18 ديسمبر، 2024 11:29 م

ثلاثة أشهر من تشكيل حكومة السوداني: مالذي تغيير؟

ثلاثة أشهر من تشكيل حكومة السوداني: مالذي تغيير؟

مرت ثلاثة أشهر على تشكيل حكومة السيد محمد شياع السوداني بعد ازمة طويلة استمرت عاماً كاملاً كان التحالف الذي ينتمي اليه السوداني جزء اساسيا منه، حيث افرزت انتخابات تشرين الأول 2021 تقدم لقوى سياسية قديمة وجديدة في قبال تراجع كبير لقوى سياسية تقليدية أخرى وابرزها تحالف الإطار التنسيقي الذي ينتمي اليه السيد السوداني الى جانب الجدل الذي افرزته الانتخابات الأخيرة كان هناك جدل من نوع اخر، وهو جدل ما يمكن ان نسميه المشاريع والخطابات السياسية، ففيما طرح التيار الصدري عبر تحالفه انقاذ وطن الذي ضم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة، مشروع الأغلبية الوطنية، بالمقابل اصرت قوى الاطار التنسيقي على المضي بالمحاصصة السياسية والتوافقية، فيما حملت القوى المنضوية تحت هذه التحالف، التيار الصدري مجمل إخفاقات وقرارات حكومي السيد الكاظمي التي تشكلت بعد استقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي احد ابرز الشخصيات الداعمة للاطار التنسيقي اثر احتجاجات تشرين 2019 باتفاق ما بين بعض قوى الاطار التنسيقي الحالي مثل: تحالف الفتح من جانب، وبين التيار الصدري من جانب ثاني، وحظيت بتأييد من قبل القوى المكوناتية الأخرى من سنة، وكرد، ومن تلك القرارات التي اتخذتها حكومة الكاظمي رفع سعر الدولار امام الدينار العراقي وبموافقة قادة اغلب الكتل السياسية، وكذلك تحميل الكاظمي والقوى الساندة له مثل بعض القوى التشرينية وحتى التيار الصدري ما سمي بفشل مشروع طريق الحرير والحزام الصيني الذي اخذ هو الاخر بعدا إعلاميا وسياسيا لضرب الخصوم، الى جانب مسائل أخرى مثل ما سمي بالتحالف الرباعي بين العراق والأردن ومصر والسعودية، والتقارب العراقي مع بعض الدول العربية ومسائل أخرى.
وبالتالي مضى على تشكيل حكومة السوداني بعد ولادة قيصرية أكثر من ثلاثة أشهر مالذي حققه السوادني، ومالذي سيقدمه في الفترة القادمة، وكيف سيكون مصير حكومته امام التحالف الذي ينتمي اليه او امام القوى المعارضة الشعبية مثل التيار الصدري او حتى بعض ظواهر المعارضة الفردية البرلمانية، هذه الأسئلة وغيرها ستكون محط اهتمام المراقبين في الفترة القادمة، وسنحاول الإجابة على بعضاً منها من خلال الاتي من هذا المقال.
مثلما أشرنا ان انسحاب الصدريين مثل فرصة تاريخية لقوى الإطار التنسيقي ان تعيد نفسها من خلال تشكليها للحكومة خصوصاً وأنها لم تقدم منجز يذكر طوال العشرون عاماً الماضية، وهذا ما انعكس سالباً على روية المواطن في موقفه من هذه القوى، ومن دلائل ذلك تراجع هذه القوى في انتخابات تشرين الاول 2021 فبالتالي الاطار التنسيقي مطالب أولا وعبر رئيس الحكومة السيد محمد شياع السوداني ان يثبت حقيقة مواقفه السياسية السابقة من رفع قيمة الدولار مقابل الدينار على سبيل المثال اذ لم تستطيع الحكومة ان تفسر او ان توضح بطريقة علمية أولاً اسباب استمرار صعود الدولار ليس فقط منذ لحظه تغيير، وانما التدهور الحاصل حيث وصل الدينار العراقي الى اكثر من 160 الفا مقابل 100 دولار امريكي، وكان من المفترض