19 ديسمبر، 2024 7:44 م

يُروى عن أحد الملوك القبليين أنه قرر أن ينشيء جيشا لمملكته. ولأنه مضطر لترضية رؤساء القبائل الكبرى فقد كان يأخذ كل من يعرف القراءة والكتابة من أبنائهم، ويمنحه رتبة عسكرية عليا في الجيش الجديد، لكسب ولاء قبائلهم.  

ثم في ذات صباح فوجيء بزعيم إحدى القبائل يقتحم عليه مجلسه دون استئذان،  وبغضب شديد يخاطبه باسمه المجرد تعبيرا عن الاحتجاج قائلا،          
 كيف تهين قبيلتنا….. يا فلان؟،

فرد عليه الملك،      
 وكيف أهينها يا شيخ؟     
 – لم تضع واحدا من أبنائي قائدا في الجيش.
هل أيٌ من أبنائك يقرأ ويكتب؟    
لا.
فألتفت الملك إلى حارسه وقال آمرا:
عينوه، واعطوه رتبة (لوا).

وهذا ما حدث لرئاسة الجمهورية العراقية أخيرا في أسوأ حالاتها في تاريخها الطويل على أيدي قادة دولة المحاصصة الثلاثة نوري المالكي ومسعود البرزاني ومحمد الحلبوسي.

ومناسبة هذا الكلام هي الزيارة التي قام بها الرئيس العراقي لطيف رشيد لجامعة الموصل،  والكلمة التي كتبها بخطه في سجل زياراتها والتي قدم لنا بها البرهان على أن معطف الرئاسة واسع عليه جدا إلى حد الفضيحة، وأنه أثبت لنا بها، أيضا، حجم المهانة التي بلغتها القيم والمقاييس.

فالعراق الذي كان عراق فيصل الأول وعبد المحسن السعدون ونوري السعيد ومحمد فاضل الجمالي وعبد الرحمن البزاز أصبح عراق نوري المالكي ومسعود البرزاني ولطيف رشيد ومسرور برزاني وقيس الخزعلي وهادي العامري وعمار الحكيم ومقتدى الصدر ومحمود المشهداني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر وصالح المطلق وأحمد الجبوري (أبو مازن) ومشعان.  

وخلاصة الحكاية أن صلاحية اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان أصبحت من اختصاص الإطار التنسيقي، حصرا، بقيادة نوري المالكي، وبرضا إيران.

ففي أعقاب هروب مقتدى الصدر من ساحة السياسة، بعد تهديدٍ جدّيٍ وصله من طهران،  تراكض الإطاريون لاستغلال الفرصة، والإسراع في تشكيل حكومة، أي حكومة، وانتخاب رئيس، أي رئيس.

ولأن الإطار لا يملك الأغلبية البرلمانية فقد كان محتاجا لأصوات نواب مسعود البرزاني مقابل الاستجابة لمطالبه، رغم قسوتها وصعوبة الالتزام بتلبيتها.

ولأن المالكي والبرزاني يُكنان عداءً شخصيا للدكتور برهم صالح، لأنه قال لهما (لا) في حالات سابقة، ويمكن أن يقولها لهما مجددا، وبعد فشل كاك مسعود في فرض خاله هوشيار زيباري، وابن عمه ريبر برزاني رئيسا للجمهورية، لم يجدا في صفوف الاتحاد الوطني بديلا عن برهم صالح سوى لطيف رشيد، رغم أنه بسيط وساذج، ووزير سابق فاشل، وذو شخصية رمادية لا تهش ولا تنش. أما الكفاءة والخبرة والثقافة والكرزما فهي آخر ما يعني مسعود وحليفه القديم الجديد، نوري، ومعهما إيران.

أما أصوات نواب سنة الحكومة فهي مضمونة ومن تحصيل الحاصل، ما دام أقوياء الخيمة الإيرانية العراقية لا يمسون مكاسبهما، وما دامت هذه هي إرادة الولي الفقيه، وتعليمات اسماعيل قاءاني، وللضرورة أحكام.

