خاص: إعداد- سماح عادل
نكمل الحديث عن تنظيم فرسان الهيكل الذين يردد البعض أنه من أحد التنظيمات السرية التي أخذ عنه الماسون أو بالأحرى انبثقوا منه.
لا يمكن الجزم بعدد الأعضاء المنتمين للتنظيم بدقة، ولكن تشير التقديرات إلى أن عدد المنتمين للتنظيم في أوج قوته بلغ ما بين 15000 أو 20000 عضوًا، وقرابة العُشر منهم من كان فارسًا عسكريًا بالفعل.
الرتب والدرجات..
الرتب الأساسية: كانت هناك ثلاثة رتب في صفوف فرسان الهيكل هي: الفرسان النبلاء، والرقباء غير النبلاء، والكهنة. وكان ذوو الرتب الثلاث يرتدون حلة عليها شعار الصليب الأحمر.
الفرسان النبلاء:
يعتبرون المرتبة الأولى في فرسان الهيكل. لم يكن هناك مراسم لتنصيب هؤلاء الفرسان، حيث كان على أي فارس يرغب في أن يصبح من فرسان الهيكل أن يكون فارسًا بالفعل. ويعتبر الفرسان النبلاء الفرع الأكثر أهمية والبارزين في التنظيم، وكانوا يرتدون عباءات بيضاء ترمز إلى النقاء والعفة. وكانوا مجهزين بالأسلحة وبالدروع الثقيلة، وبين كل 8 فرسان يصبح واحد منهم قائدا عليهم، ومن بين كل ثلاثة أو أربعة فرسان كان يوجد واحد أو اثنين من التابعين (فرسان ناشئين). والتابعون عمومًا ليسوا أعضاء في النظام ولكن كان يستعان بهم بدلا من الغرباء الذين تم تعيينهم لفترة محددة من الزمن، حتى يتم ترقيتهم إلى رتبة فارس.
الرقباء غير النبلاء:
وكان يقبع تحت مرتبة الفرسان عناصر من الأسر غير النبيلة والذين كانوا يسمون رقباء. حيث يتميزون بالمهارات الحيوية واتقان الحرف مثل الحدادة والبناء، ويديرون العديد من الأنشطة في أوروبا. كانوا في الولايات الصليبية يقاتلون إلى جانب الفرسان ولكن باستخدام دروع خفيفة مع حصان واحد. استطاع بعض الرقباء الوصول إلى مناصب ومراتب عالية، منها منصب قائد خزينة المال في عكا، الذي كان بحكم الأمر الواقع قائدا لأسطول التنظيم (أسطول فرسان الهيكل)، وكانت ملابس الرقباء باللونين الأسود أو البني.
الكهنة:
في عام 1139م، شكلت فئة من رجال الدين ليكونوا المرتبة الثالثة في التنظيم وأطلق عليهم لقب الكهنة، ويتم رسم الكهنة من خلال مراسم خاصة، ويعتبر أعلاهم هو كبير الكهنة، كانت مهمة الكهنة توفير الاحتياجات الدينية أو الروحية لفرسان الهيكل، ولا يشاركون بأية أعمال قتالية.
الرتب العليا:
يطلق على الرتب العليا اسم القادة الكبار (Grand Masters) هي درجة تم انشاؤها في عامي 1118 – 1119 م على يد هيوجز دي بانز والذي أصبح أول قائد للتنظيم لقب بالقائد الأكبر، وهو منصب يظل فيه مدى الحياة، ولكن ومن أجل الحفاظ على بقاء التنظيم وضمان استمراريته، يسمح لجميع القادة بالمشاركة في المعارك فيما عدا اثنين منهما يظلان في مقر التنظيم وذلك لضمان عدم وفاة جميع القادة في المعارك القتالية، فعلى سبيل المثال:
حصار عسقلان عام 1153 كان القائد الأكبر برنارد دي تريميلي يقود مجموعة من الفرسان أثناء عملية اختراق جدران المدينة، ولأن باقي جيش الصليبيين لم يتبعوهم، حوصرت هذه المجموعة مع قائدهم وتم القضاء عليهم جميعاً، أيضا القائد الأكبر جيرارد دي ريدفورت الذي قطع رأسه بأمر من صلاح الدين الأيوبي بعد القبض عليه في حصار عكا (1189) نتيجة لخيانته ونقض العهد بينهم.
