل من القمر ليلة تمه، رفعت رأسها ونظرت اليه بعيون المها بين الرصافة والجسر، وحين نهضت مشت كمشي الغزال تغنجا ودلالا، وسلمت عليه بصوت أعذب من هديل الحمام، وفهمت ما يدور في باله، وقالت: إنني عمياء من النظر إلى الحرام، بكماء من قول الحرام، صماء من الاستماع إلى الحرام، ومقعدة لا تخطو قدماي خطوة إلى الحرام، وأبي يبحث لي عن زوج صالح، فلما أتيته تستأذنه في تفاحة وتبكي من أجلها قال أبي: أن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له، سيخاف الله حتما في ابنتي، فهنيئا لي بك زوجا وهنيئا لأبي مصاهرتك.
أقول.. منذ عشرين عاما، يقطف من بستان العراق الكبير أناس كثيرون، آكلين شاربين ماحل لهم وما حرم، عائثين بخيراته، من دونما وازع من ضمير، او رادع من عرف او راد من خلق، فضلا عن غياب قانون يوقف نهبهم، بل أنه ساند لهم في سرقاتهم، ومؤيد لما يقترفونه من أعمال، تعود عليهم بالنفع المادي الوافر، فيما تعود على البلاد والعباد بالوبال والخراب. ولو أردنا إحصاء ثروات البلاد بما تكتنزه أرضها وماؤها من موارد بأصنافها وأنواعها، لتوصلنا الى حقيقة صادمة، إذ من غير المعقول أن تبلغ السرقات حدا تختفي من جرائها مئات المليارات من الدولارات في مؤسسات الدولة دون استثناء، ومن غير المعقول أيضا ولوغ السراق وبلوغهم مبلغا انعكس على البلاد شر منعكس، حتى باتت السبّاقة في إحصاءات دولية بنسب الحد الأدنى من الفقر، وصارت تتبوأ المراتب المتقدمة والدرجات الأولى في الفساد، ومعلوم ما حال البلاد التي يضحى الفساد لها عنوانا!.
بعودة الى صاحبنا الشاب الذي مامد يده الى التفاحة إلا لسد رمقه ليس أكثر، وبمقارنة بينه وبين سراق عراق الحاضر، ليت شعري متى يصل الأخيرون حد الاكتفاء؟ وكم هو الحد الأعلى من المال المسروق الذي يسد حاجتهم؟ أرى أنهم لن يبلغوا حد القناعة مهما تضاعفت ملكياتهم وأملاكهم، فهم لايدعون غاليا ولارخيصا إلا سال لعابهم عليه، وهاهم بعد عقدين، قد أتوا على مال المواطن المسكين وحاله وحلاله من ثروات بلده، وتركوه يردد من حر قلبه بيت الأبوذية الذي ابتدأت به مقالي هذا.