قرأت من باب التسلية معظم قصص وطرائف جحا ، رغم عدم قناعتي من كونه شخصية حقيقية فالأغلب هو من صنع المخيال الشعبي الشفاهي التي ذهبت فيه الحكايات مثلاً ومثالاً للفطنة والذكاء والاحتيال ايضاً كما لو انه من جماعة الـ 56 المعاصرة في هذا الوطن ، وأصبح انموذجاً لهذا الرقم المعاصر بمحتواه ودلالاته !
وجحا باعتقادي سياسي بارع حتى وان لم ينتم لحزب او حركة ، فمعياري للسياسي الناجح المحترف ، هو القدرة على تخطي الازمات وايجاد الحلول الواقعية لها باقل الاضرار او اكبر الارباح وكان جحا يخرج من ازماته ربحاً او باقل الخسائر . فيما لاتنطبق هذه المعايير على سياسيي الصدفة لدينا الذين ننعتهم بمنتجي الازمات وليس حلاليها كما في ازمة الدولار الحالية كنموذج على فشلهم الاكيد وعجزهم المؤكد .
في سرقة العصر أو فرهوده التي اصبحت عنوانا للبلاد على ايدي ثلة من اللصوص استولوا على بنك كما وصفهم الراحل محمد حسنين هيكل ، تبدو المحايثات معقولة بين حكاية من حكايات جحا وحكايتهم الفرهودية الفضائحية على طول البلاد وعرضها !
تقول حكاية عن جحا انه تسوّق من بقال بمبلغ من المال واعدا اياه بان يسدد ماعليه في وقت لاحق ، ومرّت الايام والاشهر دون ان يفي جحا بوعده فصار البقال يلاحقه في كل مكان مطالبا بتسديد ديونه . ولأن جحا موقن تماما انهه للن يسدد ماعليه مهما فعل البقال ن فقال له امام جمع من الناس :
– كم درهماً ثمن الأشياء التي أخذتها منك ؟
اجابه البقال :
– خمسون درهماً ..
فقال جحا:
– حسنًا سوف أعطيك غدًا 25 درهماً، وبعد غد 20 درهماً، إذًا كم درهم يتبقى لك؟ فقال البقال:
– خمسة دراهم فقط
فقال جحا متعجاً:
– الأ تستحي يا رجل أن تطاردني في كل مكان من أجل خمسة دراهم، أذهب وسوف أعطيهم لك غداً !
مرّت اللعبة على الجمهور الذي تعاطف مع جحا معتبراً ان مديونيته خمسة دراهم فقط ناسين مبلغ الدين الاصلي ، فوجهوا لومهم للبقال الذي يلاحق جحا من اجل خمسة دراهم فقط !!
تحوقل البقال وتركهم لايلوي على شيء ، ربما ينتظر فرصة ثانية ان جاءت للحصول على حقه المسروق من امام أعينه واعين الناس ، هذا الحق الذي تحوّل الى سبّة عليه وعلى اجداده !
لو استنسخنا هذا الدرس من مدرسة جحا وقايسناه مع ماحصل مع نور زهير وهيثم الجبوري ، مع بعض التحوير أو عرقنة الحكاية وعصرنتها ، لتوصلنا الى استنتاج ، ان لصوص البلاد ومفرهديها