يشرف القائد الأكبر على جميع العمليات لجميع الدرجات والرتب، منها العمليات العسكرية في الأراضي المقدسة وفي وسط أوروبا، بالإضافة إلى جميع التعاملات المالية والصفقات في أوروبا الغربية. بعض القادة الكبار يكون لهم دور كقادة للمعارك، مع أن هذه الفكرة غير حكيمة حيث تشهد أخطاء فادحة، وهو ما برز خلال قيادة دي ريدفورت لأحد المعارك والتي تسبب في هزيمة الصليبين في معركة حطين، يعتبر جاك دو مولاي هو آخر القادة الكبار لتنظيم فرسان الهيكل والذي أعدم حرقا في باريس عام 1314 بأمر من الملك فليب الرابع ملك فرنسا.
الهيئة..
يعتبر برنارد كلايرف والمؤسس هوغوس دي باينس أول من وضع القوانين الانضباطية لللتنظيم. ويعرف لدى المؤرخين المعاصرين بـ«القانون اللاتيني»، يحتوي على 72 مادة تقوم بتعريف السلوك المثالي للفرسان، مثل: تحديد نوعية الملابس التي يرتدونها، عدد الأحصنة التي يحصلون عليها، طريقة تناول الفرسان للطعام في صمت، عدم تناول اللحوم أكثر من 3 مرات أسبوعياً، عدم الاتصال الجسدي مع أي امرأة، عدد أفراد عائلاتهم، أيضا تشتمل على تكوين المجموعات الصغيرة للقادة والتي تتكون من : «4 جنود على أحصنة وأحد الكهنة وأحد الكتاب، ورقباء على حصانين، وفارس نبيل بدروعه وأسلحته على حصان واحد»، وكلما كبر التنظيم وأتسع أُضيفت بنود جديدة، ووصلت مسودة البنود الأساسية من 72 إلى مئات من البنود في صيغتها النهائية.
كان الفرسان يرتدون معطفا وعباءة من اللون الأبيض مرسوم عليهما صليب أحمر، بينما كان الرقباء يرتدون سترة قصيرة سوداء عليها صليب أحمر من المقدمة مع عباءة سوداء أو بنية اللون. اختيرت العباءة البيضاء في «مجلس ترويس» بينما الصليب أُضيف لاعتبارات دينية، والذي استخدم كشعار للحملة الصليبية الثانية عام 1147 حينما قرَّر البابا أوجين الثالث والملك لويس الخامس والشخصيات الأخرى التي حضرت الاجتماع الذي تم في المعبد الفرنسي ليكون المقر الرسمي لهم بالقرب من باريس، ووفقا لقوانينهم، كان إذا تم ارتداء الزي الأبيض يحظر على الفرسان تناول أي طعام أو شراب طيلة ارتدائهم له.
يعتبر الصليب الأحمر الذي يرتدونه رمزاً للتضحية، وحسب معتقداتهم أن الموت في المعارك يعتبر شرفا عظيما يضمن لهم مكانا في الجنة، وحسب تعليمات الكاردينال، فلا يجب على المحاربين الاستسلام إلا إذا سقط علم فرسان المعبد، وقبل هذه المرحلة عليهم أن يتجمعوا مع باقي المجموعات المسيحية مثل مجموعة الهوسبتاليين (فرسان مالطة)، وإذا سقطت جميع الأعلام يسمح لهم بالانسحاب من أرض المعركة، كان هذا المبدأ لا هوادة فيه، فهو إلى جانب السمعة العالية للشجاعة والتدريب المميز والأسلحة الثقيلة، جعلت من فرسان المعبد واحدة من القوات المقاتلة الأكثر رعبا في العصور الوسطى.
وبالرغم أنه لم يكن منصوص عليه في قوانين الفرسان، قام أعضاء التنظيم في وقت لاحق بترك لحاهم لتكون طويلة، ففي عام 1240 وصف البريك دي تورفونتي فرسان المعبد بأنهم «تنظيم الأخوية الملتحين»، وفي أثناء التحقيقات التي أجراها مستشارو البابا في باريس ما بين عامي 1310- 1311، كان هناك 230 فارسا يتم استجوابه منهم 76 فردا كانت لحاهم طويلة، بينما كان هناك 133 فردا قالوا أنهم حلقوا لحاهم حتى يستطيعوا الهروب من محاولات القبض عليهم .
