رسالة مفتوحة إلى سماحة السيّد كمال الحيدري
“يا جماعة الله يريدنا نكون أصحاب مبادئ” لا زالت هذه العبارة – وباللهجة النجفية المحببة التي كان يتحدّث بها السيد محمد حسين فضل الله- حاضرةً في سمعي وذهني أينما ذهبت. هي كلمة للحياة وما بعد الحياة. شئنا أم أبينا تحدّد سلوكنا ونهجنا الذي نتّبعه في كلّ مسيرتنا. أطلقها السيّد وجعلها منهجاً سار عليه، رغم كلّ التهاويل والأقاويل التي سيقت ضدّه، فلم يكترث لغير الله عز وجل، لأنّ حساباته مع الله وحده.
لقد أفنى السيّد عمره الشريف ليترك لنا وللأجيال القادمة كلّ هذا التراث، ليكون نبراساً لنا فيما أظلم من حياتنا، ودليلاً للمتحيّرين الباحثين عن حقائق بقيت مبهمة لقرون عدّة دون أن يجرؤ أحد على محاولة البحث فيها أو التساؤل عنها، إلا من رحم ربي. لأنّه كان ذا مبدأ، كان لزاماً عليه أن لا يهادن أو يناور أو يجامل. لا الاستكبار ولا الخرافيين ولا المتخلفين، فكان ما كان من تلك الحملة الشعواء القذرة عليه، والتي قادها الكثير من رجال الدين، والدين منهم براء، وضُلل بسببها الكثيرون من المؤمنين، ولم يبذل الكثير من مراجع الدين أدنى جهد ليتأكد من صحّة هذه الافتراءات، أو حتى التواصل للاستفسار، بل أطلق حكمه للدنيا لا للدين!! لا بل لم يكن لديهم أدنى اهتمام للرد على تواصل السيد معهم ليلقي عليهم الحجة، ويوضح لهم ما التبس عليهم أو نُقل خطأً.
لم يكن لدى السيّد أدنى مشكلة في أن يختلف أيّ أحدٍ معه في كلّ الأمور، فكان يطالب وينادي بالحوار طيلة عمره الشريف، فلا مقدّسات في الحوار، فهو قد تبنى مواقف وآراء فقهيّة وأوضحها، ولم يعترض على أيّ أحد في أيٍّ من متبنّياته أو آرائه، فالحقيقة ملك للجميع ولا أحد يمتلكها وحده. ولكن لم يتم الرد عليه للمناقشة إنما كانت تأتيه الردود التي يدّعي مطلقوها أن ما يطرحه السيّد يهدم أركان المذهب ويتعرّض للمسلّمات الشيعية!! ولكن بعد وفاة السيد ذهب أكثرهم لتبني ما طرحه السيد. وهذا ما أريد الإضاءة عليه مختصراً، وما علاقة المبدئية بما ذكرت.
كان من بين الذين اعترضوا على سماحة السيّد وردوا على آرائه بقوة، هو السيد كمال الحيدري، وكانت له اعتراضاته على ما طرحه السيد من تجديد ومواقف من بعض المسائل التاريخية والعقائدية الخلافية، في حياة السيد وبعدها. فلا أحد ينكر على السيد الحيدري تبنّيه لآرائه ومواقفه الفقهية والعقائدية، فهو مجتهد له الحق في تبني أي رأيٍ يريد وله أجره عند الله.
ولاحقاً ذهب السيّد الحيدري وبعد إعلان مرجعيّته لتبني أغلب ما كان يطرحه السيّد من أمور خلافية وتجديدية، وبات يحمل المنهج الفقهي نفسه، ويعتمد ما اعتمده السيّد فضل الله في استدلالاته، التي كان يعترض عليها سابقاً.
وحصل لاحقاً ما هو مستغرب جداً ومُنكرٌ في آن، وهو أن يقوم القيمون على صفحة السيّد الحيدري على موقع التواصل الاجتماعي(facebook) بالعمل على نشر فكر السيد فضل الله وكلماته، وآرائه تحت اسم السيّد الحيدري، وباتوا يوهمون كلّ المتابعين لهم بأن هذا الفكر وهذه الكلمات هي للسيّد الحيدري!! ورغم التواصل معهم لإبلاغهم مراراً وتكراراً بأن ما يقومون به هو سرقة فكرية موصوفة، وأنّهم غير مسامحين شرعاً بنشر كلام السيّد ونسبته إلى السيّد الحيدري، لأنّ هذا من الآثام الشرعية في المقام الأول، فهم بيخسون الناس أشياءهم. وقام العديد بالرد عليهم وتذكيرهم بأن ما ينشرونه هو كلام السيّد فضل الله وليس للسيد الحيدري، ولكن لم نجد أيّ تجاوبٍ أو امتناعٍ عن النشر بل أكملوا بالسرقة وخداع الناس!!
نعود للجملة الأولى في مقالنا هذا، فالله يريدنا أن نكون أصحاب مبادئ، فأين المبادئ عند أناس قاموا بالهجوم على مرجعية دينية عظيمة كالسيّد فضل الله، والتشهير به في حياته، واستنكارهم لطروحاته، ثم عادوا لتبني الطروحات نفسها، لا بل أن ينهبوا فكر هذه الشخصية الاستثنائية وينسبوها لغيره!!
أريد من مقالي هذا أن يكون رسالة تصل لسماحة السيّد كمال الحيدري، وأن يقوم بالتبرّؤ من القيمين على صفحته هذه ومن أفعالهم، وأنا متيقّن أنه غير مطّلع على ذلك ولا يرضى به.
إني أرى لزاماً عليّ ومن واجبي الشرعي والأخلاقي، ودفاعاً عن رجلٍ أعطاني كلّ شيء ولا يزال، وأعطى الأمة كلّ الأمة، وأخرجها من غياهب التخلف والتحجر إلى نور التشيع الأصيل، وهذا أضعف الإيمان مني لنصرة هذا السيّد المظلوم في حياته ومماته، أن أكتب ما كتبته وسأستمر ما دام في العمر بقية.
والله من وراء القصد
*كاتب وباحث إسلامي