وهكذا تمت البيعة، وتم تجليس لطيف رشيد على كرسي الرئاسة ليُفقدها الكثير من هيبتها، ولكي لا يُبقي لها عند مواطن عراقي أيَّ احترام.

وللرئيس الجديد وقعتان،

الأولى هي اعترافات القيادي في البشمركة، مام روستم، التي قال فيها، “في أيام المعارضة خطفنا سائحيْن إيطاليين في كوردستان، وبعد فترة أطلقنا سراحهما مقابل فدية (مليوني دولار ٨٠٠ األف ) تسلمها دكتور لطيف رشيد حينها في أوروبا”.

https://twitter.com/alsabaawi/status/1609328642534035456

إن هذه الاعترافات لو صحت فإنها تشير إلى أن الرئيس عضو عصابة وليس حركة تحرر واستقلال وطني.

والثانية زيارته لجامعة الموصل، والكلمة التي كتبها في سجل زوارها وفضح فيها جهله التام باللغة الرسمية الأولى للدولة العراقية التي يجلس على تلها.

طبعا، ليس المطلوب من أي مواطن كردي عراقي أن يكون علاّمة في اللغة العربية. ولكن حين يرضى بأن يكون رئيسا لشعبٍ ثلاثةُ أرباعه عرب، ومحيطه عربي، فإن عليه، أولا وقبل أي شيء آخر، أن يتعلم القراءة والكتابة والخطابة باللغة المتداولة، دون فضائح.

وإليكم ما كتبه الرئيس،

1-               (إلى جامعة موصل العزيزة). حاذفاً لام التعريف، وكأنه يعني أن هناك أكثر من موصل واحدة.

2-               (لي شرفٌ) وليس (ليَ الشرف). وهذا يعني أن له بعضاً من الشرف، وليس كله.

3-               (أزور جامعة موصل في حالة جيدة). فليس مفهوما قصده. هل كان يعني أنه وجد الجامعة في حالة جيدة، أم أنه هو الذي كان في حالة جيدة، أو أن الطقس، في يوم الزيارة، هو الذي كان في حالة جيدة؟.

4-               (بعد ضلام قوات الشر الداعش). والصحيح بعد ظلام قوات الشر الداعشي.

5-               (وأملي بأن هذه الجامعة تبقى مركز مهم)، تبقى مركزاً مهماً.

6-               (لدراسة والعلم والأدب)، والمقصود لدراسة العلم والأدب.

7-               (لخدمة كافة العراقين)، وكان ينبغي أن توضع كلمة (كافة) في نهاية المعدود، فيقول (لخدمة العراقيين… كافة).

8-               (لخدمة العراقيْن)، وليس العراقيين.

وفي زمن العراق الإيراني حكايات عديدة من هذا النوع. واحدة منها أن وزير السياحة العراقي الأسبق في حكومة نوري المالكي الثانية، الشيخ محمد عباس العريبي، زار سوريا وأدلى في ختامها بحديث تلفزيوني عن نتائجها، فشكر (ضخامة) الرئيس السوري وليس (فخامة) الرئيس   
http://www.youtube.com/watch?v=9QC-RYnzzlA

صحيح أن الفرق بين (ضخامة) و(فخامة) حرفٌ واحد فقط إلا أن هذا الحرف يعني أن هذا الرجل لم يتعلم شيئا طيلة حياته الطويلة في حزب الدعوة والحسينيات التي قضى عمره تحت منابرها، ويعني، قبل ذلك كله أيضا أن الذي اختاره ورمى إليه بمفاتيح وزارة مملوءة بمئات الخبراء والعلماء الآثاريين والسياحيين وآلاف الموظفين وبمئات الملايين من الدولارات أميٌ مثلُه، أو خائنُ أمانة، أو كلاهما.

ترى، بأية لغة سيخطُب الرئيس لطيف رشيد نظراءه العرب في أي مؤتمر قمة عربي قادم؟  بهذه العربية المكسرة أم  باللغة الكردية التي قد يكون لا يجيدها، هي الأخرى، رغم أنها لغته الوحيدة؟، ولله في خلقه شؤون.

أحدث المقالات

أحدث المقالات