حفل استقبال..
كان هناك حفل للاستقبال والمعروف لدى التنظيم بـ (receptio)، ويشتمل على التزام وهيبة عميقة أثناء المراسم. كان يمنع على الغرباء حضور الحفل، وهو ما أثار شكوك المحققين في القرون الوسطى خلال التجارب في وقت لاحق. حيث كان الأعضاء الجدد يوقعون طوعا على تسليم جميع ثرواتهم وممتلكاتهم إلـى التنظيم وقطع وعود بالتقشف والعفة والتقوى والطاعة، معظم أعضاء التنظيم عادوا إلى الحياة العادية سريعا على الرغم من أن بعضهم كان مسموحا لهم بالانضمام لفترة محددة. أحيانا كان يسمح للرجل للانضمام إذا كان متزوجا، ولكن لا يسمح له بارتداء العباءة البيضاء مطلقا.
تنظيمات أخرى..
ساهمت قصة الاضطهاد والانحلال المفاجئ لأقوى جماعة سرية في العصور الوسطى في رسم ملامح ظهور جماعات أخرى زعمت أنها كانت على صلة بتنظيم فرسان الهيكل، لكي تساهم في تحسين صورهم وإضفاء طابع من السرية عليها، لا يوجد هناك إثبات تاريخي حول وجود صلة بين جماعة فرسان الهيكل (التي تم حلها وتفكيكها في الكنيسة الكاثولوكية عام 1309 مع مقتل جاك دو مولاي آخر قائد كبير لها) وأي تنظيمات حديثة، ظهرت ادّعاءات مثل التنظيم الإسكتلندي الذي ظهر للعلن في القرن الثامن عشر الميلادي، والذي تعرض كثيراً لحالة من الارتباك العام بسبب تساؤلات حول تفسير سر الفجوة التي تبلغ 400 عام؛ أيضا في عام 1853 وفي عهد نابليون الثالث والذي شهد الاعتراف رسمياً بمنظمة OSMTH وهي اختصار (Ordo Supremus Militaris Templi Hierosolymitani) وهو تنظيم قائم على أساس تقاليد جماعة فرسان الهيكل في القرون الوسطى وتحتفل بشكل روحاني، ولكنه لا يثبت هذا النسب المباشر للتنظيم الذي أسسه هوغو دي باينس سنة 1118 قبل أن يحله البابا كليمينت الخامس عام 1312.
أثار مقدسة..
نسجت العديد من أساطير فرسان الهيكل كان سببها العلاقات مع تنظيمات كانت تقع في جبل الهيكل بالقدس، وهناك دعاوى حول أن آثارا لفرسان الهيكل قد وجدت هناك، مثل الكأس المقدسة وتابوت العهد، وجود هذه الآثار في حوزة فرسان الهيكل كان مؤكدا، فهناك العديد من الكنائس ما تزال تعرض بعض من هذه الآثار المقدسة مثل: عظام القديس وقصاصة من الملابس التي كان يرتديها القديسيون وجمجمة أحد الشهداء، وهناك بعض الوثائق التي أثبتت وجود قطع من الصليب الأصلي للمسيح، وكانت هناك العديد من الآثار بحوزة أسقف عكا ومع خسارة معركة حطين ضد المسلمين سقطت هذه الآثار في يد صلاح الدين الأيوبي الذي ردها لاحقًا ليفتدي بعض المسلمين الذين استسلموا في حصار عكا عام 1191م، وقيل أن فرسان الهيكل كانوا يستحوذون على رأي القديس أوفومية خلقيدونية.
وكانت هذه الآثار موضع التحقيق الذي أُقيم خلال محاكم التفتيش لفرسان الهيكل، حيث تشير وثائق المحاكمة إلى وجود مجموعة من الأصنام التي يعبدها البعض، كما أشارت إلى وجود أوثان مثل القطط أو رأس مقطوع أو إلى شيء يسمى «بهوميت». وقد أدى وجود هذه المقتنيات إلى الاعتقاد الخاطئ الحديثة من قبل بعض فرسان الهيكل التي تمارس السحر، لكن بعض الباحثين المعاصرين قاموا بشرح أن اسم بهوميت الذي ورد في وثائق المحكمة ما هو إلا خطأ في النطق بالفرنسية اسم محمد (Mphammet).