وحسب المواقف السياسية والإعلامية لقوى الاطار التنسيقي ان يتم ارجاع قيمة الدولار الى سابق عهده عنده عتبه 125 على الأقل لكن الدولار في تصاعد وقد يشهد ارتفاعا اكبر يصل حتى الى 200 الفاً. وهذا التفرج امام هذا التدهور في قيمة العملة المحلية، وما تثيره من تداعيات على الطبقات الهشة، وعموم أبناء المجتمع العراقي يثير أكثر من علامة استفهام امام الحكومة، والقوى الساندة لها بعد أكثر من ثلاثة أشهر من تشكليها، حيث ان رئيس الحكومة نفسه عندما كان نائبا يوجه سهام النقد الى سلفه في رئاسة الحكومة حول تداعيات رفع قيمة الدولار امام الدينار العراقي، ويبدو ان هذه التصريحات والمواقف اليس الا من جزء من حرب سياسية بين القوى السياسية او ما يعرف بحرب التسقيط الإعلامي والشعبوي لأسباب تتعلق بالصراع على السلطة.
في حين تقف الحكومة عاجزة من تحقيق أي طفرة في المجالات التنموية الأخرى مثل ملف الخدمات، والاعمار، ومكافحة الفساد الذي بات هو الاخر كما كان سابقاً محل مساومات وتنازلات بين الكتل السياسية المشكلة للحكومة لأسباب عديدة أبرزها الخشية من تورط رؤوس كبيرة، وكتل سياسية نافذة منذ عشرون عاماً على مقدرات البلد المالية والإدارية.
الى جانب ذلك يبدو ان الحكومة الآن داخله في متاهة التفاهمات السابقة واللاحقة مع الكتل الداعمة لها اثناء تشكيل الكابينة الحكومية، ومع مرور اكثر من ثلاثة اشهر بدأت الخلافات تظهر الى العلن داخل اطراف الاطار التنسيقي حول المغانم والمناصب ناهيك عن الخلاف بين مجمل ائتلاف إدارة الدولة الذي يضم كل الكتل المشكلة لحكومة السيد السوداني من الكتل الكردية، والسنية، وحتى التركمانية بل ان هذه الخلافات أصبحت تهدد حتى رئيس مجلس النواب احد الأقطاب المتفق على التجديد له قبل أيام من تشكيل الحكومة الحالية، وكذلك الخلافات بين الكرد وصلت الى حد تهديد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بإقامة إقليم السليمانية منفصل عن كردستان، وهذا التهديد وان كان ذات مضمون شكلي يراد منه ممارسة الضغط على القوى المنافسة داخل الإقليم من اجل تحقيق مكاسب سياسية يرضي بها اقطاب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني امام انشقاق محتملة داخل الحزب.
ومما تقدم ربما حكومة السوداني تعلم قبل غيرها انها امام مسؤوليات وطنية كبرى خصوصاً وانها ولدت بعد عجز كما انها ليس حكومة طويلة الأمد بل انها وحسب ما جاء في برنامجها الحكومي تريد ان تعالج عدة ملفات ابرزها ملفات الفساد والخدمات والاعمار الى جانب إقامة انتخابات مبكرة او في اقصى حد خلال عامين ونصف على اعتبار ان الدورة النيابية الحالية مضى عليها اكثر من عام وثلاثة اشهر، على الحكومة ان تطرح نفسها بعيدا عن خيارات وسلوكيات قادة الكتل السياسية النافذة والمشكلة لها، امام اذا ما استمرت كحكومة ترضيات وصفقات السياسية فالأشهر القادمة قد لا تختلف عن الأشهر الماضية من تشكليها بل قد تكون الاسواء وستجني على نفسها بضغط ورفض شعبي متزايد، وهذا ما بدا يظهر على الراي العام العراقي لاسيما مع تدهور القيمة المحلية، وعودة المحاصصة السياسية والحزبية والمكوناتية بصورة غير مسبوقة والسكوت والمساومة امام المتورطين بالفساد المالي والإداري.