ليس ما يتمناه المرء يدركه و ليس ما يراه خيرا له يعيشه، هي قصة و ملحمة طموح زوج مع التمني. فإن القدر شيء مقدس في الأزل و التمني انفعال نفسي يجر صاحبه إلى الأمنيات و يبحر به في المحيطات. وفجأة يتذكر أن هناك القدر المكتوب فيتراجع إلى طبيعته و مساره المنشود و المقدر له في الحياة. فيستغفر و ينيب عندما تزول عنه جيوش العاطفة و لذة الدنيا،فيقول في نفسه و تلك هي الحياة هل صنعنا لها المنهاج أم هي التي تصنع لنا ما تريد ؟.
إنه القدر و لا يستطيع الإنسان أن يكون له الاختيار في ما هو مسير و لا الإفلات منه أو السيطرة عليه. فإذا أراد لسعادة في الدنيا و النجاة في الآخرة، فعليه أن يخطط لما هو فيه مخير و يأخذ بالأسباب و يتوكل على الله في سره و علنه. و يترك المسير لمأموره و يشكره و يرضى بما قسم له. إن الطموح مشروع و متلازم في الإنسان و لولاه ما تزينت الحياةبزخرفها مثل العروس يوم زفافها. و في ذلك نجد في طبيعة بني البشر أصناف، منهم من عندما يواجه الحياة لأول مرة تبهره و تخوفه بنوائبها،فيستسلم لها و يترك لها المقود، هو ذلك المطيع الراضي المسلم الذي يترك لها كل حقوقه المخير فيها. و هناك من له طموح متشبث بها، لم تساعده على انجازه فيفر منها و يتمرد عليها و تصبح عدوا له ولا يفعل شيء في حياته إلا القليل فمعيشته تكون غالبا سلبية ولا يراها إلا من باب واحد. و هناك مَنْيستأنس لها و يصاحبها و يأخذ منها عند ما يكون الوقت وقته و ينتظر و يصبر عند ما يفقد وقته. هو ذلك الصنف الذي يستطيع السير مع شرها و خيرها و يتعود على سلوكها و معيشتها مرها و حلوها و التعامل معها فيشبه فرس أمرؤ القيس (مكر مفر مقبل مدبر معا). و ذلك هو التوازن الطبيعي المقبول، يقول المولى عز و جل (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )2 – العنكبوت.
سُئِلَ القدر ذات يوم، فأجاب قائلا: أنا مشيئة الله، قال عني النبي صلى الله عليه وسلم “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة “رواه مسلم. و قال أيضا عني ابن القيم”القدر شرعاً تقدير الله عزّ وجل للأمور في الماضي، وكتابته للأمر ومشيئته له وعلمه بحدوثه بأوقات معلومة وصفات مخصوصة، و وقوعها كما قدّرها الله تعالى، أمّا لغةً: فهو التقدير، وتسميةً لأمور لم تحدث بعد. … تمّ خلق الله عزّ وجل كما علمه وكتبه وشاءه”. و قال القدامى في وصف الدنيا الذين أكلوا منها و أكلت منهم:
“لا تَسْتَهِمْ مِنْ الهَمْ ولا تَطْمِعْ بالخَيْر دِيما- الفَلَكْ ما هو مُصَمَرْ و الأيامْما هي اَمْدِيما“. أو
إذا أتاكَ الزمنُ بضرٍ فاَلْبَسْ له ثوبا مِنَ الرِضَى (عسى و عسى ).
و عن سؤل التمني، فقال ذالك هو الإحساس بالأماني والتطلع للطموحات التي ترسم باختلاف أحوال صاحبها، فإما أن تكون محمودة أي التمني في الخير أو مذمومة، ولا بد للنفس التغذي كما قيل :
فَبِالْأَمَانِي تَتَسَلَّى النُّفُوسُ، وَتَتَحَفَّزُ الهِمَمُ، وَيُبْنَى التَّفَاؤُلُ، وَيُصْنَعُ الأَمَلُ.
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالْآمَالِ أَرْقُبُهَا *** مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الأَمَلِ
فلولا التمني لا يعيش المرء و لا تستمر الحياة، فنحن بني البشر نبحر بأفكارنا في بعض الأحيان إلى ما لانهاية و غالبا ما تكون لنا الدهشة عند ما تخرجنا العاطفة و الأمنيات عن طبيعتنا. إذا كان هذا الزوج يغمره التمني فهو مثل كل إنسان يأمل أن يكمل ما هو مشروع له في حياته فندعو الله أن يجعل المطلب قدرا مقدورا.