سرعان ما أصبحت الكأس المقدسة مرتبطة بفرسان المعبد، ففي القرن الثاني عشر قدمت الكأس الرومانية الأولى من لو كونتي دو جرال، وكتب في 1180 من قبل كريتيان دي تروا، الذي جاء من نفس المنطقة التي أعلن فيها مجلس تروا رسميا إنشاء تنظيم فرسان المعبد. وبعد عشرين عاما أصبحت نسخة وولفرام فون إيشينباك هي الأساسية، ويشير إلى فرسان تسمى ” Templeise” وتعني حراس كأس المملكة، وفي الواقع اتفق معظم العلماء على أن قصة الكأس كانت كذلك تماما، وأن الخيال الأدبي بدأ تداولها في العصور الوسطى.
أهداف سرية..
حيث يقول المؤرخ الفرنسي “غينام لافورج” أن الهدف الحقيقي من تنظيم فرسان الهيكل كان الحصول على كتابات والآثار التي تشرح العادات والتقاليد السرية اليهودية والمصرية القديمة وأن بحوث هذه الجماعة قرب خراب معبد سليمان لم تذهب هباء بل حصلوا على أشياء معينة كانت كافية لتغير نظرتهم في الحياة فتوصلوا إلى كابالا وهو فرع من فروع الباطنية اليهودية السرية. فارتدُّوا سرًّا عن النصرانية إلى عقيدة الكابالا اليهودية الوثنية لعَبَدة الشيطان واعتماد السحر الأسود والطقوس السرية الشيطانية، وقدسوا صنم اسمه “بافومت” وهو عبارة عن صنم شكل آدمي برأس ماعز أسود وجناحين وهو يمثل الشيطان ويمثل أيضا السيطرة على الخليقة بواسطة علوم السحر.
ولما هزم البطل صلاح الدين الأيوبي الصليبيين في معركة حطين عام 1187م، واستعاد مدينة القدس من أيديهم، صفح عن معظم المسيحيين، ولم يصفح عن فرسان المعبد بل أعدمهم، وبعد زوالهم في الشرق ازدادوا نشاطا في فرنسا لكن انكشفت ممارساتهم السرية فأعلن الملك الفرنسي فيليب والبابا كلمنت الخامس تحريم هذه الطريقة وإلقاء القبض على أعضائها عام 1307م، ومع أن بعضهم نجح في الفرار إلا أنه تم القبض على معظم أفرادها.
وفي أثناء المحاكمات الطويلة التي أعقبت ذلك اعترف هؤلاء بأنهم تركوا الدين المسيحي فعلًا، وأنهم كانوا يهينون السيد المسيح وأمه؛ لذا تم إعدام زعمائهم وعلى رأسهم “الأستاذ الأعظم لهم” جاكوس مولاي عام 1314م، وسجن الباقون، فانفرط عقد هذه الجمعية في فرنسا، ولكن هذه المحاكمات والإعدامات لم تستطع القضاء على فرسان المعبد. فقد نجح بعضهم في الفرار من فرنسا لاجئين إلى أيرلندا وملكها “روبرت بروس” الذي كان الملك الوحيد في أوربا الخارج عن إمرة البابا ونفوذه وسيطرته.
وهناك أعادوا تنظيم صفوفهم مرة أخرى، ولكنهم وجدوا طريقة جديدة في التخفي عن الأنظار والاستمرار سرًّا في نشاطهم، وتسللوا إلى منظمة “البنايكن”، وكانت من أقوى المحافل المدنية في بريطانيا آنذاك، وسرعان ما سيطروا عليها تمامًا، ثم تغير اسم هذا المحفل إلى “محفل الماسونية”. والتي تريد الهيمنة على العالم وإلغاء أي فكر ديني وإحلال المادية مكانه وقد بدأت بتحقيق أهدافها مع نشوب الثورة الفرنسية سنة 1789 حين انتقمت لإحراق قائدها.
الجذور الإسرائيلية..
