18 ديسمبر، 2024 10:50 م

كاميرات المراقبة …عين ترصد.ولكن-3

كاميرات المراقبة …عين ترصد.ولكن-3

استمرت الصور كشريط طويل يتراجع عبر السنين .

انني احتفظ في رأسي كاميرات مراقبة ايضا في مركز الذاكرة التي لا يمكن لأي آلة مهما كانت متقنة الصنع ان تحتفظ بكمية ونوعية الصور في شريطها والتي تمتد لسنوات وسنوات…سبحان الله تعالى لما أودع في هذا الدماغ من قابليات جعلت الانسان سيد المخلوقات من خلال خلايا صغيرة ولكن هي اعظم الآيات في الخلق .

كاميرة الذاكرة في رأسي تستمر بتداول الصور وتعود متراجعة بي الى طفولتي واجدني طفلا يمسك بيد امه .

آه…أمي ها هي تنظر اليَّ بعينها الحنونتين وتمدلي يدها بالطيبات وكنت طفلا نهما ولكنها رغم ذلك كانت صبورة وكريمة منحتني كل الاشياء اولها الحنان والحب والرعاية التي جعلتها تتخلى عن جميع حليها الذهبية لتوفر لي الصحة والعافية حين اصبت ذات يوم بوعكة صحية طال مداها واستنفذت مدخرات ورواتب اب يجاهد ليقيم اود عائلة كبيرة من خلال اعمال كثيرة وفي اماكن ومكاتب متفرقة ليضمن عيشا كريما ولا يمد يدا لغير الله تعالى وظلت يده هي العليا دائما حتى وافته المنية ...

آه والدي ها هو يطل عليَّ بوجهه الابيض الناصع وعينيه السوداوين الواسعتين وانفه المستقيم وذقنه الذي تملئة لحية سوداء وفمه الذي يعلوه شاربان تزيد وجهه جمالا وتمنحه جلال .

ياه…هل آن اوان الرحيل لم يزل عقلي يراجع الذاكرة وان ما يستعرض فيه فكرة كنت استمع اليها تقول :

(ان من يوشك على الرحيل ترتسم في ذاكرته صور الاهل والاحبة الذين سبق لهم الرحيل )

…خفق قلبي ولكني سمحت لذاكرتي بالتجول فيذلك الزمن …

لم يعد من خوف .اجل لم اشعر بمشاعر خوف او رهبة بل رحت اناجي والديَّ وهمست :

ابي …كم كانت جهودك مضنية وكم تكلفت من العناء لتوفر لنا العيش الكريم

امي …آه كم كنت حنونة وطيبة وكم احتملت من العذابات والالام لكي نحيا ونكبر وكم مرة كنت تكررين على اسماعنا واسماع الآخرين عبارة:

(كلما كبروا  كبر معهم خوفي عليهم وشفقتي بهم )……………….

اجل الحقيقة هي هذه …رحمكما الله يا والداي ….

هنا خنقتني العبرة واحسست بتدفق دموع ساخنة تتحدر على وجنتي َّ ومن العجيب ان بذرة الخوف في هذه اللحظة زرعت في اعماقي وتساءلت مع نفسي من جديد:

أهي النهاية…؟ ربما سألحق قريبا بأبويَّ…ها…ربما كان ذلك حقا …وتوجهت بدعائي لرب العالمين……………………
انه لم يزل على قيد الحياة

هتف احدهم واضاف:

لم يفقد وعيه بعد

سمعت هذه الكلمات يرددها طبيب شاب…

بعد لحظة توجه لي بالسؤال

ها …كيف حالك…؟

لم اجبه مما دعاه ان يكرر عليَّ السؤال بصيغة أخرى

هل تشعر بألم في رأسك…؟

اومأت اليه بالإيجاب وتمتمت بصوت خافت :

اظن انها اصابة خطيرة…

لم يدعني أكمل حديثي إذ قاطعني

كلا …كلا …يا …بعد لحظة اضاف متسائلا :
ابو من اناديك…؟

اجبت

ابو….ابو …ابو

اذكر ان لي عددا من الابناء والبنات رحت اردد اسمائهم واسمائهن

سمعت الطبيب يقول ضاحكا :

ارى انك من مناهضي تحديد النسل …الا يشكل كثرة الابناء عبئا ويحملك مسؤوليات كبيرة خاصة في هذا الزمن …؟
انهم اولادي …احبائي … انني ومن خلالهم وبهم اتعلق بهذه الحياة وهم لاشك امتداد للحياة… ولم انته من الحديث إذ ارتسمت في كاميرا المراقبة في ذاكرتي  الوصية الثانية من الوصايا العشرللكاتب(كينث كيت) التي مفادها

(إذا فعلت الخير سيتهمك الناس بأن لك دوافع انانية خفية …افعل الخير على اية حال )

ابتسمت واردت ان اواصل الحديث ولكن لم استطع ان اقول شيئا اذ لم يعد في كاميرات المراقبة لذاكرتي غير فراغ كبير ثم لم اعد اشعر بشيء.