وأنت تسير في أزقّة بغداد وشوارعها المُتهالكة تُطالعك يافطات وإعلانات مُبوّبة تتضمن حلولاً وأنواع الممارسات التي تتعّهد بإخراج الجِّن وتزويج العانس والإنجاب وَرَد المُطلّقة إلى زوجها وعَودة الغائب، ولم يتبق من الإعلان سوى إحياء الموتى من قبورهم.
حتى إنَّ فضائيات مُتخصّصة بِفنون السِحر والشعوذة يُديرونها أولئك المشعوذين راجَتْ في عالم الإعلام لإستقطاب العدد الأكبر من السُذّج الذين يَدُرّ إستغبائهم ملايين الدنانير في جيوب أولئك الدّجالين بِطُرق بسيطة لاتُكلّف سوى قصاصات ورقية أو قِطع من الجلد كُتِب عليها بعض الطلاسم والرموز والحروف المقطّعة والأرقام والكلمات المُبهمة وإستغاثات للعالم السُفلي وخوارزميات لايعرف تفسيرها سوى الدّجال نفسه.
أسعار تتراوح مابين (50 دولار-20 ألف دولار) أو أكثر حسب تسعيرة المشعوذ وقُدرته في إقناع البُسطاء، حتى أن بعضهم أصبحوا يمتلكون شركات ومؤسسات يُديرونها مع كادر وظيفي وفِرق حمايات خاصة بهم.
في بلد مثل العراق خاض سنوات من الحروب والحِصار من الطبيعي أن تجد في مُدنه وأزقّته مكاتب وقاعات المشعوذين تكتظ بالمُغفّلين الذين يعتقدون الخلاص والنجاة بواسطة طُرق وأساليب إحتيال على أيدي أولئك النصّابين.
المُصيبة أن هؤلاء المشعوذين إرتقوا إلى درجة القداسة عند الجَهلة وإكتسبوا أوهام الإحترام والتقدير إلى درجة أن البعض من السُذّج بات يخشى حتى ذِكر أسمائهم بسوء.
العشرات من المُغفّلين يتزاحمون أمام أبواب هؤلاء تحت أنظار الجِهات المُختصة، وربما بِتواطئ البعض منهم مع هؤلاء الدّجالين مُقابل رشاوى يتقاضونها لِغض النظر عنهم.
لايُمكن تفسير الأمر سوى نوع من التجهيل والإستغباء يُمارسها مَن وجد فيها فُرصة سريعة للربح على حِساب عقول الناس ومُناسبة لِترويض العقول وفق ماتقتضيه مصالح المشعوذين الذي قد يتطور إلى الإستغلال الجسدي للنساء المُغرّر بِهم.
ظاهرة إتّخذت بالإتّساع في العراق خصوصاً بعد سنوات الحروب والفساد وتخلّف المجتمع الذي زاد من تعمّقها وإزدياد زبائنها مع وجود من يُشجّع على ممارساتها.
ظاهرة لم تجد من يردعها أو على الأقل يوقفها في ظِل تزايد من إقتنع بِحلولها بدلاً من الذهاب إلى أصحاب الحل من الأطباء النفسانيين أو المُستشفيات المُختصة.
خطورة الظاهرة تكمُن أن هُناك من يُريد إستفحالها وإنتشارها لِغايات ونوايا خبيثة ربما يكون أوّلها تهديم عقول المجتمع وتخريبه بهذه الخُرافات والخُزعبلات وجعله مُجتمعاً مُنقاداً لِرغبات المشعوذين والدّجالين، الأكثر من ذلك أن هُناك في السُلطة من يدعم هذا التوجّه وربما للتغطية عليه عندما تلتقي المصالح في هدف واحد وهو تدمير المجتمع وتجهيل عقله.
ربما يكون فِعل المشعوذ أو الدّجال موازياً لأفعال وأقوال جرائم غرابيب السود داعش لأنهما وجهان لِعُملة واحدة هي تخريب العقول وتدميرها وجعلها سهلة الإنقياد.
يستغرب العقل في أحيان كثيرة عندما يجد السُلطة عاجزة عن ردع أفعال مُخربّي العقول، في حين تنشط وتظهر قوتها وتُستفز لِفعل فتى فقير قام بِسرقة رغيف خبز، وتزداد الغرابة أكثر عندما تصطدم بحقيقة أن مجتمعاً تحكمه الشريعة الإسلامية يُؤمن بالخُرافات والأوهام وتلك هي مُصيبة العقول التي يسهل إنقيادها.