يقول مؤرخون إن هيكل سليمان في بيت المقدس كان يضم مدرستين إحداهما للصبيان والأخرى للفتيات، وكانت الأولى تخرج كهنة الهيكل والربانيين والأحبار ليكونوا صفوة المجتمع اليهودي، وكانوا يُختارون من العائلات الثابت انحدارها من سبط لاوي المتحدر من هارون، بينما يختص سبط يهوذا المتحدر من داوود بالمُلك.
وعندما هدم الإمبراطور الروماني فسباسيان الهيكل سنة ٧٠ تفرق رؤساء السبطين وأسرهم ومن تبعهم في أرجاء الأرض، واستقر عدد كبير منهم في أوربا الغربية. وكانت تقاليدهم تقتضي الاندماج في المجتمعات الأخرى والتظاهر باتباع الدين السائد وإخفاء أنسابهم الحقيقية، بخلاف عوام اليهود ممن يعلنون أنسابهم ويمارسون شعائرهم.
وطوال قرون حرص سبط المُلك وسبط الكهانة على التوغل في المجتمعات والصعود إلى قمتها، فأحد فروع أسر الملك الإلهي صار هو صلب الأسرة السكسونية الحاكمة في إنجلترا، كما امتزج فرع آخر مع الأسرة الميروفنجية التي حكمت فرنسا مابين القرنين الخامس والثامن الميلاديين، بينما وصل فرع آل سيتوارت إلى عرش اسكتلندا.
ومن هذه الأسر أيضا آل سان كلير التي حكمت نورماندي شمال غرب فرنسا، وتزاوج أبناؤها مع أسر الملك الإلهي الأخرى في فرنسا وهي شومو وجيزور وكونت وكونت شامبان وبلْوا وبولون.
ووفقا لكتاب “المُلك الإلهي” Rex Deus الصادر عام 2000 للمؤلفين الثلاثة “غراهام سيمانز وتيم والاس ميرفي وماريلين هوبكنز”، فإن مجموعة أسر الملك الإلهي كانت قد سيطرت على معظم أوربا الغربية مع مطلع القرن العاشر الميلادي بتغلغلها في الأسر الحاكمة، وهو أمر لم يلاحظه معظم المؤرخين التقليديين.
ونتيجة لهذا النفوذ نجحت الأسرة الميروفنجية في التغلغل إلى داخل الكنيسة الكاثوليكية وصولا إلى تعيين ستة بابوات من أصول ميروفنجية، كان أولهم البابا سلفستر الثاني سنة ٩٩٩، وآخرهم هو أوربان الثاني الذي أعلن بدء الحروب الصليبية عام 1096 باسم الكاثوليكية، وذلك بعد استكمال خطة حشد أوربا المسيحية وراء أسر الملك الإلهي التي تجري فيها الدماء الإسرائيلية.
مع وصول الصليبيين إلى الأراضي المقدسة وسيطرتهم على بيت المقدس، انتقلت خطة أسر الملك الإلهي إلى المرحلة التالية، ففي سنة ١١١٨ سافر إلى القدس تسعة فرسان من السلالة الإسرائيلية وعلى رأسهم هوج دي بايان وأندريه دي مونتبارد، والتقوا بالملك بلدوين الثاني الأخ الأصغر لأول ملوك مملكة أورشليم اللاتينية الصليبية جودفروا دي بويون وخلفه عليها، وأسفر اللقاء عن تكوين منظمة فرسان الهيكل تحت مسمى “الجنود الفقراء من أتباع المسيح وهيكل سليمان”.
وكان الهدف المعلن للمنظمة هو حراسة طرق الحج المسيحية من سواحل يافا إلى أورشليم وحماية الحجاج المسيحيين القادمين من أوربا من قطّاع الطرق. وذهب بعض الباحثين إلى أن هذا الهدف لم يكن سوى غطاء لأهدافهم الحقيقية، وذلك لسببين، الأول هو أن تأمين طرق الحج الطويلة من يافا إلى أورشليم مهمة يستحيل أن يقوم بها تسعة فرسان في الأربعينيات من العمر، والثاني أنهم جعلوا مقر قيادتهم في المسجد الأقصى وليس على طريق الحج كما يُفترض.
