يمارس الانسان بطبيعته التكوينية اساليبا متعددة لادارة شؤون حياته المتشعبة والمعقدة ، البعض منها يكون مشروعا بينما يكون البعض الاخر غير مشروع ، فأما المشروع منها فيعبر عن ذاته الالهية المطهرة بينما تمثل الاخرى جانب الشر الشيطاني في ذلك الانسان وبالتالي هكذا تكون الحياة كما تعلمنا وادركنا صراعا دائما بين متناقضين في كائن واحد ليتوسع لاحقا حتى يأخذ طابعا مجتمعيا وهنا تكمن خطورة الشر وغلبته احيانا على الخير الى يشاء الله تعالى .
وحتى لا نطيل في مقدمتنا ونجعل الحديث اكثر وضوحا نبدأ بتفصيل قضيتنا هذه الا وهي ” الاساليب الانسانية ” الى شقيها سالفا الذكر بدءا بالايجابية منها والتي اسميناها سلفا بالمشروعة حيث تتمثل تلك الاساليب بسعي الانسان الى خلق الاسباب المتاحة او المناسبة للوصول الى وسيلة ما تحقق له مبتغى ايجابي في مجالات العمل او العلاقات الانسانية او تلك المتعلقة بتطهير النفس ارضاءا للخالق جل وعلا الى اخره ، وهذا السعي يتم عبر تخطيط مسبق وتوفير بعض المقومات التي تساعد الفرد في تحقيق المبتغى او الهدف المنشود .
بينما تتمثل الاساليب غير المشروعة بالتخطيط والسعي الى الحصول على مكاسب دنيوية عبر الدهاء والتحايل تارة او ممارسة الخطايا الانسانية تارة اخرى دون ادنى اكتراث لمبدأ الصواب والخطأ .
ربما يختلف معنا الكثير الا انهم يعرفون شأنهم شأن المتفقين معنا حتمية ما نقول غير انهم يعزون اختلافهم الى قسوة الحياة وضرورة التغاضي احيانا عن بعض المبادئ للوصول الى سلم النجاح في اي من مفاصل حياتهم الطويلة والا والكلام لهم طبعا ان تحقيق المبتغى ربما يكون صعبا ان لم يكن مستحيلا في بعض تفاصيله .
هنا نتوقف قليلا ، لمناقشة هذه الفكرة الخاطئة والتي انتشرت بين ثنايا المعمورة والتي انبثقت منها ايديولوجية السياسة العالمية الحالية وربما جسدها المثل العربي الرائج ” الغاية تبرر الوسيلة ” ان الاساليب غير الشرعية حسب وجهة نظر المصلحين لا يمكن ان تكون ممرا او جسرا لغايات انسانية سامية كون ان النتائج الحتمية لمجريات الاحداث العالمية تبرهن بما لا يقبل الشك ان الفشل سيكون مصير من يسير وفق هذه النظريات ولو بعد حين استنادا الى نظريات رياضياتية فلكية سايكولوجية لا يسعنا الخوض بتفاصيلها لانها تستوجب ابحاثا لشرح ابعادها غير ان مختصرها يمكن تبيينه بقاعدة ثابتة الا وهي ان المتضادات لا يمكن في حال جمعها انتاج اهداف انسانية راقية يراد الوصول لها ، اي ان الخير مع الخير يمكن ان ينتج خيرا مضاعفا والعكس صحيح فيما يتعلق بالشر في حين لو جمعنا النقيضين فأن الناتج سيكون عشوائيا عبثيا ، فضلا عن ان الطاقات الفلكية لا يمكن لها الانتقال عبر محيط غير منسجم او متنافر ، اضافة الى ان القدرة السايكولوجية لأي انسان غير مهيأة لانتاج طاقة هجينة بين الموجب والسالب ، اي ان الانسان بمكونه الخلقي هو مصدر لأي من الطاقتين المتنافرتين فأما طاقات ايجابية او سلبية .
ولعل الامثلة كثيرة على ما طرحنا من قول على المستويين الديني او العلمي ، حيث نرى ان رموز الدين عبر تشريعاته المختلفة من انبياء او اولياء ، كانوا يحملون رسالات الهية سامية فضلا عن تمتعهم بطاقات استثنائية تسهل عليهم مهامهم والتي تهدف الى نشر التوحيد والمبادئ السامية بين اممهم ، الا انهم عوملوا بقسوة وتعرضوا للاذى والاذلال من قبل اقوامهم وظلوا هؤلاء الرسل والاولياء مع رجالهم واتباعهم يسيرون بنفس النهج صامدين دون اي اساليب ملتوية للوصول الى غاياتهم حتى ان بعضهم تعرض للقتل والتمثيل ولم يحاول استخدام اي وسيلة او حيلة للتخلص من هذا الموقف ثم اعادة الافكار لاحقا بما ينسجم مع فكرة الهدف اسمى من الوسيلة ، وبنفس الوقت ان هناك ملوكا وقادة بارزين ذكرهم التاريخ استخدموا هذه الطرق للنجاة من مواقف صعبة واجهتهم ، ولكن .. ماذا حصل لهم ؟ اصحاب تلك الرسالات السامية والذين كانوا مستضعفين انتصروا ولو بعد حين بينما هلك اولئك من كانوا يظنون انفسهم اذكى من الاخرين والتاريخ ومشاهده وثوابته تحكم على تلك النتائج ، اما على المستوى العلمي فنرى ايضا كبار العلماء والفلاسفة عانوا ما عانوا في بداية ابداعهم وصمدوا ورابطوا حتى تم اعتماد نظرياتهم بالكامل ، وبالتالي فأن ما تقدم يشير بما لا يقبل الشك استحالة جمع تلك المتناقضات في اسلوب واحد لشخص واحد وان السير بأحد الطريقين لا بد من تبنيه فأما الخير او الشر في حين يمثل الابتعاد عن الانصاف طريقا معبدا للانسان للوصول الى اهداف يراها ضرورية لاستمراريته .
واستنادا الى ما تقدم نرى أن هناك جهات معينة في امم معينة تعمل على تشويه المفاهيم الانسانية بنظريات تقود المجتمع العالمي الى الفوضى ليسهل بالتالي عملية ادارة هذا المجتمع بالشكل الذي يحققاجندات ربما تكون معروفة من قبلنا ومن قبل معظم النخب سواء في شرق الارض او غربها بشمالها وجنوبها ووسطها ، فضلا عن ان تلك الجهات حاولت وتحاول ليس فقط السيطرة على النظريات التي تقود العالم بل حتى على الاساليب الانسانية الفطرية التي وجدت مع وجود الانسان .
اخيرا .. ان تنوير الناس على حقائق لم نكتشفها نحن بقدر ما كنا مستذكرين لها نراه من اولويات واجباتنا الانسانية ، فضلا عن ضرورة التذكير بأنه لا يوجد طريق مسدود امام قدرات الانسان ،اي ان الطرق ربما لن تكون معبدة دائما بالورود الا انها سالكة للطامحين الى الوصول لسلم النجاح عبر طرقه الشرعية والفطرية التي باركها الله تعالى منذ خلقه للانسان ، اما بالنسبة للمترددين والذين يرغبون بمراجعة مسالكهم او اساليبهم الدنيوية نقول لهم ” مراجعة الاخطاء ليس عيبا بل التصميم عليها هو الذي يفقد الانسان قيمته الدنيوية