خاص: قراءة- سماح عادل
يحكي الكتاب عن أبناء راجبوتانا الذين ينتمون إلى الحضارة الهندية القديمة، حيث اتصفوا بالشجاعة والبسالة، رجالا ونساء، وقد اعتبروا القتال فنا يتمتعون به ويتقنونه. وذلك في الحلقة الستين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
أبناء راجبوتانا..
يحكي الكتاب عن ساموراي الهند: “كانت ملحمة راجبوتانا بمثابة السراج الذي أضاء “العصر المظلم” أمداً قصيراً؛ ففي ذاك العهد قام في دويلات “موار” و”ماروار” و”عنبر” و”بيكانر” وكثير غيرها مما يرنّ بأسماء كهذه رنين النغمات، قام في هذه الدويلات شعب خليط، هو نتيجة تزاوج الوطنيين بالسُّكيَّت والهون الغزاة، وأقام مدينة إقطاعية تحت سلطان طائفة من الأمراء المقاتلين الذين جعلوا همهم فن الحياة أكثر مما جعلوه حياة الفن، وقد بدئوا بالاعتراف بسلطة الأسرتين الحاكمتين “موريا” و”جوبتا”، ثم انتهوا بعدئذ إلى الدفاع عن استقلالهم، ثم الدفاع عن الهند بأسرها في وجه الجموع المحتشدة من المسلمين الذين جاءوها زاحفين.
وكانت قبائل هؤلاء الأمراء تتميز بشهامة عسكرية وشجاعة لا نعهدهما عادة في أهل الهند؛ فلو جاز لنا أن نأخذ بما يقوله عنهم مؤرخهم “تود” المعجب بهم، فكل رجل من رجالهم كان “كشاتريَّاً ” جريئاً (الكشاترية هي طبقة المقاتلين) وكل امرأة من نسائهم كانت بطلة مقدامة؛ بل إن اسم هذه القبائل، وهو “أهل راجبوت” معناه “أبناء الملوك”، فإن رأيتهم أحياناً يطلقون على بلادهم اسم “راجستان” فما ذاك إلا ليصفوها بأنها “مقر العنصر الملكي””.
“عصر الفروسية”..
ويواصل عن عصر الفروسية: “ولو نظرت إلى أنباء هذه الدويلات الباسلة لرأيت فيها كل ما جرينا على نسبته إلى “عصر الفروسية” من صفات الشجاعة والولاء والجمال والخصومات قتل بعضهم بعضاً بالسم والاغتيال والحروب وخضوع المرأة وما إلى ذلك كله من عبث القول وتفخيم الوصف؛ فيقول “تود”: “إن رؤساء راجبوت كانوا يتحلون بكل الفضائل التي عرف بها الرجل من فرسان الغرب، ثم هم يفوقونه بكثير من قدراتهم العقلية” وكان لهم نساء جميلات لم يترددوا في الموت من أجلهن، وكانت المجاملة وحدها تحمل هؤلاء النساء على أن يصحبن أزواجهن إلى القبر مصطنعات طقوس قومهم في هذا الشأن؛ ومن هؤلاء النسوة فريق كان له حظ من التربية والتهذيب، كما كان بين الراجات شعراء وعلماء، حتى لقد شاع بينهم حيناً من الدهر ضرب رقيق من ضروب التصوير بألوان الماء على النمط الفارسي الوسيط، ولبثوا قروناً أربعة يزدادون في ثرائهم حتى بلغوا منه حداً استطاعوا معه أن ينفقوا عشرين مليوناً من الريالات على تتويج ملك المواريين”.
فن القتال..
وعن اعتبارهم القتال فنا يوضح: “وكان موضع فخرهم هو نفسه مأساتهم، وذلك أنهم يمارسون القتال على أنه أعلى ما تسمو إليه الفنون، لأنه الفن الوحيد الذي يليق بالسيد من أهل راجبوت ولقد مكنتهم هذه الروح الحربية من الصمود للمسلمين في بسالة يسجلها التاريخ، لكن هذه الروح الحربية نفسها جعلت دويلاتهم الصغيرة على حال من الانقسام والضعف الناشئ عن مقاتلة بعضهم بعضاً، بحيث لم تعد شجاعتهم كلها قادرة على صيانة كيانهم في نهاية الأمر؛ وتقرأ ما يقوله “تود” في وصف سقوط شيتور- وهي إحدى عواصم الراجبوت- فتقرأ وصفاً لا يقل في خياله الشعري عن أية أسطورة من أساطير “أرثر” أو “شرلمان”. ولما كان هذا الوصف مستمداً من مصدر واحد، وهو ما قاله المؤرخون الوطنيون الذين دفعهم إخلاصهم لوطنهم أن يحيدوا عن الصدق فيما رووا، فلا شك أن هذه الأنباء العجيبة، “أنباء راجستان”، يجوز أن تكون ذات نزعة أسطورية تقرّبها من “موت أرثر” أو “أنشودة رولان”.
الأميرة “بودميني”..
وعن حكاية تاريخية يذكر: “في رواية هؤلاء المؤرخين أن الفاتح المسلم علاء الدين لم يطلب شيتور لذاتها، بل سعياً للحصول على الأميرة “بودميني” وهذا لقب تلقب به من كانت فاتنة بجمالها فتنة ليس بعدها مزيد”، وقد عرض الرئيس المسلم أن يرفع الحصار عن شيتور إذا قبل القائم بالحكم فيها نيابة عن الملك أن يسلم له الأميرة، فلما رفض طلبه هذا، عاد علاء الدين فعرض أن ينسحب إذا أتيح له أن يرى “بودميني”، وأخيراً وافق على الرحيل إذا مكّن له من رؤية “بودميني” في مرآة، لكنهم أبوا عليه حتى هذا، وبدل أن يجيبوا له رجاءه تضافرت نساء شيتور وانضممن إلى صفوف الدفاع عن مدينتهن، فلما رأى أهل راجبوت زوجاتهم وبناتهم يمتن إلى جوارهم، لبثوا يقاتلون حتى فني آخر رجل من رجالهم، حتى إذا ما دخل علاء الدين المدينة، لم يجد داخل أبوابها أثراً واحداً من آثار الحياة البشرية، فقد مات رجالها جميعاً في ميدان القتال، وأحرق زوجاتهم أنفسهن مصطنعات تلك الطقوس المخيفة التي كانت تعرف عندهم باسم “جوهور””.