فبعد استيلاء الصليبيين على القدس وتحويلها إلى مملكة أورشليم اللاتينية، حوّلوا المسجد الأقصى إلى “هيكل الرب”، وفي السنوات العشر الأولى من عمر المنظمة لم تفعل شيئا له علاقة بالمهمة التي ادعتها بل كانت مشغولة فقط بالحفر والتنقيب تحت المسجد الأقصى، حيث اكتشف الكابتن البريطاني وارين في سنة ١٨٦٧ الأنفاق التي حفرها فرسان الهيكل وفيها بعض آثارهم من تروس وصلبان.
بنائين..
وبالإضافة إلى قوتهم الاقتصادية، كان فرسان الهيكل أعظم البنائين في القرون الوسطى، فشيدوا لمنظمتهم خمسة عشر ألف مقر خلال قرنين، وكانت مقراتهم تتضمن مزارع وطواحين وحظائر خيول وكنائس وأديرة وحصونا، ومن أشهر آثارهم قلعة صفد في فلسطين.
وكان إنوسنت الثاني قد سمح لهم سنة 1139 ببناء كنائس خاصة بهم لا تخضع لسيطرة الأبرشيات والأسقفيات المحلية، فكثفوا عملية البناء، واختاروا لمقراتهم مواقع مرتفعة للإطلال على طرق الحج والتجارة، وابتدعوا تصميما جديدا للكنائس هو الطراز الدائري القوطي، والذي تعمدوا فيه محاكاة تصميم هيكل سليمان.
وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر تمايز البناؤون في أوربا إلى ثلاث طوائف، الأولى هي أبناء الأب سوبيس التي تتولى بناء الكنائس على الطراز الروماني، والثانية أبناء ميتر جاك المختصة بتشييد القناطر والجسور، أما الثالثة وهي المرتبطة بفرسان الهيكل فاسمها أبناء سليمان، وكانت تهتم ببناء الكنائس والأديرة الضخمة على نمط العمارة القوطية، وهي تنسب نفسها للنبي سليمان بن داوود باني الهيكل، وقد وضع فرسان الهيكل في عام 1145 لائحة قواعد تنظم شؤون الحياة اليومية لأبناء سليمان، بما فيها طريقة الأكل والنوم والثياب، فهي تجعل من بناء الكنائس رسالة خالدة ولها طقوس وشروط ونمط حياة خاص.
أصل الماسونية..
يقول “ول ديورانت” في موسوعة “قصة الحضارة” إن الإسماعيليين استخدموا أعضاء جماعاتهم السرية في التجسس والدسائس السياسية، ثم انتقلت طقوسهم إلى بيت المقدس وأوربا، وكان لها أكبر الأثر في أنظمة فرسان الهيكل ومنظمة النور البافارية (إلوميناتي)، وغيرها من الجماعات السرية التي قامت في العالم الغربي، كما كان لها أكبر الأثر أيضًا في طقوسها وملابسها.
أما مؤلف كتاب “تاريخ الماسونية” كلافل –وهو من أقطاب الماسونية- فيؤكد أن منظمة فرسان الهيكل كانت على علاقة وثيقة بالإسماعيلية “ويقصد جماعة الحشاشين تحديداً”، فكلاهما اختارتا اللونين الأحمر والأبيض شعارًا لهما، واتبعتا النظام نفسه والمراتب نفسها، فكانت مراتب الفدائيين والرفاق والدعاة تقابل المراتب نفسها لدى فرسان الهيكل وهي المبتدئ والمنتهي والفارس، كما تآمرت المنظمتان على “هدم الدين” الذي تظاهرت باعتناقه، وشيدتا الحصون العديدة للاحتماء بها.
ويتفق معه الباحثان الماسونيان كرستوفر نايت وروبرت لوماس في كتابهما الشهير “مفتاح حيرام” بتأكيدهما على أن أصل الماسونية يرجع إلى فرسان الهيكل.
وتحدث مؤرخون عدة في الشرق والغرب عن زيارة قام بها دي مونتبارد إلى قلعة شيخ الجبل سنان بن سلمان ليتلقى على يديه أصول العمل السري والاغتيالات، ما دفعهم إلى القول إن الحشاشين الإسماعيليين لعبوا دورا جوهريا في تطوير أنظمة الجمعيات السرية لتصل إلى وضعها الحالي في العصر الحديث.